تكهّن خوان خوسيه ايبارريتشي رئيس الحكومة المحلية في منطقة الباسك الاسبانية انه سيكون بإمكان الديموقراطيين، اذا اتحدوا، تحديد مستقبل تلك المنطقة ورسم سياسة جديدة تكون بمثابة مشروع سلام من بين اولوياته القضاء على العنف ونبذ مؤيديه. وجاء ذلك بعدما وجد نفسه مجبراً على حل المجلس النيابي والدعوة الى انتخابات مسبقة. وكان هذا الزعيم الذي ينتمي الى القوميين المعتدلين واليميني الاتجاه، تمكن من تشكيل حكومته عام 1998 بفضل تأييد حزب "اوسكال هيرريتارروك"، القومي المتطرف، الماركسي التفكير والمؤيد لمنظمة "ايتا" التي تفتش بدورها عن مكان لها في المجتمع الباسكي، مستخدمة اعمال العنف كأداة لذلك ومتحججة بالمطالبة باستقلال منطقة "بلاد الباسك" الممتدة بين اسبانياوفرنسا. لكنه لم يتكهّن بفوز ائتلاف حزبه بالنسبة الأعلى منذ عام 1984، ذلك ان كل الدلائل كانت تشير الى فوز او تعادل غير القوميين المتمثلين بالحزبين "الاشتراكي" و"الشعبي" مع القوميين. غير ان نتائج انتخابات الأحد الماضي، منحت القوميين المعتدلين 33 مقعداً في المجلس النيابي المحلي الذي يتشكل من 75 نائباً اي بزيادة ستة مقاعد، على حساب الذين لا يدينون عمليات القتل التي تقوم بها منظمة "ايتا" من "اوسكال هيرريتارروك"، الذين خسروا بدورهم نصف مقاعدهم الاربعة عشر، وذهب احدها الى حزب اليسار الموحد اي الشيوعيين السابقين. كما اضاف "الحزب الشعبي" نائباً واحداً الى مقاعده على حساب "الحزب الاشتراكي". وبهذا تكونت خارطة القوميين وغير القوميين نفسها داخل المجلس حيث حصل القوميون من معتدلين ومتطرفين على 40 مقعداً في مقابل 41، عام 1998. اما الفارق بين القوميين وغير القوميين اليوم فيقارب 80 الف صوت من اصل نحو مليوني صوت. ولكن ايبارريتشي الذي سيلاقي صعوبات في المفاوضات من اجل تشكيل حكومة قوية تبعث الاستقرار وتفرض السلام في منطقته، ربما يكون استفاد من درس الماضي، ذلك ان علاقته مع المتطرفين الذين يعتبرهم المجتمع الاسباني بمثابة ذراع "ايتا" السياسي، لم تكن لمصلحة حزبه وقوميته وشعبه، بل انها جلبت له المتاعب وعدم الاستقرار السياسي. فتوقيعه مع هؤلاء في ايلول سبتمبر عام 1998 على اتفاق "ليثاررا" الذي استنسخ في بنده الثاني اتفاق الحكومة البريطانية مع منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي، اثار غضب كل الاحزاب الديموقراطية التي اشترطت عليه الغاءه لدعمه. فالحكم الذاتي في "بلاد الباسك" اليوم يفوق ما سيحصل عليه الايرلنديون عند الانتهاء من تطبيق اتفاقاتهم. والآن وبعدما كان بعض السياسيين من غير القوميين مثل الشيوعيين القدامى الذين اصبحوا يملكون اليوم 3 مقاعد في البرلمان المحلي، طرحوا دعم فكرة منح بلاد الباسك استقلالها الكامل، وهو امر مستحيل نظراً الى وجود جزء من هذه المنطقة في فرنسا التي تستبعد جذرياً هذه الفكرة، ولأن هذه المنطقة لا تستطيع ان تعيش من دون اقليم نافاررا الذي تدّعي "باسكيّته". لهذا السبب، ونظراً الى توازن القوى الذي ما زال نفسه، فان الرؤية السياسية تكون تغيرت في ضوء الرسالة الواضحة التي ارسلها الناخبون من خلال دعمهم الاعتدال ورفضهم العنف. كما ان القوميين سيحسنون قراءة الواقع الجديد من خلال نتائج الانتخابات التي تركت لغير القوميين القوة نفسها التي كانوا يتمتعون بها لتحديد مسيرة المفاوضات التي من شأنها تهميش "ايتا" وتطويقها للقضاء عليها. والأمر الذي يترقبه الجميع هو ردّ فعلها على ما جرى وما سيجرى.