أقرب الى صور أفلام هوليوود، هاجسُ مركبة الفضاء "بايونير - 10" أن تتصل ب"أمها" الأرض، بعد صمت لثمانية شهور وعمل متواصل دام ثلاثة عقود تقريباً. ولعلها من أطول المسافات التي قطعتها أي رسالة في تاريخ البشر، اذ قطعت نبضات لاسلكية من "بايونير" مسافة 15 ألف مليون كيلومتر لتصل الى وكالة "ناسا" مطلع هذا الأسبوع. هل تبدو مسافة 15 بليون كيلومتر طويلة؟ ربما، ولعلها تكفي لتذكّر بأن "بايونير - 10" هي الأداة الوحيدة، في التاريخ المعروف للجنس الانساني، التي نجحت في مغادرة النظام الشمسي برمته. فبعد اطلاقها عام 1972، دارت "بايونير" حول المشتري وأرسلت صوراً بكراً مذهلة لزحل وأقماره. ووصلت الى حافة النظام الشمسي وهي أول من صور كوكب "بلوتو" النائي ودار حوله. وسُجّل لها أنها أول من عبر حزام الكويكبات "Astroid Belt"، وهي مجموعة ضخمة متناثرة من مذنبات وصخور وشهب تفصل بين المريخ والمشتري، كذلك هي أول من غادر منظومتنا الشمسية. ولأنها أعدت لهذا الرحيل، زوّدت المركبة أسطوانة رقمية حفرت عليها صورة رجل وامرأة، ثم قصة الانسانية وانجازاتها في الميادين المختلفة. ولم يتوقع بُناتها ان تصمد "بايونير" أكثر من ثلاث سنوات، لكنها نجحت في العمل 29 سنة متواصلة. وبثت دوماً اشارات واهنة، هي مجرد ومضات لاسلكية تنبئ بمكان وجودها، وأعلنت وكالة "ناسا" انتهاء مهمتها العلمية رسمياً عام 1997، واستمرت في العمل. وعلى رغم سجلها الحافل، لا تعتبر "بايونير - 10" أبعد مركبة عن الأرض، ولا هي الأقدم طبعاً. وأبعد منها بكثير المركبة "بايونير - 6" التي تدور حول الشمس، واطلقت قبل 35 سنة. تعمل "بايونير - 10" بوقود ذرة، وإذا استمرت في سرعتها الحالية، قد تنجح في الوصول الى مجموعة النجوم المعروفة باسم "الثور توروس" خلال... مليوني سنة! وترصد وكالة "ناسا" مركباتها المغامرة في غياهب الفضاء السحيق، عبر سلسلة رادارات عملاقة موزّعة في اماكن متفرقة على سطح الكرة الأرضية. وتعرف هذه السلسلة ب"شبكة الفضاء العميق" أو "Deep Space Network". والسؤال، هل تنجح علوم الفيزياء والاتصالات في اللحاق ب"بايونير" وايجاد سبل دوام الاتصال معها خلال العقود المقبلة؟ وهل تحقق تلك الرحلة ما حدس به جمع من علماء الفضاء، وتلتقط اشارات "بايونير - 10" حضارة فضائية ما في هذا الكون المترامي؟