القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    هل يفعلها أحمد الشرع؟    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    230 فارساً وفارسة يتنافسون على كأس التحدّي للقدرة والتحمل في الرياض    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    (الصقر) و(الدرون) في جناح قوات أمن المنشآت ب"واحة الأمن".. الأصالة واستشراف المستقبل    نفاذ تذاكر اليوم الثاني من ملتقى القراءة الدولي بالرياض    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    من الهواية إلى الاحتراف.. رحلات الكتابة تكسر التحديات بدعم الحاضنات الأدبية    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    شولتس يعرب عن مواساته وتعاطفه مع ضحايا الهجوم في ماغديبورغ    بايرن ينهي عام 2024 بفوز كاسح على لايبزيغ بخماسية قاسية    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضبط يمنيين في عسير لترويجهما (64) كجم "حشيش"    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    الأخضر السعودي يختتم معسكر الرياض ويغادر إلى الكويت للمشاركة في خليجي 26    أمريكا تلغي جائزة ال 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن أحمد الشرع    السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل الأممية تجاه الفلسطينيين    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    المملكة توزع 724 سلة غذائية و724 حقيبة صحية في مدينة سرمدا بمحافظة إدلب    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    "مالك الحزين" يتواجد بمحمية الملك سلمان الملكية    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    ولي العهد يجري اتصالاً هاتفياً بملك المغرب للاطمئنان على صحته    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ ورشة عمل بمحافظة صبيا    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    آل بنونة وآل قاضي يتلقون التعازي في حورية    خطيب المسجد النبوي: أعظم وسام يناله المسلم أن يكون أحبّ الناس إلى الله    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    تراجع أسعار الذهب 2596.89 دولارًا للأوقية    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    رئيسا «الشورى» والبرلمان الباكستاني يبحثان تعزيز التعاون المشترك    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    «سكن».. خيرٌ مستدام    السعوديون في هيثرو!    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب "المسيحية والعرب" للمؤرخ نقولا زيادة المسيحية الأولى اضطهدت في الغرب قبل ان تتحول ديناً للدولة الرومانية 1 من 2
نشر في الحياة يوم 05 - 05 - 2001

يبدأ البابا يوحنا بولس الثاني اليوم السبت زيارة تاريخية لسورية يقوم خلالها بتفقد العديد من المراكز التاريخية في منطقة تعتبر مهد المسيحية الاولى. ويزور البابا الجامع الأموي ويصلي في عدد من الكنائس الارثوذكسية التي هي على خلاف مذهبي مع الكنيسة الكاثوليكية.
ويعتبر كتاب المؤرخ نقولا زيادة "المسيحية والعرب - دار قدمس، الطبعة الثانية" من المراجع المهمة لتأريخ المسيحية ونشوء الكنيسة المشرقية وخلافها مع الكنيسة الغربية. فزيادة يرى ان المسيحية المشرقية "هي جزء من احدث حضارة قامت في المنطقة - الحضارة العربية الاسلامية، التي كان الاسلام يحميها، والعربية وسيلة التعبير عنها، وكان الجميع مسلمين ومسيحيين وصابئة وغير ذلك يضعون لبناتها" ص247. فنقولا زيادة يقول عن نفسه: "فأنا العربي المسيحي الارثوذكسي عربي في ثقافتي - البسيط منها والمعقّد، الحديث منها والقديم - عربي في نظرتي الى الأمور أي انني أراها من منظار عربي أداته وآلته هي اللغة العربية" ص250.
لذلك "كان المسيحيون العرب بين طليعة مَنْ دعا الى القومية العربية" ص256.
عنوان كتاب المؤرخ نقولا زيادة "المسيحية والعرب" يثير الالتباس في ذهن القارئ. فالكتاب لا يتحدث عن مسألتين "المسيحية" و"العرب" والصلات بينهما فقط، بل يؤرخ لنشأة المسيحية وتاريخ الكنيسة المشرقية وصولاً الى الفتح العربي - الاسلامي ومنه ينتهي الى عصرنا.
وحتى يضبط زيادة تاريخ الكنيسة المشرقية كان لا بد له من تعيين المكان الأرض والبيئة الجغرافية والجماعة الانسان والتركيب الاجتماعي والزمان الحقب التي مرّت بها المنطقة واخيراً تفاعل الجماعة مع المكان والتطور الزمني للفئات التي تعيش في منطقة ممتدة من شمال الجزيرة العربية الى أعالي دجلة والفرات وصولاً الى نهر النيل وأعماقه الافريقية. فالمؤرخ زيادة حدد الاطار الجغرافي كمكان للبحث ثم انتقل الى التحدث عن تطوراته وخصوصاً تلك "التي بدأت في مطلع القرن الأول للميلاد". ص18.
عند زيادة، البيئة الجغرافية والمناخية التضاريس، الانهار، البحار، الخلجان، السهول، الصحارى، المرتفعات في المساحة الممتدة من وادي النيل الى الهلال الخصيب تسبق شخصية الجماعة الانسانية المتفاعلة معها وتحددها. بعدها ينتقل الى الاطار الاجتماعي للسكان وانقسام الناس الى اصناف ثلاثة: بدو بداوة، وريف قرى ومزارع وبلدات، ومدن صناعة وتجارة وتنظيم وتعليم.
تعرضت جغرافية المكان الى هجرات و"هبوط فئات كبيرة جاءتها من الخارج" ص 19. وتنوعت موجات الهجرة من ساميين وحاميين ونزوح قبائل من المحيط المجاور وتحديداً من الجزيرة العربية الى الرافدين وبلاد الشام. وأضافت الجماعات البشرية المهاجرة الى تضاريس المنطقة الجغرافية مجموعة تضاريس اجتماعية مؤلفة من انماط مختلفة من الثقافات والانتاج. فالموجات البشرية النازحة نقلت معها صفاتها ومفاهيمها وعصبياتها القبلية وتراكيبها اللغوية ص20، وعرفت المنطقة قبل نشؤ المسيحية حضارات متنوعة، فكانت الآكدية في العراق هي الأقدم، الأمورية العمورية في الشام، البابلية والآشورية في العراق، الكنعانية والآرامية في الشام. وهبط الآريون من بحر قزوين شعوب هندية - أوروبية.
كان لهذه الجماعات "لغاتها الخاصة بها، ومفاهيمها النابعة من طبيعة مجتمعاتها" فاحتفظت بكثير منها عبر القرون الطويلة ص22 ونجحت في اقامة الدول والامارات وكانت كل مدينة تقوم على أساس احياء السابق واضافة الجديد، فظهرت أولى المدن ونهضت معها مختلف اشكال التنظيم والدساتير والاساطير ونماذج متعددة للكتابة. وبرأي زيادة، ان التفاعل بين الانسان والأرض "على تباين انواعها، هو الذي تفتق عن المدنيات الأولى" ص23.
وبسبب ذاك التباين الجغرافي البيئي تباينت النظم والدساتير فقامت حكومات مركزية في وادي النيل وحكومات مدن الدولة المدينة في بلاد الشام.
وساهم تباين النظم في تطوير بعض المفاهيم الاجتماعية والسلوكية وتأسيس معتقدات وتنظيم طقوس وترتيب عبادات فظهرت أساطير الخليقة البابلية ورواية سفر التكوين واسطورة غلقامش وأناشيد الاسفار الروحية ص24.
فتوحات الاسكندر
استمر تجاذب الحضارات والمدنيات في بلاد الشام ووادي النيل مئات القرون الى ان اطلت فتوحات الاسكندر المقدوني اليوناني. فالفتوحات المقدونية اختلفت عن غيرها من ناحيتي التكوين السكاني والنظم الادارية. فالثقافة اليونانية ثقافة جاهزة ليست بحاجة الى زمن لتؤكد شخصيتها. فالاسكندر اشتهر ببناء المدن يقال 75 مدينة وهي عبارة عن مراكز عسكرية - ثقافية ومستوطنات عسكرية جاليات يونانية ضمن اسوار وابراج وكانت تلك المحطات السكانية عسكرية - ثقافية نقاط انطلاق لموجة حضارية جديدة جلبت معها عناصر ادارية جديدة لنظام دولة المدينة. الا ان رحيل الاسكندر المبكر ادى الى اقتسام امبراطوريتة بين قادة جيشه. فاستقل سلوقس ببلاد الشام وبطليموس بوادي النيل، وقامت حضارة مركبة بين اليونانية والحضارات القديمة واختلفت الاشكال الدستورية التنظيمية بين الدولتين السلوقية والبطليمية. فالأولى اعتمدت التعددية مراكز مدينية الى جانب العاصمة انطاكية والثانية اتجهت نحو المركزية الاسكندرية عاصمة الدولة ومركزها الوحيد. وساهم الصراع السلوقي مع البطالمة في اضافة عناصر ثقافية وادارية إلى تضاريس المنطقة البشرية من ناحيتي التفاعل بين الجاليات الوافدة وصلات تلك الجاليات مع سكان البلاد. فالاشكال القديمة اعيد انتاجها بالتفاعل مع الانماط الثقافية الوافدة. فالدولة السلوقية مثلاً قامت بتجديد المدن القديمة حلب، بعلبك، عنجر، حماة، بيروت، صيدا، صور، عكا ويافا...الخ وأدخلت الى بلاد الشام القانون اليوناني الارث ولغتها الفلسفة فازدهرت الامبراطورية وبلغ سكانها بين 20و25 مليون نسمة وظهر منهم كبار المفكرين والفلاسفة والمؤرخين ابرزهم نقولاوسن الدمشقي الذي كتب تاريخ العالم في 144 مجلداً. بينما اتخذت دولة البطالمة عاصمتها الاسكندرية مركزاً للعلم ومدينتها الأولى فظهرت فيها المدارس الفلسفية وعشرات المؤرخين والشعراء والادباء.
يؤكد المؤرخ زيادة ان العنصر السامي العربي الأصل كان هو السائد في المنطقة في القرن الأول قبل الميلاد ص51. بينما ادى الدور اليوناني المقدوني بعد الاسكندر الى تكوين ثقافة اندمجت بالسكان وتكيفت مع موروثاتهم، "فالمسيحية لم تنشأ في فراغ، ولم تنتشر في فراغ" ص67. فالتكيف الحاصل من اصطدام ثم اندماج حضارتين، ترافق مع تأثيرات فارسية وبيزنطية وولد قوة روحية جديدة تآلفت لتشكل ما عرف بالعصر الهلينستي الذي مهد لظهور المسيحية لاحقاً. ففي العصر الهليني تمت العودة الى الفكر اليوناني مترافقاً مع بروز الفلسفة الرواقية. فصاحب المدرسة زينون فينيقى من مستعمرة كيتيون في قبرص عاصر فتوح الاسكندر ودعت فلسفته الى الوحدة الروحية والتوحيد بين اليونان والمشارقة وبرزت لدى اصحاب مدرسته فكرة مدينة العالم ان يصبح العالم جماعة واحدة وتساوي أهل المدينة مواطنون على درجة متساوية.
الى الفلسفة والفكر قامت امارات سياسية لعبت دوراً حضارياً في التواصل والتلاقح. فكان منها امارة إديسَّا الرها العربية في ارض الرافدين وعبر نهر الفرات وظلت قائمة الى القرن الثالث بعد الميلاد، وكانت من اكبر مراكز الثقافة الآرامية وقليلة التأثر بالهلينية ص 51.
وظهرت أيضاً في دولة السلوقيين امارات وزعامات عربية صغيرة الى الجنوب من طوروس، وكذلك امارة تدمر في القرنين الثاني والثالث الميلاديين وامارات في حوض العاصي في حمص. ولم يختلف الامر في دولة البطالمة، فقامت هناك كيانات عربية بين البحر الأحمر والنيل والفيوم ص52. وبين حدود الدولتين السلوقية والبطليمية وجوارهما قامت امارة الانباط في البتراء، ومدائن صالح، إضافة الى الادوميين في جنوب فلسطين الى الغرب من البحر الميت، ومدينة الحضر الى جنوب الموصل.
آنذاك، يقول المؤرخ زيادة، كانت العربية لغة الجزيرة والامارات العربية في أرض الرافدين وبلاد الشام ومناطق في مصر. وكذلك اللغة الآرامية، التي انتشرت في أرض الرافدين وبلاد الشام، هي "لغة سامية من الأسرة نفسها التي تنتمي اليها اللغة العربية" ص56. بينما تقلصت اللغة العبرية في تلك الفترة حتى بين اليهود، وتحولت اليونانية الى لغة الحكم والقانون والعلم والأدب. وحصلت في اللغات القديمة سلسلة تعديلات، فتطورت اللغة المصرية الى قبطية، والآرامية الى سريانية حين تنصّرت المنطقة ص58. فالهلينية، برأي زيادة، كانت حركة تمدين اقتبست اساليب المعيشة اليونانية بالتفاعل مع حضارات قديمة سابقة لفتوح الاسكندر. وفي عصرها كان نشوء المسيحية وبدء انتشارها في بلاد الشام ومصر حين عرفت المنطقة انشطة فكرية - دينية وتأسست منها مدارس حكمية وتم صوغ كتاب التوارة في شكله النهائي بعد استقرار اليهود في القدس في عهد البطالمة ص61.
الا ان المنطقة التي شهدت أرقى اشكال تطورها الروحي دخلت في صراعات وتنافسات، فقامت الادارة السلوقية بالسيطرة على القدس وتحويلها قاعدة للثقافة الهلينية، واندلعت ثورة المكابيين ضد الحكم السلوقي 167 ق.م واستمر الاضطراب حتى وصل بومبي الروماني ودخل بيت المقدس سنة 63 ق.م. فالتناحر بين الدولتين السلوقية والبطلمية اضعفهما وزاد من نفوذ رومة فبدأت بالاسكندرية واستولت على القدس وانتهت الى تحويل سورية الى محطة للجيوش الرومانية وولاية تابعة لها.
آنذاك كان في القدس اربع جماعات يهودية: الصدوقيون النخبة المختارة، الفريسيُّون فئة خاصة تحافظ على التقوى وتطبق احكام الشريعة، الغُلاة الغيارى وهم فئة متطرفة تظهر وقت الازمات وتستخدم الاغتيالات دفاعاً عن الشريعة، والاسينيون قمران وهم أيضاً فئة حامية الشريعة الاصلية وفيها ازدهرت فكرة المخلص المنتظر المسيّا أو المشيح.
انسحب الاسينيون الى صحراء القدس البحر الميت واقاموا هناك مكتبة كبيرة وشكلوا حركة مقاومة للثقافة الهلينية واستمروا يقاومون من سنة 150 ق.م الى 66 ميلادية ص65.
ظهور المسيحية
في ظل السيطرة الرومانية ولد السيد المسيح في بيت لحم سنة 4 ق.م. وحين ظهرت الدعوة كانت المسيحية في بداياتها "ثورة روحية على تقيد المجتمع اليهودي" ص71.
ومنذ انطلاقها انشطرت المسيحية بعد انتشارها الأول الى مسيحية - يهودية مركزها القدس ومسيحية - هلينية مركزها انطاكية بعد ان نجح القديس بطرس في تأسيس كنيسة انطاكية. في حين بشر القديس بولس ولد في طرسوس وتعلم في القدس في دمشق وحوران ثم غادر البلاد ونجح في تأسيس كنيسة أفسس وانتقل الى رومة وأسس كنيستها واستشهد هناك في سنة 68 ميلادية ص74.
اعتمدت المسيحية الأولى في تبشيرها على الكتاب المقدس وهو ينقسم الى عهدين: قديم وجديد. القديم هو اسفار تسمى تاريخية حررت واعيدت كتابتها غير مرة، والجديد هو كتاب المسيحية على انواعها ويتألف من أربعة أناجيل متى، مرقس، لوقا، ويوحنا. وضعت الأناجيل الثلاثة الأول بين سنتي 65و90 ميلادية. والرابع وضع بين سنتي 110 - 125 ميلادية.
الى الاناجيل الأربعة هناك "أعمال الرسل" التي دونت في القرن الأول وتحتوي على نصوص بعض الرسائل. وهناك مجموعة من الرسائل اكثرها لبولس وبعضها لبطرس. واخيراً هناك كتابات يوحنا "اللاهوتي". ومعظم اسفار العهد الجديد كتب، كما يقول زيادة، باليونانية. وقد ادخل القديس مرقس المسيحية الى مصر واستشهد سنة 68م، وادخلها القديس توما كذلك الى الرها، بينما نقلها برنابا من انطاكية الى قبرص.
يقسم المؤرخ زيادة المسيحية الأولى الى دورين: الأول زمن الرسل وعرف ثروة من الرسائل. والثاني بعد الرسل ووثائقه أقل. واستمر الوضع على ما هو عليه الى ان دمرّ هيكل اليهود سنة 70 م على يد الروماني تيطس ما سهل انتشار المسيحية. فانتشرت بداية في الشرق وأدت الكنيسة القبطية - الاسكندرانية دورها في برقة والنوبة. واقتصرت الدعوة في مطلع عهدها على المدن وتركزت في الأوساط الحضرية الهلينية بقايا جاليات يونانية والرومانية، واستعارت الكنيسة تنظيم الادارة الرومانية لتسيير أمورها، واستخدمت ثلاث لغات في دعوتها: السريانية في المشرق، اليونانية في المناطق الهلينية، واللاتينية في بلاد الغال ص 78-79.
نشطت الدعوة المسيحية في ظل الامبراطورية الرومانية التي توالت على حكمها ثلاث مجموعات من الاباطرة الأسر وهي: اليوليانية نسبة الى يوليوس قيصر، والفلافية، وأخيراً الصالحون 96 - 180م. وفي عهد المجموعة الثالثة احتل تراجان البتراء وانشأ في منطقة الانباط الولاية العربية وعاصمتها بُصرى. وواجهت المسيحية الأولى ثلاثة اعداء يحددهم زيادة، باليهودية والهلينية والدولة الرومانية. ففي تلك المرحلة اضطهد الاباطرة الرومان دعاة المسيحية في الغرب، فكان نيرون أول المضطهدين 54- 68م فقتل في عهده بطرس وبولس وفريقاً من اتباعهما، ثم دومتيان، وتراجان، وهدريان، وانطونيوس، واوريليوس 161-180م. بينما لم تعرف المسيحية الأولى في الشرق الاضطهاد إلا بنسبة قليلة ص80.
استمر الاضطهاد الى ان تحسن وضع المسيحيين في عهد الامبراطورين العربيين اسكندر سفيروس 222- 235م وفيلبوس العربي244-249م ثم عاد الاضطهاد وبلغ اقصاه في عهد ديوقلتيان 284-305م فأمر في 303م بتدمير كل الكنائس وطرد المسيحيين من وظائف الدولة. ومع ذلك زاد انتشار المسيحية بسبب ما اصاب الامبراطورية من أزمات اقتصادية واجتماعية ص84.
تمذهب المسيحية
لم تقتصر مشكلة المسيحية الأولى على الدولة الرومانية واختلاف توجهات اباطرتها بل عانت مشكلات مع نفسها وشهدت صراعات داخلية لتحديد هويتها. ويرى المؤرخ زيادة ان اختلاف المسيحية الأولى وبروز آراء متناقضة كانا نتاج أمور ثلاثة: نشأت ضمن اطار متباين النزعات فلسفياً وأدبياً ودينياً، انتشرت بين جماعات مختلفة الأرومة واللغة تباين في المعاني الواردة في الاناجيل واختلاف النقل من لغة الى اخرى، وظهور محاولة لاحياء فلسفة افلاطون في مصر في القرن الثالث الميلادي، وسميت "الافلاطونية الحديثة" المستحدثة التي أثرت في بعض نواحي المسيحية ص85.
وبسبب من تلك الفضاءات السياسية والثقافية والمعرفية دبت الخلافات وتركز النقاش الأول على طبيعة الصانع والغاية من خلق هذا العالم الطبيعي المتغير وصلته بالعالم الروحاني الثابت. واستغلت بقايا الحضارات القديمة النقاش الدائر فبرزت اتجاهات وثنية حاولت التوفيق بين الفلسفة اليونانية افلاطون وارسطو والعهد القديم، وعرفت الاسكندرية ازدهار فلسفة فيلون 20ق.م- 50م وغيرها من المدارس الفلسفية - اللاهوتية.
ونتيجة الجدل اخذ اللاوهوت المسيحي يستقل بنفسه ويحدد هويته فبدأت اشاراته الأولى سنة 190م وبرز في شكل حوار جدل ومناقشة بين وثني ومؤمن قاده الشهيد يوستين 105-165م الذي حارب على جبهات ثلاث: اليهود والوثنيين واصحاب البدع.
دين الدولة
سار تعارض المسيحية مع الدولة الرومانية الى جانب انقسامها اللاهوتي وتمذهبها ونجاحها في تأسيس منظومتها الفكرية اللاهوتية المستقلة. واستمر التعارض والانقسام الى ان تولى الامبراطور قسطنطين العرش سنة 305م استمر حتى 337م. وفي عهده اعتبر المسيحية أحد اديان الامبراطورية تصريح ميلان سنة 313م وادخل الآراء والعقائد المسيحية في تشريعاته سنة 324م.
ويرى زيادة ان قسطنطين استجاب الواقع. فالمسيحية انتشرت قبل توليه الحكم وبات ثلث سكان الامبراطورية الرومانية من المسيحيين القرن الرابع للميلاد. الا ان تعاطف قسطنطين مع المسيحيين ساهم في تدخل الدولة في شؤون الكنيسة، فانعقد في عهده أول مجمع مسكوني سنة 325م لمعالجة الصراع اللاهوتي بين اريوس والكسندروس ص97-98.
آنذاك بلغ الخلاف اللاهوتي - الفلسفي أوجه بعد ظهور كتب بالسريانية واليونانية تتحدث عن طبيعة المسيح، وانقسم الرأي على تفسيرين: الأول آرامي سرياني والثاني يوناني هليني. وتفرع النقاش الى ان تركز الخلاف على مدرستين: لاهوت اريوس 256-335م وكلامه الفلسفي على الأب والابن والاقانيم الثلاثة، وعارضه الكسندروس اسقف الاسكندرية في شروحه مدافعاً عن "الايمان القويم" ص100.
وتعتبر دعوة الامبراطور الى عقد مجمع نيقيه لمعالجة الخلاف اللاهوتي بحضور 270-300 اسقف أول محاولة لتدخل الدولة في شؤون الكنيسة والخطوة الأولى للتوفيق بين الدين والدولة، فأصدر المجمع في نهاية جلساته ما عرف لاحقاً بقانون الايمان قرار نيقيه محاولاً التوفيق بين الطبيعة الواحدة والطبيعتين. الا ان المجمع فشل في استئصال بذور الخلاف بين الاريوسية والارثوذكسية ص104 وخصوصاً حين تولى اثناسيوس الكبير بطريرك الاسكندرية مسؤولياته، فكان خصماً للاريوسية وقاومها بعنف خلال توليه المنصب لمدة 46 سنة 327-373م. والمهم، برأي زيادة، ان المسيحية بعد مجمع نيقيه تحولت الى مؤسسات مدعومة من الدولة، وباتت الكنيسة تشارك الامبراطور في اضطهاد الرعايا والمخالفين لرأيها ص106 وخصوصاً بعد عقد المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية سنة 381م.
* كاتب من أسرة "الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.