حلّ الرئىس الأميركي جورج بوش ضيفاً على أوروبا تسبقه صورة سيئة: إنه شخص متعالٍ، ينفرد باتخاذ القرارات، لا يحترم الحلفاء، يغلّب المصالح الوطنية الضيقة، يكثر من تنفيذ أحكام الاعدام... كانت مهمته معقدة تبعاً لذلك: كيف يحول زيارة التعارف وسيلةً لتغيير هذا الانطباع من دون التخلي عن البرنامج الذي تشده إليه المصالح الداخلية والخارجية للقوى المحافظة التي يمثلها؟ يصعب القول إنه نجح في هذه المهمة التي سيطر عليها ملفان أساسيان: البيئة والأمن. كان الملف الاول محل نقاش في قمة غوتنبورغ الاوروبية - الاميركية، وانتهى الى "اتفاق على الخلاف". لم يشأ الرئىس الأميركي التراجع عن انسحابه من "بروتوكول كيوتو" وأحرج محاوريه الذين يدركون أن التزامهم قد يضر بهم اذا بقي "الملوّث الاول" خارج النادي. تنازل بوش لفظياً في ما يخص الوضع البائس للبيئة العالمية، والمخاطر التي تتعرض لها، وضرورة التوصل الى حل متوافق عليه، لكنه أصر على رفض الحل الوحيد المتوافق عليه المطروح. وتأكد للاوروبيين ان الارتباط القوي بين هذا الملف والتصور الجمهوري للقدرة التنافسية، ولتنويع مصادر الطاقة، ولموقع شركات النفط، سيمنع أي توافق. كان يمكن ذلك أن يكون أقل وطأة لو أن بوش لم يعدهم بأنه، في ما يخص التوجهات الأمنية الاستراتيجية، سيشاورهم ولن يقدم على خطوة لا يوافقون عليها. وكان واضحاً، في هذا المجال، أنه تعمد أن يعطيهم "من طرف اللسان حلاوة" في انتظار أن تنضج القرارات الكبرى في واشنطن. باعهم بوش، من كيسهم، قضية القوة العسكرية الاوروبية. لكنه أوضح لهم أن حقها في العمل محصور بما يرفض حلف شمال الاطلسي القيام به، ودعاهم الى زيادة موازناتهم الدفاعية، وترك لتركيا مهمة الضغط في كل المواضيع التي تربط القوة المزمع انشاؤها بالبنى التحتية للحلف. وفي حين كانوا ينتظرون منه توضيحات مقنعة في شأن الدرع المضادة للصواريخ، فإنه اكتفى بتكرار ما هو معروف عن الموقف الاميركي مضيفاً إليه "وعداً بالتشاور المسبق". واللافت، في هذا المجال، أن اجتماع الأطلسي أظهر أن أوروبا ليست موحدة تماماً. فالدول الثلاث التي انضمت أخيراً بولندا، هنغاريا، تشيخيا أبدت موافقة على الطرح الاميركي. وانحاز سيلفيو بيرلوسكوني إليها. وتردد خوسيه اثنار. ووقف توني بلير على الحياد. أما المستشار الالماني غيرهارد شرودر فقدم تحفظات تقنية كشفت ان الرئىس الفرنسي جاك شيراك يملك، وحده، وجهة نظر مخالفة تطاول الهندسة الأمنية العالمية. لا يعني ذلك أن المشروع الاميركي يملك حظاً كبيراً في انتزاع الموافقة لكنه يكفي لتبرير كلام بوش عن "استعداد أكبر للاستماع". الحجة الاميركية الرئىسة في الدفاع عن "الدرع" أنها ليست موجهة ضد روسيا. لكن هذه الحجة تضعف أمام الإصرار على المضي قدماً في توسيع حلف شمال الاطلسي. والواضح انه لم يتفق نهائياً على تسمية الدول المرشحة للانضمام دولة واحدة؟ ثلاث؟ سبع؟ وان كان مؤكداً ان موسكو لا تنظر بعين الرضى الى ذلك، خصوصاً اذا كانت احدى دول البلطيق مشمولة. كتب السناتور الديموقراطي السابق سام نان، وهو مرجع في قضايا الأمن الاميركي، مقالاً اعتبر فيه أن واشنطن "تعاطت مع تحديات الحرب البادرة عبر المواجهة مع موسكو. أما اليوم فلا مجال لخطة واقعية لحماية اميركا من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية من دون الاعتماد على التعاون مع موسكو". ويحدد هذا التقدير وجهة في التعاطي مختلفة عما تعتمده الادارة. ويكتسب كلام نان والتخوف الاوروبي أهميته من أن الرئىس الروسي فلاديمير بوتين يستعد للقاء بوش بتوحيد الموقف الرافض ل"الدرع" مع الرئىس الصيني جيانغ زيمين. فلقد التقى الرجلان في إطار "مجموعة شنغهاي" الخماسية المتحولة الى سداسية من أجل تدعيم رسالة الرفض هذه. واذا كانت المجموعة روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان تشارك بوش خوفه من "الارهاب الاصولي" فإنها طالبت بوتين بأن ينقل إليه قلقها من إطلاق سباق جديد للتسلح.