جون كامبيل، رجل في الثلاثينات من عمره، يعيش ما يشبه حياة الأحلام. يستيقظ صباحاً على همس خفيف لشقراء تبدو كأنها تركت للتو مكانها في احد اعلانات عطور "شانيل"، ويرتدي ثيابه في شقته الفارهة المطلة على منطقة مانهاتن الثرية في نيويورك، ويقود سيارة الفيراري الى مكتبه القريب في احدى ناطحات السحاب، ليترأس اجتماع مجلس الادارة ويعقد صفقة بقيمة مئة بليون دولار. هذه البلايين تبدو في بال جون كامبيل أداء نيكولاس كايج عندما يسأله أحدهم: "هل تحتاج الى شيء لمناسبة عيد الميلاد؟"، فيجيب: "لا أحتاج الى شيء... فلدي كل شيء!". وتعود جملته الأخيرة هذه لتسكن حياته اليومية عندما يستيقظ هذا الشاب البليونير على صوت الأطفال في غرفة نوم صغيرة، الى جانب امرأة تذكره بالماضي البعيد. وقبل أن يستطيع فقه أبعاد هذا التغيير الجذري، يُصدم بمعاملة الأطفال له وللمرأة المجاورة له بحميمية أبويهم. ويزداد الطين بلة عندما يجد صاحبنا ان بواب مبناه الفخم يرفض السماح له بالدخول، وأن اسمه لم يعد موجوداً على لائحة أعضاء مجلس الادارة في مدخل مبنى الشركة. ولئلا يمضي الليلة في مخفر الشرطة، يضطر جون كامبيل الى العودة الى المنزل الذي كان استيقظ عليه، ليجد كيت أداء تيي ليوني تنتظره في خليط من السعادة بعودته والغضب لتركه البيت والأطفال في يوم عيد الميلاد... ساعات طويلة. اللمحة وفي هذا الكابوس الزاحف الى اليقظة، يكتشف جون أن هذه الحياة هي تلك "اللمحة" التي كان وعده بها رجل أسود اشترى منه بطاقة يانصيب، وان الذي يراه هو ما كان يمكن أن يحصل له لو لم يترك كيت حين تخرجه في الجامعة قبل ثلاثة عشر عاماً للحصول على وظيفة في احد مصارف لندن العملاقة، وانه بدلاً من موقعه الحساس في قلب مدينة نيويورك المالي، أصبح مديراً لمحل بيع اطارات سيارات. أما حياته الماضية فإنها تتبخر بعيداً من الروتين اليومي الذي يجد جون نفسه لاهثاً في مطباته، من ايصال الأطفال الى المدرسة وسؤاله المعلمة المدهوشة: "هلا أعطيتني وصلاً باستلامك لهؤلاء؟"، والتفاوض مع زبون مسن على سعر أربع عجلات لسيارته الطاعنة أكثر في السن، والتسوق في السوبرماركت والعودة الى البيت ومشاهدة التلفاز. في هذا البيت الذي يعود اليه، تبدأ علاقة طريفة بالتطور مع الطفلة الصغيرة التي كانت أول من لاحظ حال العزلة التي يعيشها والدها. وبعد أن يوافق جون على تشخيصها القائل انه مخلوق من الفضاء تقمص جسم أبيها، تبدأ بالثقة به بعد أن يعدها بأن أقرباءه لن يؤذوا والدها السجين لديهم، وانه سيعاد اليها قريباً. وتخفف كذلك من هذا الشعور بالعزلة العلاقة الزوجية مع كيت التي تجد في هذا الاحساس الجديد بالغربة مع جون مجالاً للمغامرة وللتعرف ثانية الى هذا الذي يُفترض أن يكون أباً لأولادها. وقبل أن يعتاد المشاهد تقمص نيكولاس كايج دور الأب والزوج والمخضرم، يظهر جون كامبيل صاحب السيارة السريعة والمكتب الفخم، ثانية، في تلك الشقة الواسعة، كأن عقارب الساعة توقفت لتسمح له برؤية الوجه الآخر للماضي والحاضر وأثرهما في المستقبل. فيبدو هذا المستقبل عاملاً حاسماً في قرار جون البحث عن كيت التي أصبحت محامية ناجحة في احد أهم مكاتب المحاماة في نيويورك. وهنا يبدأ العد التنازلي لنهاية سعيدة تذكر المشاهد بأعمال هوليوودية وعالمية تتعامل مع السؤال الذي طرحه تشارلز ديكنز في قصته الشهيرة "ترنيمة عيد الميلاد"، عن الجادة التي لم يتم اختيارها في تقاطع طرق الحياة. واذا قورن "رجل العائلة" بالأعمال المرتبطة بالتيمة نفسها، مثل "انها حياة رائعة" للمخرج فرانك كابرا، و"حياة فرونيك الثنائية" للمخرج البولوني الراحل كريستوف كيشلوفسكي و"غراوند هوغ دي" من بطولة بيل موري، و"الأبواب المنزلقة" من بطولة غونيث بالترو، فسيبرز النقص في المحتوى على هذا العمل الأخير لنيكولاس كايج، على رغم الاطار الهوليوودي الجذاب الذي تصنعه كلمات كاتبي السيناريو ديفيد دايموند وديفيد ويزمان وعدسة المخرج برت راتنر، الذي تعرف اليه المشاهد في فيلم "ساعة الزحام" للفكاهي الصيني جاكي شان. وقد يكون في هذا العمل الأخير للمخرج برت راتنر تفسير لبساطة المحتوي الابداعي والمعنوي لفيلم "رجل العائلة". فالشريط ينطلق من نقطة تقديم معالجة درامية لسؤال يتخطى الحدود الجغرافية الثقافية عن نوع الحياة التي لم تُعَش بسبب قرارات اتخذت في الماضي. لكن هذه العالمية في نوعية السؤال لا تنعكس على الجواب الذي يبدو مصطنعاً وخالياً من عوامل الترابط العاطفي مع الجزء الأكبر من المشاهدين. أما عن السبب الذي سيدعو شريحة كبيرة من هؤلاء المشاهدين الى الاستمرار في شراء التذاكر ل"رجل العائلة" فقد يكمن جزئياً في عيني الممثلة تيي ليوني التي تخفف بنظراتها الباسمة من نقاط الضعف في بنيان هذه القصة، وتساعد الممثل نيكولاس كايج في تقديم أداء قد يكون أفضل ما قدم منذ تجسيده حال العجز العاطفي في "مغادرة لاس فيغاس".