لم تطغ الانتخابات الايطالية على النشاط الثقافي، اذ يحظى هذا البلد يومياً بأكثر من حدث ثقافي في المسرح، التشكيل، الآثار وترميمها، السينما والموسيقى، ولعل المخرج والممثل السينمائي موريتي سرق الانظار خلال الشهر الماضي بنيله جائزة "بالما" الذهبية عن فيلمه La Stanza Del Filio او غرفة الابن في مهرجان "كان" السينمائي، وبمقدار ما كان رد فعل موريتي "مستهجناً" ان جاز التعبير من شدة دهشته وفرحته، لأن نيله الجائزة كان متوقعاً. من جهة اخرى واكب عشرات الملايين من المشاهدين والمشاركين الحفلة الموسيقية الغنائىة - الاوبرالية للفنان لوتشيانو بافاروتي، الذي يحرص دوماً على اقامة حفلته الموسيقية في مودونا حيث اصوله ونشأته، وأواخر الشهر الماضي شهدت ساحة مودونا التاريخية الحفلة الثامنة لما يسمى بمؤسسة "بافاروتي وأصدقاؤه"، وهي حفلة تخصص كل عام لمساعدة الاطفال في احد البلدان الفقيرة. وكان لأطفال افغانستان اللاجئين الى باكستان حصة هذه المرة شعار الحفلة "قبلة لأفغانستان المتألمة" اذ يعود ريع الحفلة للبلد المعوز لانشاء مدارس او مستشفيات او خدمات صحية واجتماعية كما جرت العادة. وشارك في الحفلة حوالى ثلاثين طفلاً ممن لجأوا الى باكستان، اتوا الى مودونا ليشاركوا بافاروتي الغناء وهي مشاركة تتطلب اعداداً كبيراً، لكنهم "فعلوها" ونالوا ترحيباً واسعاً... ولعل ما يدعم الحفلة هذه سنوياً، عدا صوت بافاروتي حضور شخصيات ثقافية وفنية يأتون كأصدقاء من دون مقابل مادي للمشاركة سواء بوجودهم او بالغناء الى جانب بافاروتي مؤدين اغنيات عالمية مشهورة. بافاروتي افتتح الحفلة مع الفنانة الايطالية المشهورة فيوريللا مانويا بالاغنية العالمية الحنون "كاروزو" - نسبة الى الفنان كاروزو الذي سبق بافاروتي بصوته الى تينور او Tenore وقد كتبها وغناها ايضاً من قبل لوتشيو دالا وهي تبدأ بعبارة "هناك... حيث البحر يلمع... اريدك ان تكوني بخير..." ، وكان لمشاركة فنانين عالميين ايضاً صدى في دعم الحفلة وان كان لثوان معدودة، امثال باري وايت الذي غنى مع بافاروتي، والممثل مايكل دوغلاس الذي حمل مفاجأة تخصيص جائزة لبافاروتي، باعتباره شخصية هذا العام لمساعدة اللاجئين في العالم... وهي جائزة تمنحها الأممالمتحدة. على صعيد آخر حظي كتاب روبرتو باتزي - Roberto Patzzi اهتماماً واسعاً ونفد من المكتبات فأعيد طبعه ثانية. عنوان الكتاب Conclave بواسطة المفتاح. والناشر دار فراسينيللي. الكاتب مواليد 1946 المشهور بغزارة نتاجه والذي انطلق بنشر المؤلفات الشعرية، ليستقر على فن الرواية ابرز رواياته "البحث عن الامبراطور" 1985 التي يروي فيها نهاية العائلة القيصرية الروسية، و"الغرفة فوق الماء" 1992 و"المدينة الطائرة" 1999، تدور جميعها في مناخ غرائبي ليتناول المسائل الانسانية والسياسية والاجتماعية. كتاب روبرتو باتزي حظي بمديح ابرز الصحف العالمية ك"نيويورك تايمز" و"الاكسبرس" و"الاوبزرفر". وفي الكتاب يدخل باتزي الفاتيكان وغرفه السرية، حيث يجتمع كرادلة العالم ومن بينهم اللبناني والفلسطيني، مشرحاً الاحداث والشخصيات، بتفاصيلها الانسانية والطبيعية والسياسية. والكتاب جذاب منذ البداية. وتمر الايام والاسابيع ولا يصل المجتمعون في صالة الفاتيكان المعروفة ب"كابيللا سيستينا" - رائعة انجلو - الى توافق حول اختيار البابا الجديد المعروف بأن البابا الحالي في الكتاب هو شرقي خلافاً لما كان الأمر سابقاً وينسج صورة الخلافات وتحديداً سعي الايطاليين وتفضيلهم بابا غربياً. ويختار في معمعة ما يحصل في الداخل المغلق تسرب معلومات عن موت احد الكرادلة بطريقة غريبة، ومحاولة آخرين الهروب، اضافة الى اجواء ترقب وحذر وعدم ثقة وطريقة تعامل كل فرد من المجتمعين مع الآخر. الكاتب، وان كان موضوعه الفاتيكان والكرادلة، يسعى الى رصد مجتمعنا، ولا يخشى من نقد الحقائق الثابتة في المخيلة، وذلك بأسلوب سوريالي ونقدي، اشارت مقدمة الناشر: "يتخيل الكاتب ممراً اكثر انسانية لحياة تلك الشخصيات: يريد القول ان كل هؤلاء المهمين هم طبيعيون لا يختلفون عن غيرهم. كتاب باتزي رواية بناها على مفتاح لكل الغرب، وعمد الى وضع بورتريه لايطاليا اليوم بكل تفاصيله". لا بد من الاشارة في سياق الحدث الثقافي الايطالي ان العمل انتهى من ترميم ابرز روائع "جوتو" الفنية، التي اعتبرت بداية فن الرسم الايطالي، وهي المعروفة بCrocfisso Digiotto موجودة في الصالة الرئىسة لكنيسة سانتا ماريا الجديدة في فلورنسا.