دراسة موقع المرأة في الإبداع الثقافي الإيراني تفضي الى نتيجة مؤسفة. ذلك ان دورها في مجال الأعمال الأدبية أو السينمائية يظهر دائماً هامشياً. وفي نظرة سريعة وإجمالية، يمكن القول إن الأدب القصصي الإيراني في تعاطيه مع شخصية المرأة، يعاني نقصاً. وإذا أردنا إجراء إحصائية لأفضل الآثار العالمية التي تطرقت الى المرأة بعيداً من الجانب الجنسي، فإن هذه الدراسة لن تكفي وتخرج عن الهدف المرسوم لها لدراسة موقع المرأة الإيرانية. ولكن لا بأس من ذكر بعض هذه النماذج. مثل "الأم" لبريل باك، و"آنا كريستي" ليوجين اونيل، و"ربيكا" لدافنه ديمورين، و"الجدة الشجاعة" لبرشت، و"جين آير" لشارلوت برونتسه، و"امرأتان" لألبرتو مورافيا، و"السيدة كاميليا" لألكسندر دوما، وبلزاك وسامورست موم وفلوبير. في نظرة إجمالية للأدب القصصي، من أقدم نص كلاسيكي حتى الآن، يمكن التوقف عند هذه الملاحظة، وهي ان فكرة "الذكورية" كانت هي الحاكمة على هذه الآثار، وأن دور المرأة كان دائماً دوراً ثانوياً، وإذا ما كانت تقوم بالدور الرئيسي والأول، فإنها تمثل دور المرأة الفاتنة التي تفتن بين محبيها، أو امرأة عديمة الوفاء مسببة للمشكلات ونادمة على ما قامت به لدرجة انها تستدر دموع القراء. والأدب المعاصر ألحق أيضاً ظلماً مضاعفاً بالمرأة اقتداء بسلفه، وهو على العموم يعج بالمواضيع المبتذلة. ويكفي ان نلقي نظرة على كتابات محمد حجازي ومحمود اعتمادزاده وعلي اكبر كسماي حتى نجد ان أعمالهم لا تقترب من رائحة القصة الواقعية. بل إنهم أنتجوا ميلودراما ضربت القيم الإنسانية للمجتمع عرض الحائط. فالمرأة في آثار هؤلاء الكتّاب وأمثالهم، قدمت من زاوية غريبة عن شخصيتها الواقعية. وككائن مرفه ومفرغ من الواقع الاجتماعي والشروط المعيشية الموجودة. من الطبيعي ألا نتجاوز آثاراً نسوية لكاتبات مثل نسرين ثامني وفهيمة رحيمي وهما من اللواتي خرجن الى العلن في ليلة ما في عالم الكتابة القصصية وبنتاجهن السطحي والمبتذل لم يتركن جداراً لموقع المرأة في الأدب المعاصر إلا ونالته مطارقهن. في قصص مثل "الليلة ستسكب دمعاً" و"الليلة تموت فتاة". وهناك كتّاب، ومن منطلق فكري محايد اتخذوا من موضوع المرأة معبراً ليعبّروا عن أفكارهم النسوية ولينالوا من موقع الرجل. فوضعوا موقع الرجل الذي لا يقبل الشك في حياة المرأة موضع السؤال. على سبيل المثال، قدمت الكاتبة "شهرنوش بارسي بور" المرأة في روايتها "نساء بلا رجال" كامرأة لا أثر ولا تأثير للرجل في حياتها التي تمضيها في راحة بال فتحول منزلها الى حانة تجتمع فيها النساء حول الخمر والمطرب الذي يشكل رأس حلقتهن. والطريف في هذه الرواية ان جميع شخصياتها الرئيسية والفرعية من النساء وقد تابعت "بارسي بور" هذا النوع أيضاً في روايتها "طوبا ومعنى الليل". وذلك بأسلوب يبتعد من رؤية المشكلات الاجتماعية التي تواجه المرأة وبنظرة فلسفية محايدة، إذ تصور المرأة "طوبا" في الرواية على انها امرأة خارجة من الدنيا وما فيها غارقة في فكرها البوذي. أما عباس معروفي صاحب رواية "سنة البلاء" التي تدور قصتها حول امرأة واقعة تحت ظلم زوجها الشكاك والقاسي والتي تقتل على يده في آخر الرواية، فتتمتع من ناحية التقنية بمستوى جيد جداً. خلاصة الكلام ان الروايات الجيدة التي تعاطت مع المرأة بنظرة منطقية ومعقولة تعد قليلة جداً قد لا تتجاوز عدد الأصابع، منها "زوج السيدة آهو" لعلي محمد أفغاني و"سووشون" لسيمين دانشور و"السيد ملويه" لصادق هدايت و"عيناها" لبزرك علوي و"الحجر الصبور" لصادق جويك. أما رواية علي محمد أفغاني "زوج السيدة آهو" فيمكن اعتبارها بداية مرحلة جديدة في الكتابة الأدبية القصصية المعاصرة وتشكل مثالاً يحتذى ولكن هذا الأمر لم يحدث، لذلك يمكن القول إن هذا المثال ابتدأ بهذا الرواية، وانتهى بها. والرواية تدور في مدينة كرمنشاه حول زوج السيدة آهو، رجل متوسط العمر لديه اربعة أطفال، يقع في حب أرملة ويحرم أطفاله وزوجته من جميع العواطف الإنسانية، ويغرق مع الأرملة الى حد أن يضيع جميع ثروته معها والتي لا تشكل سوى "فرن الخبز". لكنها تتركه ليعود الى عائلته فارغ اليدين. و"آهو" بمعنى غزال تمثل مثال المرأة الإيرانية المظلومة التي ليس لها من ملجأ سوى رجل البيت وهي مجبرة على تحمل ضربه بصبر ومن دون اي اعتراض. استطاع أفغاني ان يسلط الضوء على البعد الذكوري في المجتمع بأسلوب جذاب ولافت. أفغاني الآتي من غرب ايران يستعرض قدرته على استيعاب الأدب الشعبي والعادات النسائية لهذه المنطقة والحكايات التاريخية وحتى تفاصيل أحاديثهن اليومية واستعمالها في سياق روايته وبنائها الدرامي. لذلك يمكن القول إن جميع الشخصيات النسائية في هذه الرواية لهن خصوصياتهن التي يمكن للقراء إدراكها واستيعابها بسهولة. بأسلوب قل نظيره في القصص الإيرانية. على رغم الانتقادات الشديدة التي وجهت له لاستعماله الروايات التاريخية الرومانية والأجنبية. أما رواية "سووشون" لسيمين دانشور فإنها تصف حال إيران اثناء الحرب العالمية الثانية. الرواية تدور في مدينة شيراز التي تحتلها القوات الإنكليزية وأحداثها مبنية على مواجهة بين أحد الملاكين وزوجته المتعلمة من جهة وبين قائد المنطقة الإنكليزي من جهة أخرى، حول توزيع الغلال والمحاصيل. وتنتهي الرواية بمقتل الملاك "يوسف". وهي تحكي بذلك قصة الصراع من اجل الحرية التي تشكل مصير كل الرجال الشرفاء، والتي تدفع زوجته بالتالي الى الخروج من خوفها واتخاذ قرار المواجهة بعد ان فقدت أعز ما لديها. سيمين دانشور تعاطت مع احداث هذه الرواية بطريقة فنية عالية، وقطعت الأحداث بما يقارب أو يشابه التقطيع السينمائي، لتحمل النص إشارات مكثفة عما تريد توصيله الى القارئ. * كاتب.