مع انتهاء عمليات الترميم في خان أسعد باشا الواقع وسط دمشق القديمة، ووصول تجهيزاته، اقترب متحف التاريخ الطبيعي، المزمع اقامته في رحاب هذا الصرح التاريخي، من ابصار النور، في إطار مشروع تعاون سوري - ياباني، هو الأول من نوعه في هذا المجال، بعدما شاركت اليابان ولسنوات طويلة في مجال التنقيب الأثري. ويحتضن هذا المتحف آلاف اللقى الاثرية العائدة إلى مرحلة ما قبل التاريخ، بعدما وقع الاختيار على المبنى ليشغل هذه الوظيفة ضمن حملة وزارة الثقافة السورية لتوظيف الأماكن الأثرية والتاريخية. ويتعاون السوريون واليابانيون منذ سنوات لايجاد متحف يعنى بالتاريخ الطبيعي والتطور الإنساني، وبعدما قدم الجانب السوري المكان، إضافة إلى اللقى الأثرية، قدم الجانب الياباني منحة تضمنت تجهيزات المتحف وتغطية أجور بعض المشرفين على الترميم. ويقول الدكتور عبدالرزاق معاذ، مدير الآثار والمتاحف السورية ل"الحياة": "غاية اليابانيين من تقديم هذه المنحة هي ايجاد متحف ومركز لدراسات التاريخ الطبيعي والتطور الإنساني في منطقة غرب آسيا التي تفتقر إلى هذين الفرعين من الدراسة، إضافة إلى ايجاد سبق خاص بهم، أسوة باكتشافات البعثات الأثرية الأجنبية الأخرى العاملة في سورية". ويضيف: "وجود عشرات آلاف من اللقى الأثرية التي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ والتي تضمها متاحف المدن السورية المختلفة، ومستودعاتها والتي تعود إلى ملايين السنين كان وراء مشروع هذا المتحف، بالإضافة طبعاً إلى هاجس اليابانيين لاجراء سلسلة بحوث تهدف إلى توثيق هذه المرحلة في هذه المنطقة بالذات، نظراً لغناها الحضاري". ويكشف تقسيم المتحف، الذي يبدأ بالتوثيق لمنطقة غرب آسيا منذ خمسة ملايين عام، عن مراحل للنشوء والارتقاء الانساني وتطور الطبيعة في المنطقة، موضحاً طبيعة اللقى الأثرية في مناطق التنقيب التي تعود إلى تلك الحقبة أو حتى ما قبلها. أقسام المتحف ويهدف مشروع المتحف المؤلف من 14 قسماً إلى تعريف العامة والمختصين بماهية الجنس البشري ونشوئه وانتشاره، وتبيان الفرق بين إنسان النياندرتال والإنسان الحديث وذلك في أقسام المتحف الثلاثة الأولى. وخصصت حضارات العصر الحجري القديم والوسيط والحديث في سورية بالقسمين الرابع والخامس، وتوثيق العصر الجيولوجي الرباعي بما فيها الحيوانات والنباتات وأسماك المياه العذبة في منطقة غرب آسيا ضمن الأقسام: السادس والسابع والثامن والتاسع، والتطورات المحلية للمجتمع السوري في القسم العاشر، والأدوات الحجرية والتقنية في عصر ما قبل التاريخ في القسم الحادي عشر، أما القسم الثاني عشر فخصصه اليابانيين ليكون مركز دراسات وبحوث لنشوء الإنسان وتطوراته الحالية. ويبين القسم الثالث عشر ماهية العلوم الميدانية في مجال التنقيب الأثري، أما القسم الأخير فخصص لتطورات وتاريخ الخان الذي يحتضن المتحف. الجدير بالذكر أن فريق المشروع يتكون من عشرة باحثين من سورية واليابان وفرنسا وايطاليا وسويسرا. ويقع خان أسعد باشا، مقر المتحف، وسط سوق البزورية الشهير. وهو يعتبر أحد صروح دمشق التاريخية، إذ يعود تاريخ بنائه إلى عام 1752. وأمر ببنائه حينذاك والي دمشق العثماني أسعد بن اسماعيل باشا العظم الذي حكم دمشق بين عامي 1743 و1756. وكان الخان في البداية عبارة عن نُزل لاستقبال الزوار من خارج المدينة، وتعرض لزلزال خرب أجزاء كبيرة منه بعد ست سنوات من بنائه. ومن المفارقات ان بناء الخان لم يستغرق سوى سنة وشهرين، بينما استمرت حملة ترميمه أكثر من سبع سنوات. ويبرر ذلك د. معاذ بأن "انتقال المبنى من اشراف وزارة السياحة إلى وزارة الثقافة أخّر اتمام عملية الترميم، إضافة إلى الحضور المتقطع للمهندس الايطالي المشرف على الترميم". ومن جانبه، يلخص المهندس علي سلامة، المسؤول عن ترميم الخان ل"الحياة" أسباباً أخرى لتأخير الترميم، منها تأخر اعتمادات الموازنة السنوية المخصصة للمشروع، إضافة إلى أعمال التوثيق التي تترافق وأعمال الصيانة والترميم. ويتابع: "الارتفاعات العالية وطبيعة المواد المستخدمة التي تحتاج إلى وقت طويل لتحضيرها أجلت انهاء الترميم عن موعده المقرر"، مشيراً إلى أن الاشغال التي تضمنتها عملية احياء الخان شملت أعمال التدعيم والمحافظة على الجدران وترميم القباب وأقواسها والغرف ومد المتحف بشبكة مياه، إضافة إلى عملية طلاء الجدران بالكلس العربي الأبيض وترميم الباحة والأبواب والنوافذ. بناء فريد ويتميز خان أسعد باشا العظم عن غيره من الأبنية الأثرية والصروح التاريخية بفرادة بنائه، ونوعية المواد المستخدمة في انشائه، إذ ينبسط على مساحة 2500 متر مربع ويتألف من طابقين وتحيط بصحنه 95 غرفة موزعة بين 48 غرفة في الأرضي و47 غرفة في العلوي، وتتوسطه بحيرة دائرية الشكل، ترتفع ذروة قبابه الثماني نحو 17 متراً تحيط بفتحة سماوية تتوسطه وتساوي مساحتها مساحة البحيرة التي توازيها. وأكد د. معاذ أن باحة الخان ستظل مكاناً للنشاطات الفنية من معارض للفنون التشكيلية والصور الضوئية، وخصصت في الآونة الأخيرة لنشاط المركز الثقافي الأميركي الذي عرض صوراً ضوئية موضوعها: "أميركا خلال القرن العشرين". وأضاف ان أبواب المتحف ستكون مفتوحة خلال عام من الآن على أبعد تقدير.