لم تشهد عملية اعادة انتشار الجيش السوري في لبنان أمس الزخم الذي عرفته أول من أمس على رغم ان ما يعلن يفيد ان العملية مستمرة الى الأيام المقبلة. لكن البارز كان أمس ما أوردته وكالة "رويترز" أن القوات السورية "أدخلت دبابات الى سورية عبر الحدود في نقطة المصنع". واذ لم تخلَ مواقع نهائياً أمس، فإن بعض المواقع شهد حركة تفكيك معدات وتحميل عتاد وبخاصة في المتن حيث قامت "الحياة" بجولة ميدانية بدءاً بمنطقة الفنار وبعبدات وبيت مري فالمونتيفردي حيث توجد مواقع سورية في كثافة. وكانت المواقع هذه على حالها لا يظهر للمار في محاذاتها أي حركة تفكيك. ولكن في بلدة رأس المتن كان عشرات الجنود متحلقين قرب شاحناتهم المحملة بالعتاد. ولم يفد الضابط المسؤول في الموقع، وهو برتبة نقيب، "الحياة" بأي معلومات ولم يسمح لها ايضاً بالتقاط صور، قائلاً: "أرجو المعذرة وانتم تقدرون وضعنا". أما الجنود فلم يبدُ عليهم فرح كان بادياً على زملائهم الذين غادروا نحو 41 موقعاً من بيروت والحدث وبعبدا واليرزة. واذ أحصت "الحياة" أعمال تفكيك في أربعة مواقع اضافة الى موقع رأس المتن، تركزت في بلدات صليما والمتين وضهور الشوير والدوار، فإن وكالة "فرانس برس" أفادت ان القوات السورية أخلت أمس ستة مواقع لها في شكل تام أو جزئي في بعبدا والمتن وبخاصة في بلدات بعبدا والمكلس والحازمية. ولوحظ وجود عشرات الشاحنات العسكرية السورية التي كانت تجوب الطريق الممتدة من المديرج الى بولونيا - ضهور الشوير، جيئة وذهاباً، بعضها فارغ وبعضها محمل بالعتاد، وبعضها معطل محملاً على جانب الطريق. واذا كان العسكر لا يدلون بمعلومات، فإن سكان المنطقة لم يكونوا أكثر كرماً في التحدث. وكل الذين تحدثوا تمنعوا عن ذكر اسمائهم. وأوضح بعضهم في بلدة قرنايل أن السوريين موجودون هنا من العام 1976، وحتى الجنود الذي غادروا الساحل خلال الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 جاءوا الى هذه المنطقة التي لم تدخلها اسرائيل. وعن حركة اعادة الانتشار، أشاروا الى انهم يشاهدون حركة آليات وشاحنات عسكرية كثيفة منذ أول من أمس، قائلين: "قد يكون ما يحصل تبديل لا اعادة انتشار. ذهب السّادة وجاء المرقّط، أي ذهب الجنود النظاميون الذين يرتدون زياً عادياً وجاء مكانهم جنود الوحدات الخاصة الذين يرتدون زياً مرقطاً". وكان كثيرون من الجنود الذين غادروا بيروت وبعض مناطق جبل لبنان، وهم من الوحدات الخاصة، توجهوا الى منطقة المتن وبخاصة بولونيا وضهور الشوير حيث أقيمت نقطة تجميع. لكن ما يفهم من هذا الوضع ان التبديل الذي يتحدث عنه أهالي المنطقة هو حلول الوحدات التي تعيد انتشارها من بيروت ومناطق جبلية أخرى، محل الوحدات المتمركزة فيها لتغادر تلك الأخيرة في اتجاه البقاع وسورية. والمتن الجنوبي العالي وضهر البيدر هما خط المرحلة الأولى لاعادة الانتشار الذي حدده اتفاق الطائف، وتالياً ستبقى فيهما بعض المواقع الاستراتيجية للجيش السوري. ويوضح شاب ان هذا الخط يمتد على الطريق التي تسمى "جادة الرئيس حافظ الأسد" من حاجز المخابرات السورية في المديرج الى حاجز المخابرات في بولونيا. ويشمل بلدات حمانا وخلوات فالوغا وقرنايل وبزبدين ومشايخة والمتين وبولونيا وصولاً الى ضهور الشوير. ويضيف ان "هذا يؤكد انهم اذا اعادوا انتشارهم من بيروت فسيبقون هنا". وحيال هذا الوضع، فإن الناس في منطقة المتن، وهم يشككون في اعادة الانتشار من قراهم، لا يبدو شعورهم واضحاً حتى الآن. ويبادر شاب لدى الاستفسار منه عن شعور سكان المنطقة حيال اعادة الانتشار، قائلاً: "في الاخبار يقولون اعادة انتشار والناس يقولون انسحاباً. وعلى أي حال فالناس في المنطقة كانوا ليلة البارحة فرحين بهذه الخطوة لكنهم صباحاً اعتبروا انها تبديل". وتحدث البعض عن أمل الناس بأن تخلي القوات السورية بعض المواقع نظراً الى وجودها في أملاك خاصة ولا يمكن اصحابها استثمارها أو دخولها الا بإذن من القيادة، "لانها منطقة عسكرية، وهي في معظمها مزروعة بالصنوبر الجوي الذي قطع الجنود السوريون بعضاً من أشجاره ستّروا بها دباباتهم غداة الغارة الاسرائيلية على الرادار في ضهر البيدر". ويسوق شاب في بلدة صليما مثالاً عن "موقع اقيم عام 1997 في مشروع سكني انشئ عام 1996، وبيعت شققه لخليجيين. ولكن قبل انجازه أقيم فيه الموقع فلم يعد في استطاعة صاحبه القيام بشيء اذ تمنع المشترون عن الدفع الى حين تسلمهم الشقق وكذلك لا يمكن اخلاء الجنود منه". وفي بلدة الدوّار يمتنع شاب عن الكلام "لأن هذه المنطقة من المنطقة الشرقية. الله معك". ويفيد سكان آخرون ان البلدة كانت خط تماس أيام الحرب ودخلها السوريون عام 1990 خلال الهجوم الذي شنوه مع الجيش اللبناني ضدّ العماد ميشال عون. وأقاموا في البلدة موقعاً كبيراً. ويقول بعضهم "ان السوريين سحبوا آليات الموقع ليل أول من أمس، لكن الجنود لا يزالون فيه". وعن رأيه في اعادة الانتشار قال: "لا كلام الى ان نلمس شيئاً فعلياً".