} عقد مجلس الوزراء في دولة الإمارات اجتماعاً في أبوظبي أمس وصِف بأنه "استثنائي"، رأسه الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس. ولم يعلن جدول أعمال الاجتماع الذي حضره مسؤولون من خارج المجلس، لكن مصادر مطلعة كشفت ان الموضوع الوحيد كان معالجة الخلل الواسع في التركيبة السكانية، بعدما قرع تقرير رسمي "ناقوس الخطر". قال ناطق باسم مجلس الوزراء الإماراتي إن المجلس خصص اجتماعه لبحث عدد من القضايا التي "تهم الوطن والمواطنين". ولم يعط وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء سعيد الغيث تفاصيل إضافية. وكشفت مصادر مطلعة ان مسؤولين إماراتيين من خارج المجلس شاركوا في الاجتماع، وبينهم أحمد خليفة السويدي الممثل الشخصي لرئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحمودة بن علي الممثل الشخصي للرئيس، واللواء ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي، الأمر الذي جعل الاجتماع "استثنائياً في حضوره وموضوعه". وأكدت المصادر أن التركيبة السكانية في الإمارات، ومعالجتها كانتا الموضوع الوحيد في جلسة مجلس الوزراء. وكشفت أن أحمد خليفة السويدي عرض في الجلسة نتائج اتصالات أجراها خلال الأيام الأخيرة مع حكام الإمارات وكبار المسؤولين فيها، لوضع حد للخلل الواسع في التركيبة السكانية في دولة الإمارات. ولفت مراقبون إلى أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وضعت تقريراً لعام 2000 قرع "ناقوس الخطر" في شأن التركيبة السكانية، ودفع الحكومة والمسؤولين إلى معاودة طرح الموضوع ضمن الأولويات، بعدما أخذت معالجته أشكالاً مختلفة في مراحل سابقة من دون التوصل إلى نتائج مجدية. وتقدر وزارة التخطيط عدد سكان الإمارات الآن بحوالى ثلاثة ملايين شخص، غالبيتهم أجانب، وآسيويون خصوصاً. وأجريت منذ قيام دولة الإمارات عام 1971 أربعة احصاءات سكانية، أولها عام 1975 وآخرها عام 1995، وارتفع عدد السكان من 557887 شخصاً عام 1975 إلى 99.042.1 مليون شخص عام 1980، و303.239.1 مليون عام 1985، ومليونين و411 ألفاً عام 1995. وتوقعت الوزارة أن يصل العدد عام 2005 إلى حوالى 5.3 مليون شخص. ويتركز معظم السكان في أبوظبي 10.39 في المئة تليها دبي 60.28 في المئة والشارقة 70.16 في المئة وعجمان 04.5 في المئة ورأس الخيمة 94.5 في المئة والفجيرة 16.3 في المئة وأم القيوين 46.1 في المئة. والأكثر خطورة في عرض أرقام السكان والعمال في دولة الإمارات تأكيد وزارة التخطيط أن عدد العاملين في الإمارات وصل إلى 5.1 مليون شخص، يشكلون نصف عدد السكان في عام 1999 في مقابل 4.1 مليون عامل عام 1998، بزيادة مئة ألف عامل في سنة واحدة. ويتفق تقرير وزارة العمل لعام 2000 مع احصاءات وزارة التخطيط، إذ رصد وجود مليون و145 ألفاً و115 عاملاً في القطاع الخاص 1.87 في المئة منهم آسيويون و6.10 في المئة عرب و3.2 في المئة من جنسيات أخرى. وأكد التقرير أن دولة الإمارات تعتبر الأولى في العالم لجهة الاعتماد على العمال الوافدين قياساً إلى عدد السكان. ولفت إلى أن الإمارات كانت ستقدم عدداً متزايداً من العمال في وقت كانت انتاجية العمل تشهد انخفاضاً سنوياً بنسبة 8.3 في المئة، في ظل غياب أي لجان للاصلاح الإداري منذ العام 1982، في وقت توجد ثقافة معادية للتدريب لدى أصحاب الأعمال. وكانت الإمارات شكلت سابقاً لجاناً رفيعة المستوى لمعالجة وضع التركيبة السكانية، واتخذت اجراءات، لكنها لم تثبت فعاليتها، وذلك من خلال ظهور تزايد في عدد العمال الوافدين، خصوصاً الآسيويين. كما وضعت الحكومة شروطاً لاستقدام فئات معينة من العمال من دون أن تتعرض لانتقادات خارجية. وشكل تقرير وزارة العمل "ناقوس خطر" جديداً أمام مجتمع الإمارات، وطرح أمامه تساؤلات خطيرة في شأن معاودة هيكلة الاقتصاد وسوق العمل، للاعتماد على التقنيات الحديثة والعمال المهرة، وكيفية تحقيق التنمية في ظل سيطرة العمال الوافدين وغياب التدريب للمواطنين. وشهدت بعض القطاعات في الإمارات نجاحاً جزئياً في عملية التوطين، خصوصاً في قطاع المصارف، لكن هذا التوجه لم ينجح في قطاعات أخرى، منها التأمين والقطاع الخاص. وحيال هذا التحدي وغياب الرأي الرسمي حتى الآن، وهو ربما يتبلور بعد اجتماع مجلس الوزراء وتصديه لهذه المشكلة، برزت آراء مختصين ومعنيين في القطاع الخاص ومراكز البحوث والمجلس الوطني الاتحادي، لتؤكد ان الإمارات الغنية بالنفط والتي تتميز بدخل للفرد هو الأعلى في المنطقة 17 ألف دولار سنوياً تعيش ثقافة المجتمع الاستهلاكي، وتغييرها ليس سهلاً. ويعتبر هؤلاء أنه لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية طويلة الأمد من دون الاهتمام بالانتاج وترشيد استخدام العمال. ويشددون على ضرورة وضع ركائز جديدة للنهوض بالمسؤوليات الخاصة بالتركيبة السكانية، تشمل تصحيح بنية الدولة والتحديث الإداري والكوادر القيادية الوطنية والاستراتيجيات القصيرة الأمد للتعامل مع هذه المشكلة، ويؤكدون ان الأوضاع في الإمارات تتطلب حلاً سريعاً لمشكلة العمال "فقد بعنا وطناً على مدى 30 سنة ونريد اليوم أن نشتريه".