البنك السعودي الأول يحقق 2.1 مليار ريال سعودي صافي دخل    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس جمهورية جنوب أفريقيا بذكرى يوم الحرية لبلاده    60 ٪ من النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة العش الفارغ مقارنة بالرجال    هيئة كبار العلماء تجدّد التأكيد على فتوى وجوب استخراج التصريح لمن أراد الذهاب إلى الحج    بلدية القطيف تطلق "مبادرة التوت القطيفي" بمشاركة 80 متطوعاً    مبادرة لتنظيف بحر وشاطئ الزبنة بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية والتطوعية    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م        بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير    افتتاح مستشفى الدكتور سليمان فقيه بالمدينة المنورة: أحدث التجهيزات وأفضل الخبرات لأفضل تجربة رعاية صحية    القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمير عسير: نجاحات متتالية لمستهدفات طموحة    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    تغلب على بوريرام بثلاثية.. الأهلي يضرب موعداً نارياً مع الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    أمير نجران: ترسيخ مكانة المملكة بين الدول    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    حددت الشروط والمزايا..اللائحة الجديدة للاستثمار: تخصيص أراضٍ وإعفاءات رسوم للمستثمرين الأجانب    أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    32 مليون مكالمة ل 911    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض المستشرقين تنقصه المعرفة الكافية في موضوع بحثه والبعض الآخر غير متخصص . رشدي راشد ل "الحياة" : اسهام العرب جزء من تاريخ العلوم والمؤسسة العلمية كانت موجودة !
نشر في الحياة يوم 28 - 05 - 2001

صدرت عن سلسلة "عالم المعرفة" عام 2000، ترجمة لكتاب الباحث في تاريخ العلم توبي هاف، تحت عنوان "فجر العلم الحديث". وهو يطرح سؤالاً مهماً: لماذا لم يترسخ العلم في المراكز الحضارية التي شهدت فجره، أي الصين والهند وبلاد العرب، فيما ترسخّ في الغرب؟
تولى ترجمة الكتاب من "أرَّقته" مقاربة هاف لإسهام الحضارة العربية - الاسلامية في المسار التاريخي لعلوم الانسان. وعمل المترجم على اضافة حواش توضيحية لم تخل من بعض المساجلة مع آراء المؤلف. وجاءت الترجمة في جزءين، وأثارت أسئلة عن دور المترجم وعلاقته بالنص الاصلي. ويبدو أن المسألة لم تقف عند مجرد التساؤل. فهذه السنة، عمدت الدار نفسها إلى إصدار الكتاب نفسه في ترجمة أسندتها إلى شخص التزم حدود الترجمة المباشرة، من دون التعليق وإيراد الآراء الشخصية. وتبين ان نص توبي هاف يكفيه كتاب واحد فقط!
وبغض النظر عن الآراء التي اجتهد فيها هاف، يبقى سؤاله عن علاقة العلم بمراكزه الاولى جديراً بالتأمل. وطرحت "الحياة" سؤال العلوم عند العرب، في ماضيها وحاضرها، على السيد رشدي راشد الذي يصعب اعتباره "من مراجع" القول في هذا المجال، لأنه أقرب إلى أن يكون هو "المرجعية" في شأن علوم العرب والاسلام.
وككل اجابة اصيلة، تحث اجابات راشد الذهن على مزيد من الاسئلة. ولعلها بداية لنقاش مفتوح.
ما القيمة العلمية الراهنة، في ظل المستوى النوعي للعلوم في القرن الحادي والعشرين، للتراث العلمي العربي - الاسلامي، خارج تاريخ الأفكار العلمية او ما يشبهه؟
- التراث العلمي العربي جزء من تاريخ العلوم، كحال نيوتن أو غاليليو. ومن يريد أن يرى في ذلك التراث واقع العلوم الحالية يسلك طريقاً مسدوداً. ولعل السؤال المشروع هو عن إسهام التراث العلمي العربي في العلوم وفي تاريخها.
علينا ان نعرف ان فهم الحداثة العلمية غير ممكن، إذا توقفنا عند القرن السابع عشر، على ما يقال عادة. ولا بد من معرفة التراث العلمي العربي، خصوصاً في العلوم الدقيقة، مثل الرياضيات والفلك والجغرافيا. وفي هذا المعنى، تتضح الصلة بين ما يحدث اليوم في العلم، والتراث العلمي العربي. ولا يمكن فهم تاريخ الهندسة الجبرية من دون الرجوع إلى أعمال عمر الخيام أو شرف الدين الطوسي. ويمتد جذر من هذين إلى أعمال الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي اسس الحداثة الرياضياتية ومنطقها.
ثمة سؤال دائم عن غياب المؤسسة العلمية العربية - الاسلامية، على رغم ازدهار العلوم. كيف ترى إلى هذا الامر؟ وما العوامل التي منعت المؤسسة العلمية من الظهور والاستقلال والمنعة؟
- هذا الكلام غير سليم، فلطالما وجدت المؤسسة العلمية العربية - الاسلامية، بل كانت أساس تطور العلوم. لماذا لا يرى المؤرخون هذه المؤسسة؟ لأنهم، في رأيي، لم يتعاملوا مع التاريخ في شكل دقيق.
لو بحثنا عن المؤسسة العلمية العربية بمنهجية مماثلة لبحثنا عن تاريخ الاكاديمية الملكية البريطانية او الاكاديمية الفرنسية l'academie franچaise، لكنا تلمسنا وجودها. واتخذت المؤسسة العلمية العربية أشكالا متعددة، سواء في البحث أو في التعليم. فعلى سبيل المثال، احتوى قصر شرف الدولة بن عضد الدولة الدويهي مرصداً، عمل فيه علماء من وزن الفلكي أبي سهل القوهي. وعقدت فيه جلسات حضرها الحكام نوقشت فيها مشكلات فقهية ودينية، إضافة الى المسائل العلمية والرياضياتية. ويتحدث كثيرون عن "بيوت الحكمة" التي انشئت في القاهرة وبغداد، وأدت دورها في تشجيع البحث العلمي والانفاق عليه. وفي المدة نفسها، أسست بيوت مماثلة، ولكن أقل شهرة بكثير، أنفق عليها أثرياء وموسرون، واعتنت بالعلماء والادباء. وشاعت المدارس الدينية، مثل "النظامية" و"المستنصرية" في بغداد، ودرست المذاهب الفقهية الى جانب الرياضيات والفلك. وينطبق الوصف نفسه على الأزهر في مصر.
ويمكن النظر الى نماذج اخرى من المؤسسات، مثل المسجد الذي يحتاج الى موقِّت لتحديد موعد الصلوات وبداية شهر رمضان وغيرهما، وهي من اعمال الفلك. وصار بعض من عمل موقِّتاً عالماً مثل الفلكي ابن الشاطر، موقِّت الجامع الاموي. ومن نماذج المؤسسة المراصد، اذ احتضن مرصد "مراغة" الفلكي نصير الدين الطوسي، وعمل عالم الرياضيات الكاشاني في مرصد ضمّ أربعين مشتغلاً في الرياضيات. وتعطي المستشفيات نموذجاً آخر من المؤسسة، وترأس الرازي احدها، وهو من اكبر الاطباء عند العرب.
وبالمعنى الاكاديمي، على الطريقة الاوروبية، أي كما كانته المؤسسة العلمية في القرن السابع عشر، ظهرت أكاديميات في بغداد عمل فيها أحد كبار المترجمين، الحجاج بن مطر، والخوارزمي مؤسس علم الجبر، ويحيى بن منصور الفلكي وغيرهم. ومن حيث الاساس، نرد على غياب المؤسسة العلمية بسؤال عن امكان ازدهار العلم أصلاً من دون دور المؤسسات! وهذا تناقض في الكلام! المهم هو طريقة البحث عن هذه المؤسسات، وما زلنا في شاطىء البحث. ويرجع السبب في تأخر البحث عن المؤسسة العلمية إلى عدم الجدية الكافية في بحوث تاريخ العلوم العربية - الاسلامية في الدول العربية والاسلامية نفسها.
أثار كتاب توبي هاف "فجر العلم الحديث" نقاشاً واسعاً. كيف تصف رأيك في ما أورده هاف عن سبب عدم انزراع العلم في مجمل النسيج العقلي للحضارة العربية - الاسلامية، على رغم عظمة الانجازات العلمية التي نهض بها العلماء العرب والمسلمون؟
- يعبر هذا الكتاب، كغيره من الكتب التي لم يكتبها متخصصون، عن أحكام مسبقة لا عن نتائج بحث أو عن معرفة حقيقية في الميدان. والغريب أن في الدول العربية والاسلامية من يهتم بمثل هذه الكتب التي لا يهتم بها مؤرخو العلم الجادون. ويدل القول بعدم انزراع العلم في النسيج العقلي العربي إلى جهل عميق بهذه الحضارة وبتاريخ العلوم في الوقت نفسه! فعلى سبيل المثال، أوردت المثال عن وجود العلم في المسجد كميقات وفلك، وفي المستشفى كطب، وفي المدارس كرياضيات، وفي القصور والحلقات كرياضيات وفلك وفلسفة. اعني بهذا أن العلم كان جزءاً اساسياً من المدينة الاسلامية التي يصعشب تصورها من دون هذا البعد العلمي داخلها، وليس كاستيراد من الخارج، كما يحلو للبعض القول. وعلى هذا النحو، احتوت المدينة الاسلامية علوماً تطبيقية متعددة مثل الجغرافيا الرياضية، أي تحديد الابعاد والمسافات في شكل رياضي، وتحديد القبلة في بلاد مترامية. وعلم الميقات هو تحديد أوقات الصلاة وبداية شهر الصوم.
وكان العلم جزءاً من الممارسة الدينية ايضاً. فعلى سبيل المثال، وجب على الفقهاء حل مشكلات الميراث بحسب الدين الاسلامي، ونشأ علم الفرائض المؤسس على الرياضيات. ولعل القول بعدم انزراع العلم في النسيج العقلي العربي يقصد الاشارة إلى عدم حصول الثورة العلمية في العالم العربي، وحصولها في اوروبا. وارد على ذلك بالقول إن مفهوم الثورة العلمية يثير الكثير من المشكلات بالنسبة إلى مؤرخ العلم. فلو اخذنا الثورة العلمية وآثارها اللاحقة، لسألنا: اين هي الثورة العلمية في الرياضيات؟ اذا كان من ثورة فهي تأسيس على العلوم العربية. وفي القرن الثامن عشر، حدثت بدايات، لكنها لم تكن كليّة. ففي حين حصلت تغييرات في احد الفروع، مثل نظرية الاعداد، تابع علم الجبر طريقه الطبيعي. ولو أخذنا الثورة العلمية في علم المناظر، لوجدنا انها حدثت على يد الحسن بن الهيثم، وبعده لم تحدث ثورة!
استطراداً، هل كانت العلاقة بين العلم والعقل تسير في الاتجاهين، اي كفعل مراسلة متبادلة؟
- القيم العلمية هي وسائل تحقق العقل في أشكال مختلفة، ولم يقبل علماء الحضارة العربية - الاسلامية بغير المقولات والبراهين العلمية، إذ لم يكن لعناصر الايديولوجيا وجود. وعلى سبيل المثال، ما الكتاب العلمي العربي التقليدي في القرن التاسع أو العاشر أو الحادي عشر؟ يبدأ هذا الكتاب بالبسملة، ككل كتاب آخر، ثم لا يذكر شيء، لاحقاً، عن الدين أو السياسة أو المجتمع. ويقوم الكتاب على أساس برهان عقلي، والدفاع عن القيم العقلية يتم من داخل الممارسة العلمية نفسها. اكثرمن ذلك، أقول إن تدريس التاريخ العلمي العربي أمر أساسي من أجل إدخال القيم العلمية المتضمنة فيه، ولكي لا تظهر هذه القيم كأنها مرتبطة بعلوم الحضارة الغربية وحدها. وفي هذا المعنى، يصبح تدريس تاريخ العلوم والفلسفة العربية تعرّف الى القيم العقلية، باعتبارها قيماً اساسية في الحضارة العربية - الاسلامية، كأنه نوع من التعرف الى الذات.
يورد توبي هاف مثالاً ربما كان جديراً بالنقاش. فقد توصل الفلكي ابن الشاطر الى تلمس الخلل في النموذج الذي صاغه بطليموس عن هيئة الفلك، أي مركزية الارض، لكنهم لم ينتقلوا الى "الخطوة التالية"، أي اقامة البديل والقول بمركزية الشمس. هل توافق هاف في قوله؟ وكيف تروي وتفسر التصور العربي- الاسلامي للفلك، كنموذج عن علاقة "الخبر العلمي" بالتصوّر العقلي المتضمن فيه؟
- بالفعل، تلمس الفلكيون العرب والمسلمون الخلل في نظام بطليموس، لكنه لم يكن في مسألة "مركزية الارض"، بل في النظام الرياضياتي الذي انشأه، خصوصاً تفسيره حركة القمر والمريخ. وتمكن ابن الهيثم من صياغة نماذج رياضياتية أكثر اتساقاً لتفسير الحركات الفلكية. ومن المعروف أن نموذج ابن الشاطر، ومن قبله نصير الدين الطوسي، هو ما استعاره كوبرنيكوس الذي وضع الشمس محل الارض. ما لا يفهمه هاف، أن الثورة لم تكن عند كوبرنيكوس، بل في تفكير كبلر بإنشاء نوع من النظرية عن حركة الافلاك. وفي رأيي، السؤال هو: هل ثمة من سبق كبلر في تصوّر صياغة عن حركة الافلاك؟ وهو موضع بحث راهن، وربما جاءت النتائج مذهلة للجميع!
واستطراداً، أقول إن الخبر العلمي هو وجود نموذج رياضياتي عن حركات الفلك، نموذج غير متّسق. وقيمة العقل هي في البحث عن نموذج آخر متسق. ولا تكمن الاهمية في مسألة المركز، سواء كانت الشمس أو الارض، بل في السعي الى تفكير مختلف عن حركة الافلاك، وهذا ما لم يقم به لا ابن الشاطر ولا كوبرنيكوس. ما يقلقني في هذا النوع من التصور للاشياء أن البعض يريد ان يبتدئ العرب ببطليموس ويصلوا الى... اينشتاين! هذا يفسر الشكل الايديولوجي لمثل كتب هاف وسواه من غير الاختصاصيين، أو حتى ذوي الاختصاص الذين تطغى على عقولهم النزعة الايديولوجية. وفي المقابل، يتحدث البعض في الشرق، كأنه يقول إن العرب ابتدعوا كل شيء. وهذا شيء مرفوض ايضاً.
كيف تصف نقدك أنت للتراث العلمي العربي- الاسلامي؟
- أفهم النقد في المعنى الكانطي نسبة الى الفيلسوف عمانوئيل كانط حيث النقد هو اعادة بناء الاشياء على أسس متينة. ونقدي التراث هو إعادة تأسيس، لا أعطيه اكثر من حقه ولا آخذ منه ما هو حق له. التراث العربي جزء من تاريخ العقل في الممارسة العلمية للوصول الى أكثر تقدم ممكن. واغترف الغرب من العقل، كما اليونان والعرب قبلهم وكذلك البابليون والمصريون. النقد هو أن نضع التراث على الأسس التي كان عليها، وهو نوع من إعادة النظر في الأشياء لمعرفة ما كان دور العلم في التصور العقلي العام: هل ساعد العلم مثلاً في بناء فلسفة علمية؟ هذا موضوع لم يبحث بعد وإن كان يستحق البحث. وما كان أثر العلم في بعض التصورات أو في بعض الممارسات الدينية؟ يعتقد البعض أن الدين جزء كامل ثابت ومانع، وأنه لا يتغيّر، وأعتقد ان هذا التصور مغلوط أيضاً، لأن الدين ممارسة لبشر يعيشون في مجتمع، فما هو أثر العلم في هذه الممارسة؟
كيف ترى الى حضور ذلك التراث العلمي في الحال الراهنة للثقافة العربية وعقلها؟ أي ما هي العلاقة بين الخوارزمي وعمر الخيّام وهما من رموز الجبر والتصوف والأصولية المتطرفة؟ وكيف تصف أنت هذه العلاقة؟
- لا تعرف الاصولية المتطرفة العلم ولا كتب الاسلام نفسها. ولا اعتقد انها تعرف أعمال أفكار ابن تيمية الذي تدّعي الانتماء اليه. فقد كان ابن تيمية على مستوى من الذكاء والمعرفة والفلسفة. ويحضرني أنني عندما تشكل علي إحدى مسائل ابن سينا ولا أستطيع فهمها في شكل واضح، أرجع إلى نقد ابن تيمية لابن سينا. واعتقد أن الاصولية انفعال اجتماعي لا عقلي.
ثمة شغف مذهل بالعدد في الانجاز العلمي العربي- الاسلامي. كيف تقرأ هذا الامر؟ وهل له علاقة بميل امبراطوري او استبدادي مثلاً؟
- إذا كان المقصود هو الاهتمام بنظرية الأعداد، فهذا موضوع له تاريخ طويل ويتصل بعلم الجبر، ومن إنجازات الحضارة العربية أنها أول من ربط بين الخوارزميات وبرهانها. وهذا تطور أساسي في تطور مناهج التحليل العددي.
درج القول، في القرن العشرين، بتحطم المنطق الرياضي، أي ذاك الذي بلغ ذروته عند برتراند راسل ووايتهد، وخصوصاً منذ أعمال كورت غودل عن خلل الرياضيات وقصورها. هل لذلك أي تأثير في استعادة التراث العلمي العربي- الاسلامي وفهمه، أو انعكاس عليها؟
- أعتقد أن المنطق الرياضي في ازدهار، وقد ابتدأ مع كورت غودل، ولا اعتقد أنه يؤثر في استعادة هذا التراث.
هل تمثل استعادة التراث العلمي ضرورة لا غنى عنها مطلقاً؟ أَوَلا نستطيع الانفتاح على الجينوم من دون العودة إلى ابن سينا، على سبيل المثال؟
في البدء أؤكد اننا لا نستطيع الاهتمام بالتراث العلمي العربي، من دون الاهتمام بالجينوم والعلوم الحالية. وفي المقابل، يؤدي الاهتمام بالتراث العلمي إلى إدخال القيم العقلية إلى المجتمع الذي ينقصه احياناً حضور هذه القيم في الحياة اليومية.
ويشكل الاهتمام بالبحث في التراث محاولة لرؤية الذات العربية كما كانت، بما في ذلك البعد العلمي فيها، ما يؤدي إلى إعادة الثقة العلمية بالتقدم إلى الأبعد. وهذا الاهتمام يخدم تكوين عقلية علمية نلمس غيابها. يكفي التفرج على أقنية التلفزة العربية لنلاحظ مدى الالتباس بين العلم والتكنولوجيا، ومعاملة العلم كأنه تكنولوجيا فقط.
ويبين التراث موقع الأمة العربية في البناء الحضاري والعلمي الانساني الشامل، ما يبعد عن التصور المأزوم للذات، ويجعل العرب جزءاً من مجهود إنساني ضخم ومستمر، شارك فيه الجميع، كل بحسب قدرته وظروفه. ليس هناك تعارض بين الجينوم وابن سينا، بل بين عدم معرفة الذات وعدم معرفة البعد العلمي في التراث، من جهة، والجينوم من جهة أخرى.
سيرة ذاتية
ولد الدكتور رشدي راشد في القاهرة عام 1936.
- مدير مركز تاريخ العلوم والفلسفة العربية وعلوم العصر الوسيط التابع للمركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا.
- مدير قسم الدكتوراه في جامعة باريس السابعة.
- مدير تحرير المجلة المتخصصة في البحث في تاريخ العلوم.
- أستاذ في جامعة طوكيو.
- رئيس الجمعية العالمية لتاريخ العلوم والفلسفات العربية والاسلامية.
- حائز ميدالية الكسندر كويريه من الاكاديمية الدولية لتاريخ العلوم.
- نال الجائزة العالمية لافضل بحث في الاسلاميات.
- نائب رئيس الاكاديمية العالمية لتاريخ العلوم.
- رئيس الجمعية العالمية لتاريخ العلوم والفلسفات العربية والاسلامية.
- تدور أبحاثه على العلاقة بين التاريخ وفلسفة الجبر، والنظرية الكلاسيكية للاعداد، والنظرية الطبيعية، والمشكلات التاريخية والفلسفية في تطبيق الرياضيات في العلوم الاجتماعية.
- كرمته الحكومة البريطانية على مؤلفاته في تاريخ الرياضيات، وكرمته الحكومة الايرانية على "موسوعة تاريخ العلوم العربية" التي نشرت في انكلترا وفرنسا تحت عنوان "تاريخ العلوم العربية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.