تجمع الأوساط السياسية المعارضة والموالية في لبنان على اعتبار اجراءات اعادة انتشار الجيش السوري في بعبدا واليرزة ومناطق اخرى في جبل لبنانوبيروت، المتواصلة، بأنها خطوة سياسية تعزز موقع رئىس الجمهورية اميل لحود، وتعطيه جرعة من الدعم لدوره الحواري الذي طالما رددت دمشق حرصها على ان يتم عبره اذا كان المطلوب البحث في مطالب المعترضين على العلاقات اللبنانية - السورية. وعلى رغم ان الكثير من المقربين من القيادة السورية يشددون على ان لا ابعاد سياسية للخطوة، بل هي امنية، واستكمال للخطوات التي بدأتها القوات السورية في نيسان ابريل العام الماضي، وتوقفت بسبب اشتداد الحملات السياسية ضد الدور السوري في لبنان، فإن الاوساط المعارضة والموالية في بيروت تعتقد ان دمشق ضربت عصافير عدة بحجر واحد على الصعيد السياسي من طريق التوقيت الذي اعتمدته في البدء في اعادة الانتشار. وثمة من يعتبر ان بين هذه "العصافير" ان مباشرة الاخلاءات "هدية" لرئىس الجمهورية، تزيد من صدقيته في اتصالاته مع المعارضين على الساحة المسيحية، بعد ان كان بدأ حواراً مباشراً مع البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، ومع رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لوضع تصور يعالج اسباب الاعتراض. وفي اعتقاد الاوساط التي ترى في ما يحصل كسباً كبيراً للحود، ان الجانب السوري ادرك على الارجح، ان وقوف رئىس الجمهورية الى جانب سورية ودفاعه عن وجودها في لبنان إزاء حملات الكثير من القوى السياسية، فضلاً عن قرار الانفتاح على البطريرك صفير ومطالبه، وهو قرار اتخذ في منتصف نيسان الماضي عبر رئاسة الجمهورية، يفترضان اعادة تقوية موقع لحود في الزعامة المسيحية، بعد ان تعرض بدوره لحملات وانتقادات كثيرة في المدة الاخيرة. ويرى قطب سياسي معارض ان اعادة الانتشار السوري في المواقع التي يتم وسيتم فيها، يطلق عملية سياسية طويلة، على طريق تصحيح الخلل في العلاقات الثنائية، لا بد للرئىس لحود من ان يلعب دوراً فيها. وكي يلعب هذا الدور من الضروري ان تكون لديه القدرة على الاخذ والعطاء، فجاءت الاخلاءات السورية لتعزز قدرته هذه، في المستقبل. ويرى القطب نفسه انه مثلما التقط لحود المبادرة قبل اسابيع وأقبل على فكرة الحوار مع المعارضين، فإن صفير وجنبلاط التقطا المبادرة بدورهما، فأشار الاول الى العلاقة الجيدة مع رئىس الجمهورية، وحرص الثاني على تصنيف خطوات اعادة الانتشار في رصيد لحود. ومهما يكن من امر التكهنات حول حجم اجراءات اعادة الانتشار، وما اذا كانت ستصل الى الحدود التي رسمها اتفاق الطائف، ام لا، فإن الحديث عن مفاعيلها السياسية، هو الغالب في الوسطين الموالي والمعارض، سواء على الصعيد الخارجي او الداخلي. فإضافة الى ان توقيتها قبل زيارة الرئىس بشار الاسد الى فرنسا والمانيا، ومع مجيء الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، ومع التحضيرات لعقد اجتماع باريس -2 لمساعدة لبنان على تجاوز ازمة مديونيته... يشكل رسالة ايجابية الى الخارج، فإن مصدراً قيادياً في لقاء "قرنة شهوان" يعتبر ان ما يحصل خطوة سياسية بامتياز. ويقول المصدر القيادي القريب من موقف صفير: "انها خطوة تعزز الانفتاح السياسي. ولذلك علينا الا ننظر اليها على طريقة احتساب عدد الجنود السوريين الذين يغادرون، بل على انها فعل سياسي ايجابي يجب استكماله عبر الحوار السياسي وصولاً الى خطوات اخرى لمصلحة البلدين. وهي بهذا المعنى دافع الى التفكير بعقلانية وهدوء، بسبل معالجة القضايا العالقة، وتجنب التعاطي معها بأسلوب التشكيك الذي لا يتناسب مع مدلولها" وفي وقت اعربت مصادر وثيقة الصلة بدمشق عن ارتياحها الى ردود الفعل على اعادة الانتشار من جانب الكثيرين من اعضاء لقاء "قرنة شهوان"، فإن هذه المصادر نفسها اشارت الى مفاعيل سياسية اخرى، اهمها ترتيب الاوضاع الداخلية للحكم اللبناني، عبر تنقية الاجواء بينهم. ويرى احد القياديين القريبين من المسؤولين السوريين، ان تثمير الموقف السوري الجديد يفترض ان يلتقي اركان الحكم، ويزيلوا الحساسيات بينهم من اجل ان يتمكنوا من وضع تصور للمرحلة المقبلة وللعلاقات مع سورية ولمواضيع الحوار. وعليه، فإن القيادي نفسه يتوقع ان تتواصل جملة مصالحات لهذا الغرض. فبعد رعاية اللواء الركن غازي كنعان لمصالحة رئىس المجلس النيابي نبيه بري مع اللواء الركن جميل السيد بسبب اعتراضات، لأن الاول كان له جملة اعتراضات على سلوك الاجهزة الامنية، توقعت مصادر رسمية ان يزور بري القصر الجمهوري للقاء لحود يوم الاربعاء المقبل. وينتظر ان يلتقي جنبلاط مع بري، إثر مرحلة من الحملات المتبادلة، بعد ان تحادثا هاتفياً الاسبوع الفائت لازالة الجفاء بينهما.