يتوقف استقرار الشباب في اليمن بعد الزواج في مسكن خاص على مدى ما تسمح به العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية المتوارثة والظروف الاقتصادية الراهنة. وتشير الاحصاءات الرسمية الى ان متوسط عدد الأسر في البيت الواحد يصل الى ثلاث أسر على الأقل، كما يقدر عدد أفراد البيت الواحد بحوالى ثمانية في المتوسط، ما يعكس تشبثاً لدى الشباب بالولاء الى الأسرة الكبيرة التي تحتضنهم وغالباً ما تحل مشكلاتهم المادية والاجتماعية. هذا الوضع في اليمن ليس جامداً وربما عبر اكثر عن الأجيال السابقة التي لم تواجه مشكلات في تدبير السكن ولم تعصف بها تيارات التحديث والثقافات الأخرى. ويقول الشاب فؤاد القاضي انه بعد الزواج تفضل الفتاة العيش في بيت خاص بها بعيداً من أسرتها أو أسرة زوجها حتى تشعر ان هذا البيت هو مملكتها الصغيرة ترتب فيه احلامها وتنسج منه مستقبلها المستقر كيفما تشاء، كما ان الشاب اليمني عموماً يفضل الاستقلال في حياته الزوجية بعيداً من اسرته، لكن هناك أسباباً قد تضطره الى تغيير قراره، منها الحال الاقتصادية الصعبة وغلاء المساكن الخاصة التي تستنزف في المدن أكثر من 80 في المئة من قيمة الراتب الشهري. واعتماد الشباب على المعونات التي يقدمها الأهل غالباً ما يبدو مشروطاً بالبقاء داخل المنزل في احدى الغرف أو بعضها بحسب الامكانات. في الريف اليمني يعتبر استقلال الزوج بسكنه ضرباً من المستحيل لأنه وزوجته جزء من منظومة اجتماعية واقتصادية متكاملة، وربما تنتظر الأسرة بفارغ الصبر تزويج ابنها لاضافة عنصر جديد الى العاملة، وهي زوجته التي ستقوم بأعمال الزراعة والرعي وقطع الأخشاب وجلب الماء والحصاد. ويتحدث فؤاد القاضي عن تجربته الشخصية فيقول: أعيش مع زوجتي في شقة مستقلة ولا أفضل البقاء مع أسرتي أو أسرتها لأن ذلك يفرض بروتوكولات صارمة قد لا نقبلها مثل الالتزام بأوقات معينة لتناول الطعام ودخول البيت والخروج منه والمشاركة في الفاعليات الاجتماعية، ما يسبب مشكلات كثيرة نتيجة تقييد الحرية الشخصية على رغم ان بعض الشباب يلوذون برغد العيش لدى أسرهم اذا كانت ثرية أو ميسورة بعض الشيء لأن ذلك يحل مشكلات من نوع آخر مثل الايجار ومصاريف الأولاد والطعام. في نظر سعاد ع. م - ربة بيت - أن المشكلات زادت في الآونة الأخيرة بين الزوجات وعماتهن "حمواتهن" بسبب الاحتكاك اليومي وشعور الأم انها تملك ابنها وان زوجته خطفته من الأسرة وسخرته لمصلحة رغباتها ومطامعها، خصوصاً اذا كان هذا الزوج موظفاً، وكثيراً ما تنشب المشاجرات والخلافات التي تزيد حيرة الشاب وقد تدفعه الى الزواج من أخرى واستئجار منزل صغير يقيم فيه معها بعيداً من "سمفونية" الأحزان اليومية في منزل أبيه. وتختلف معها في الرأي بلقيس أ. ح - طالبة جامعية - مؤكدة ان اخلاق المجتمع اليمني ما زالت كما هي من خلال عناصر التماسك الأسري والترابط الاجتماعي وتقاسم اللقمة الواحدة بين كل أفراد الأسرة. وتعتبر بلقيس ان المجتمع اليمني لا يزال بعيداً من الظواهر المعقدة في حياة الشعوب العربية الأخرى. فالشاب المتزوج يمارس حياته ضمن منظومة الأسرة الكبيرة من دون اية مشكلات أو هموم، وهي ترى فيها سبباً من أسباب استقراره النفسي والمادي. ويرى منير اللساني وهو طالب في كلية التجارة - جامعة صنعاء، ان استقلال الشاب عن أسرته بعد الزواج أمر يتمناه الجميع ولكن الظروف دائماً تكون أقوى من الطموحات والأحلام. ويعتقد منير، وهو لا يزال عازباً، ان انفصال الشاب يكون بغرض اثبات نفسه وتكوين أسرة جديدة وبالطريقة التي يراها مناسبة وتجنباً لمشكلات مستقبلية مع والديه. وقد يكون الاستقلال بناء على طلب الوالد نفسه أو الزوجة التي تشترط ذلك حتى تكون سيدة المنزل الأولى أو تجنباً لخلافات مع والدته أو أحد أفراد أسرته. ويقول عبدالملك يحيى محمد وهو موظف "ان الواقع في اليمن يفرض على الأسرة ككل ان تكون متماسكة وتعيش في ظلال بيت واحد ويتزوج الأبناء كل في غرفة مستقلة داخل المنزل مهما كثر عددهم. وواقع الأسرة في اليمن يحتم على الأبناء العيش مع الأسرة لأسباب كثيرة أهمها رفض الأهل خروج ابنهم من محيط البيت ويفسرون ذلك بأن الزوجة جاءت لتأخذ ابنهم منهم وكذلك لأن الابناء يتحملون قسطاً كبيراً من أعمال الأسرة سواء في الحقول أو غيرها بعد الزواج". ويؤيد عبدالملك الحياة داخل الأسرة بسبب عدم قدرة الأبناء على تحمل المسؤولية وفتح بيت مستقل، الأمر الذي يتطلب تدبير مصروفات خاصة قد تساهم الأسرة بالتكفل بها. ويفضل علي أحمد مرعي طالب جامعي حينما يتزوج ان يعيش مع أسرته لأنه بذلك سيكون سعيداً بوجود والديه معه وسيشعر بالاستقرار النفسي والراحة. ويرى علي ان استقلال الشبان في مساكن خاصة قد يكون مبرراً في حال الظروف الاستثنائية حينما يضطر الشاب الى العمل في المدينة. ولكن في كل الأحوال يجب ألا يقطع حبل الود وصلة الرحم مع أهله. ويتحدث علي مرعي عن صنف ثالث من الشبان الذين ترغمهم زوجاتهم في شكل أناني على العيش خارج منزل أسرهم من دون أسباب وجيهة أو منطقية. ويؤكد ان هؤلاء الزوجات من الأحسن خروجهن من المنزل لأنهن يسببن الازعاج والنكد لكل من فيه.