"الصابون يقتل" Soap Kills، عنوان أغنية تحوّل الى اسم الفرقة. الصابون الذي يبعث على الراحة ويحمل شعوراً بالطمأنينة بعد النظافة. عنوان يسخر من النظافة "الوهمية" التي يوفرها الصابون، والأغنية تفيض بأفكار عن الصابون و"وساخة" الإنسان التي لا يمكن أن ينظفها أي صابون. "ابتدأنا بالعنوان ومنه انطلقنا نحو الأفكار وليس بالعكس، كما هي الحال عادة". فلا توجد أي سياسة أو هدف خلف الفكرة، وكانت مجرد فكرة مضحكة تحولت الى نكتة، ومنها الى عنوان أغنية، ومن ثم الى اسم للفرقة. زيد حمدان وياسمين، عضوا فرقة الSoap Kills الأساسيان، ليسا شقيقين ولا قريبين، على رغم ان اسم عائلتهما واحد. بدآ الموسيقى بناء على حب وشغف كبيرين بها. لم يتعلما العزف او التأليف الموسيقي، ولكنهما نجحا بإطلاق ثلاث اسطوانات حتى اليوم وتكوين جمهور شبابي، على "السمع" فقط كما يقول زيد. فإحساسه بالموسيقى دفعه الى محاولة العزف ومن ثم التأليف، وبدأت تجربتهما بفرقة صغيرة قبل تكوين الSoap Kills، بمجموعة من العازفين الشباب. عملوا معاً على بضع أغانٍ قبل ان يغادروا تاركين زيد وياسمين لوحدهما، ما دفعهما الى العمل مع عازفين محترفين لفترة محدودة، على بضع أغانٍ أخرى، وأصدروا الأسطوانة الأولى. ويقول زيد: "اصبح لدينا آلاتنا الخاصة بعد ذلك، ومن ثم تعرفنا بربيع مروة ووليد صادق، اللذين عزفا في الفرقة منذ تأسيسها في العام 1998، حتى الفترة الأخيرة". إلا ان المشكلة التي تواجه زيد وياسمين، منذ بداية عملهما حتى اليوم، هي انه من الصعب ايجاد شباب يحبون الموسيقى مثلهما، ومستعدين للالتزام بالفرقة. ويشير زيد الى انه "كان لوليد ولربيع مهن واهتمامات اخرى، بينما نحن لا نملك سوى هذه الفرقة". وهذا هو سبب انفصالهما عنا اخيراً. والخوف من الالتزام والتفرغ للموسيقى لدى الشباب هو الذي يبعدهم من مجال الاحتراف، فهناك دوماً فكرة مسبقة بأن "الموسيقى لا تطعم خبزاً" ولذلك لا يتفرغ أحد لها، مهما كان موهوباً او مهتماً". يعمل زيد وياسمين اليوم مع موسيقيين اجانب محترفين. ولكن المشكلة هنا ان المحترفين يحاولون دوماً وضع أطر ثابتة وواضحة للموسيقى وجعل كل شيء يبدو "محترفاً" مما يصعّب "التجربة". فتقول ياسمين "نحن ما زلنا في طور التجريب والاكتشاف ونريد ان نكتشف انفسنا وموسيقانا لوحدنا، بينما العمل مع محترفين يحد من آفاق التجربة وبالتالي التطور". وتضيف "الاطار الذي يضع المحترفون الفرقة فيه مغلق ولا يسمح بالخروج الى التجربة، ما يجعل العمل غير مريح". وتضيف "كان العمل مع وليد وربيع مريحاً اكثر ومنفتحاً على التجربة والتجديد، لأنهما كانا يجرّبان معنا، وكان ذلك اساس الابداع في الفرقة". ولكن المفارقة هي ان المحترفين مستعدون للالتزام والتفرغ اكثر من غيرهم، وهذا ما تحتاج اليه الفرقة في المرحلة الراهنة. موسيقاهم لا تدخل في اطار او تصنيف معين. بعضهم ادخلها في اطار "الروك الشرقي" Oriental Rock، ولكنهما يرفضان اي تصنيف، مهما كان مشابهاً او مناسباً. "لا اعرف اصلاً ما هي الOriental Rock ولا ماذا تعني كموسيقى"، تقول ياسمين. همّها الاساسي هو الموسيقى نفسها، "فلا اريد ان اكون مصنفة او محدودة بأي اطار، ولا ارغب في الدخول في لعبة "الانتاج المستورد"، فأغني الروك الشرقي والأغاني العربية عندما اكون في بلد غربي يحب جمهوره كل ما هو إكزوتيكي". يكتبان اغانيهما باللغة العربية والانكليزية وأحياناً الفرنسية، ويعتمد ذلك على الكلمة نفسها، لا على اللغة. فتقول ياسمين "قد تعجبني كلمة ما بلغة معينة وأشعر اني اريد تأليف اغنية حولها، فتكون اللغة مناسبة للمزاج نفسه". وأحياناً كثيرة تفضل اللغة الانكليزية لأنها اسهل وكثيراً ما تكون مبتكرة. فالأغاني العربية غالباً ما تُشبَّه بمضمون آخر، خصوصاً ان للجمهور "وراثة" موسيقية معينة. فأغنية "ليه زعلان" تُشبّه دوماً بأغاني زياد الرحباني وأجوائه، ومهما كانت خاصة او مبتكرة، يحاول الجمهور دوماً ارجاعها الى نقطة مألوفة او معروفة بالنسبة اليه، وكأن المبتكر او الجديد يخيفهم. "والغريب انه كلما كان تصنيف الموسيقى صعباً، يطلقون عليها اسم البديلة Alternative. وهما لا يعرفان اليوم اي تعريف محدد لهذا النوع من الموسيقى. وعندما يغنيان لأسمهان او ام كلثوم، تكون الموسيقى مختلفة وغالباً ما تكون "الكترونية"، وقد يغضب هذا بعض الأشخاص من الجمهور، خصوصاً اولئك المتمسكين بالتراث العربي كما هو. "اشعر احياناً اني ارمي هذا التراث كله حين اغني "يا حبيبي تعال الحقني" لأسمهان، اذ يحتم علينا الاتجاه التجريبي الذي اخترناه لموسيقانا، التجديد في كل الموسيقى، ونحن نحبه كما هو"، يقول زيد. لم يدّعيا يوماً انهما يصنعان "الموسيقى العربية الجديدة"، ولم يدخلا في اي اطار من هذا النوع او غيره. "اننا نقوم بتجربة لا اكثر ولا اقل، وذلك فقط يجعل التجديد أو الابداع مستمراً". فالهدف الأول والأخير هو ان يكونا مرتاحين وسعيدين بتجربتهما ومكتفيين بإنتاجهما الموسيقي. "لم نعد نهتم بالشهرة والإنتاج الكبير كما كنا في البداية، بل همّنا الأساسي اليوم هو ان نؤلف موسيقى جيدة ونحبها لأنها تشبهنا"، يقول زيد. تعزف الفرقة في بعض الحانات احياناً، مثل الCirous وBabylon وHard Rock وغيرها، لا من اجل المال فقط كما يقولان، فتجربة العزف في الحانات علمتهما الكثير. "فالجمهور قريب منا، بعكس الحفلات الموسيقية، وبإمكاننا ان نرى رد فعله ومدى انفعاله مع الموسيقى والأغاني". إضافة الى ان اغاني الحانات تختلف عن اغاني الحفلات، ففي الحفلات والمهرجانات يشعرون بأن عليهم انتقاء اغانٍ ذات طابع صاخب او سريع تحرك الجمهور، بينما في الحانات، الجو العام يسمح بأغانٍ خفيفة، "بإمكاننا وشوشة الجمهور أشياء لا يمكن نطقها في المهرجانات". جمهور الفرقة اجمالاً جمهور شبابي، لأن الشباب اولاً يحبون الفن التجريبي الجديد، خصوصاً ان الفرقة ما زالت في طور التغيير والبحث عن هوية ما، وهذه هي حال الشباب الذين ما زالوا يكتشفون هويتهم الموسيقية مع الفرقة. "إضافة الى انهم يشعرون بالتماثل مع مضمون الأغاني الذي يشبههم الى حد بعيد. والجيل الاكبر دخل في انواع موسيقية تشبهه وأحبها، ومن الصعب ان يجد نفسه في الموسيقى "الالكترونية" كما الشباب. ولكنهم يبتعدون من الأغاني الوطنية، وخصوصاً الثورية. فتقول ياسمين "اصلاً اكتشفت ان هناك اغاني من هذا النوع منذ سنتين فقط ولم أحبها"، وتضيف "لدينا مواقف معينة ولكن لا نريد ان نُدخلها في فننا وموسيقانا، وليس بالضرورة ان نغني عن مواقفنا او ان نعلنها في موسيقانا". يفضلان الفن "غير المباشر"، خصوصاً ان المرحلة الراهنة تتطلب انواعاً اخرى من الفن والموسيقى. "ربما كانت هذه الأغاني ضرورية في الماضي، ولكن اليوم علينا ان نكون اكثر ذكاء وإبداعاً". فمن السهل جداً الدخول في هذا النمط الوطني او الثوري او تقليد ما سبق. لا ينفي ذلك احتمال العمل على اغنية وطنية او سياسية ذات طابع ساخر او مضحك، فقد حاولا العمل على خطاب سياسي ل"حزب الله" عن المقاومة، والفكرة كانت ادخاله في خلفية موسيقية ومشهد فيديو كليب هو عبارة عن "لعبة فيديو" Video Game بين مقاتلي "حزب الله" والجنود الاسرائيليين. يحاولان اليوم العمل اكثر على مهاراتهما الفنية، فدخلت ياسمين المعهد الوطني للموسيقى Concervatoir، ولكنها لا تستطيع حتى اليوم الدخول في اجواء المعهد، "أشعر أني من خلفية مختلفة ولديّ اهتمامات مختلفة". فليست "التقنية" الخالصة التي يعتمدها المعهد في برامجه ما يهم ياسمين التي تهتم اكثر بالتجربة والتجديد، وهي كانت قد درست في الجامعة علم النفس. اما زيد فلم يدخل الجامعة واكتفى بالبكالوريا اللبنانية "لأني قرفت من النظام التربوي في لبنان، الذي يغلق آفاق الطالب بدل أن يفتحها". فالعلم برأيه لم يعد متعلقاً بالعالم كما هو اليوم، ويشعر انه تعلم من تجاربه اكثر مما تعلمه اصحابه في الجامعة. وعلى رغم تفرغهما الكامل للفرقة وللموسيقى، لا يرغبان بتصنيف ما يقومان به ضمن حدود "المهنة". فالهدف هو الراحة الذاتية والرضى عن النفس. وتقول ياسمين "هي ليست بمهنة مقدار ما هي امر أحب القيام به". وزيد لا يريد ان يعمل ابداً "بل اريد ان اعيش مثل السمكة في الماء". واعتباره ما يقومان به مهنة يتبعد به من الشغف وبالتالي الابداع. "افضّل اعتبارها لعبة، ورغبة في الابداع"، تقول ياسمين. تشعر برغبة في تأليف "ميلودي" Melody، تمسك الغيتار، تلعب الميلودي، تُدخل عليها الكلمات، وتؤلف أغنية، كثيراً ما تكون عبثية. "لا ابحث عن معنى واضح ومحدد من اول الأغنية حتى آخرها. قد يفهمها البعض وقد يكون لها اكثر من معنى بالنسبة الى الآخرين، وقد لا يكون لها معنى على الإطلاق فليس ذلك ضرورياً بالنسبة إليّ". المشكلة الأساسية التي تواجههم اليوم هي غياب نظام او بنية Structure للموسيقى في لبنان، فليس هنالك اي حق بالملكية Copy- right في لبنان. "التلفزيونات لا تدعم الفرق الشبابية المحلية، فقليلاً جداً ما يضعون فيديو -كليب لنا، والأغنية الوحيدة التي يستخدمونها لأنها اشتهرت Lost، لا نحصل على اي مردود مالي في مقابل استخدامها، مع ان ذلك من حقنا"، يقول زيد. في محاولة لحل هذه المشكلة، تسجّلا في شركة "ساسيم" Sacem العالمية والتي من المفترض ان تحمي حقوق الفنانين. ولكن اتضح لاحقاً ان "ساسيم" فرع لبنان تخضع للفوضى اللبنانية نفسها ويصبح الفنان اللبناني بعيداً من حقوقه. "حجتهم الوحيدة هي ان التلفزيونات اللبنانية ترفض دفع حقوق الملكية لأي فنان". "والنتيجة هي اننا نقوم بدفع كل التكاليف لانتاج الاسطوانات، ولا نحصل على شيء من حقوقنا في المقابل"، يقول زيد. اما الاذاعات اللبنانية، فاحتمالاتها اكثر تناقضاً. فإذاعتا الMix FM والRadio1 مثلاً، رفضتا اغانيهما لأنها تتضمن كلاماً باللغة العربية. "فالتجأنا الى الاذاعات العربية، ولكنها رفضت اغانينا ايضاً لأن هذا النوع من الموسيقى لا يمكن بثه قبل الثانية عشرة ليلاً. ويعني ذلك ان كل موسيقى تجريبية تقع بين الغربي والعربي لا يمكن ان تجد لها مكاناً في الاذاعات اللبنانية". اما تلفزيون زين، الذي عملا معه لفترة من أجل "فيديو كليبات" دعائية معدودة، فرفض وضع فيديو كليب خاص بالفرقة ومن انتاجها لانه يتضمن جملة تقول "منّك رجّال وليه". فالعرب، وهم جمهور هذه المحطة، لا يتقبلون جملة كهذه. نتيجة لكل هذه الصعوبات والمشكلات، وحاجتهما الى تجربة جديدة مع جمهور جديد، يقوم زيد وياسمين بالتخطيط للسفر الى فرنسا حيث الآفاق أوسع والحرية أكبر. "نحتاج اليوم الى اكتشاف جمهور آخر ولأن يكتشفنا هذا الجمهور المختلف. فجمهورنا في لبنان هو أصحابنا وبعض الآخرين المهتمين، ولكننا نريد ان يقيّم عملنا وموسيقانا أشخاص لا يعرفوننا في شكل شخصي". الآفاق هناك كثيرة بالنسبة اليهما، والمهتمون بعملهم اليوم هم فرنسيون، فلماذا التردد. "هناك، نستطيع ان نرمي بأنفسنا في التجربة من دون ان نخسر شيئاً". ولكن ذلك لا يعني انهما يريدان الهجرة، بل يرغبان التجربة ومن ثم العودة الى لبنان. "فالموسيقى في لبنان ليست مستحيلة، هي صعبة فقط، وتتطلب الكثير بينما لا تعطي الكثير"، يقول زيد. والموسيقى قد تتعدى الهواية في لبنان وتؤمّن بعض المال، ولو كان قليلاً، ولكنه كافٍ للاستمرار. ولكن من جهة اخرى تتطلب الالتزام والتفرغ واحتمال الصعوبات. "قلائل جداً هم الذين يدخلون هذه المغامرة ويجازفون كما فعلنا".