كيف يموت البحرُ فيصبح بحراً ميتاً؟ مَنْ ذاكَ أماتَ الماء ولؤلؤَ قاع الماء وملحَ الماء وأسماك اللجّة والحيتانْ؟ مَنْ ذاك؟ وضفدعةٌ في الشط تعربد صائحة وطيور تهوي لتبلَّ مناقرها وتصعد خافقةً ومغرّدةً؟ فالماء هنا حيٌّ وجعلنا منه حياةً... كيف إذنْ؟ لم يَشْفِ غليلي رجلٌ كان يسير على الشاطىء منتعشاً، حين أشار إلى امرأةٍ تطفو كالفلّين على الموج الساكنْ وإلى طفلٍ كان يعوم بأدنى الحركات ولا يخشى الغرقا وخلائق تعبرُ سابحةً أو ماشيةً فوق الماء كأنّ مسيحاً مّا عبَرتْ قدماه هُناكَ وظلّ الماءُ كما أمرته القدرة منبسطا قال القدرةٌ تجعل هذا البحر كلوح زجاج أزرق لتمرّ عليه الأجساد خفافاً كطيورٍ قلتٌ لماذا؟ وبأيّ موازين القدرة مات البحر؟ قال الله أماتَ مخالبه الزرق وأنقذ منها أعناق البحّارة والسفن الغرقى في القاعِ وأعناق الغوّاصينْ... قلتُ نُسمّي هذا البحر إذنْ حَمَلاً جَمَلاً لبناً عسلاً حجلاً أو ما شئت من الأسماء الحسنى، لكنْ خلِّ الموت... لم يبقَ البحر بعيداً ودَنا منّي قالَ أنا مَيْتٌ من شدة حبي لجمال القدرة فيَّ ولكنّي حيٌّ وأُسَبّح بالموج الخافقِ هَلْ تسمعُني؟ قلتُ إذنْ فالرحمة كانت آمرةً للماء وكان الماء يطيع الرحمن، كما لو قال له لتكن جسراً فيكون، وكُن موتاً فيكون وكُن للطفل صديقاً أو للأعمى عكازاً فيكون وللطاغي تابوتاً فيكون ألم تكن النار على إبراهيم سلاما؟ ولنفرضْ أن الطاغوتَ مشى فوق الماء فهل يحمله الماءُ... وهَلْ؟ ... .... كنتُ أحدّث نفسي وأنا أمشي قربَ البحرِ، وكان الماء تسرّب من قَدَميَّ الى رأسي. فحملتٌ دمي ومَشَيْتُ خفيفاً فوق الماءِ وصرتُ أنا البحرَ وفيّ احتشدوا وابتعدوا وعلى أمواجي ناموا كالألواحِ وصاروا رُبّانا وإذا غرقوا صاروا مرجانا والموجُ الهادرُ فيَّ يموجُ ويغدو أحياناً كالثور وحين أمد يديَّ ينامُ ويصبحُ طفلاً أو حَمَلاً يثغو. وبدأتُ أكلّم نفسي... وأقول لنفسي يا ولدُ اسمعْ هل تعرفُ أنتَ الحدّ الفاصلََ بين حياتِك والموتِ وبين سكونك والصخبِ وبين جمالِكَ والجيفة؟ فلماذا تسألُ بحراً خارج ذاتك عن ذاتك؟ أنتَ البحر وأنت الحيُّ وأنتَ الميت وأنت مسيحُ الأردن وموسى حين انشقَّ البحر لخطوتِهِ وعصَاكَ دليلُكَ حتّى آخرِ أيّامِ التكوينْ فدعِ البحرَ، وحيداً يفعل ما شاءَ وعُدْ نحوَ البيت. 8/5/2001 * شاعر لبناني.