باستثمارات تبلغ 1.4 مليار: أم القرى و"الرمز" توقعان اتفاقية لتطوير وحدات سكنية فاخرة في وجهة "مسار"    بدور القاسمي تطلق سلسلة كتب «أمي» لتأكيد أهمية الرضاعة الطبيعية    برئاسة ولي العهد ورئيس وزراء الهند.. إنشاء مجلس الشراكة بين السعودية والهند    مشاعل العتيبي رئيسًا لجمعية العمل التطوعي بالمنطقة الشرقية    هيئة التراث تُسجل 5 مواقع أثرية جديدة في منطقة جازان ضمن السجل الوطني للآثار    المعايطة ل«عكاظ»: السعودية تدعم القضايا العربية والإسلامية    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    كتب و روايات في معرض الشارقة تحولت لأفلام عالمية    جيش الاحتلال يهجر 6 مناطق في ضاحية بيروت    النقل تُوقف 3 تطبيقات عن مزاولتها لأنشطة النقل    في 100 لقاء ثنائي.. قمة الرياض للتقنية الطبية تبحث توفير فرص ذهبية للمستثمرين    رئيس جمهورية تشاد يصل إلى المدينة المنورة    الدولار يحافظ على استقراره قرب أعلى مستوى في ستة أشهر ونصف    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    الكويت تدين تصريحات وزير حكومة الاحتلال بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في قطاع غزة    الأرصاد: الفرصة مهيأة لتكوّن السحب الرعدية الممطرة    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    أسبوع معارض الطيران    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انهار الاتحاد السوفياتي فانهارت المعاهدة . مظلة بوش الصاروخية بين الأصدقاء وبقية العالم !
نشر في الحياة يوم 11 - 05 - 2001

يعتقد المحلل الاستراتيجي الصيني هي فانغ، ان هناك فرقاً كبيراً بين التركيبة العالمية البُنية والنظام العالمي. فالأولى تنبثق من اطار دولي ثابت تقريباً، ومن وضع استراتيجي، قائم على توازن القوى. اما النظام العالمي، فهو نتيجة لهذه التركيبة، وهو يحدد آليات التعامل بين القوى العالمية من خلال علاقاتها الدولية، خصوصاً ما يتعلق بإدارة الازمات.
ويعتقد الصينيون أيضاً ان التحول من تركيبة عالمية الى اخرى لا يحصل الا بعد وقوع حرب كبرى. فخلال ال200 سنة الماضية، كانت هناك أربعة أنواع من التركيبات العالمية، اي بمعدل تركيبة واحدة كل 50 سنة. نتج من هذه التركيبات أربعة انظمة هي: نظام فيينا الذي اتى عقب هزيمة نابليون. الثاني، نتج من المتغيرات الداخلية في كل من: ايطاليا، المانيا، اليابان، ودخول الولايات المتحدة الى الساحة الدولية، الأمر الذي خلخل التركيبة السابقة، وعدّل موازين القوى. الثالث، انبثق من معاهدة فرساي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. اما النظام الرابع، فهو الذي انبثق من مؤتمر يالطا، وقام على مبدأ توزيع مناطق النفوذ على القوى المنتصرة في الحرب.
في مطلع التسعينات أعلن انهيار الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى. تغيرت التركيبة العالمية لم تستقر بعد، وبدأ المحللون يحاولون رسم صورة النظام الدولي الذي سيتأتى عن هذا التغيير. وبذلك، وعلى عكس ما اعتقد الصينيون، أتى انهيار التركيبة العالمية من دون وقوع حرب كبرى كما كان يحصل في السابق. ويقول البعض ان السلاح النووي والخوف من التدمير الشامل والمتبادل، شكّلا الرادع الأهم لمنع حرب عالمية ثالثة.
أين تقع درع الصواريخ الأميركية في هذه الصورة؟
في هذه الصورة للتركيبة العالمية، تندرج الدرع في خانة موازين القوى، التي تنبثق من الوضع الاستراتيجي، ويصبّ في الخانة الأعلى الا وهي التركيبة الدولية. اذاً وباختصار، ومن الأعلى نحو الأسفل تأتي الصورة على الشكل الآتي: تركيبة دولية، وضع استراتيجي معين حيث تصبّ الدرع، ينبثق من هذا الوضع النظام العالمي. لكن الخطير في الدرع الاميركية يأتي من تأثيرها الكبير والمباشر على التوازن الاستراتيجي، وعلى كيفية رسم صورة النظام العالمي الآتي لا محالة. فالمبادرة تأتي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفرّد اميركا بمصير العالم، كونها الأقوى في المجالات كافة، وفي ظلّ غياب أية منافسة حقيقية للهيمنة الأميركية. فالقوى المنهارة، لا أمل من شفائها في الأمد القريب. اما القوى الصاعدة، فهي محتارة في الاختيار بين اتجاهين: إما قبول الأمر الواقع والعمل على الازدهار الاقتصادي. او محاولة السباق مع الولايات المتحدة عسكرياً، الأمر الذي يضع عليها اعباءً مالية تستنفد النمو الذي حققته، ما يجعلها تخسر الاقتصاد والعسكر، وبالتالي خسارة موقعها كقوة عظمى.
ما هو تأثير الدرع الاميركية على صورة موازين القوى التي رسمناها آنفاً؟
علّمنا التاريخ وخصوصاً العسكري، ان الخلل في موازين القوى يأتي من الخرق Breakthrough الذي يحصل في ميدان العلم والتكنولوجيا، ويتحول الى الميدان العسكري، كابتكار سلاح جديد لا يملكه احد. ويذكرنا هذا الأمر بما قاله المطران جورج خضر: "يستعمل الانسان قمّة ذكائه، وما توصّل اليه من ابتكارات لقتل الآخر".
ما هي المراحل التي يمر بها الخلل الاستراتيجي؟
- مرحلة الخرق، اذ يعمد احد الفرقاء الى ابتكار سلاح جديد لا يملكه غيره. يؤدي هذا الخرق الى خلخلة التوازن الاستراتيجي. يتمتع المُحتكر بعد هذا السبق بمرحلة معينة من الهيمنة السياسية، والسيطرة وحرية التحرك على صعيد العلاقات الدولية.
مرحلة كسر الاحتكار من قبل قوّة اخرى، لينتج من هذا الوضع توازن في القوى. يعمد الافرقاء خلال هذه المرحلة الى تخزين السلاح الجديد، والى تحسين نوعيته. يُطلق على هذه المرحلة مرحلة "سباق التسلح".
- مرحلة الانتشار Proliferation، وهي عندما تحصل على السلاح الجديد اكثر من دولتين.
بعد المرحلة الثالثة، تعود الحلقة الى الأولى، وهكذا دواليك.
لا تشد الدرع الاميركية عن هذا المعادلة، كونها تشكل وبامتياز المرحلة الأولى منها، اي مرحلة الخرق. لكن لماذا؟
بعد تفجير القنبلة النووية الاميركية فوق اليابان، احتكرت الولايات المتحدة هذا السلاح، لأنه شكل الخرق الذي تحدثنا عنه. كسر الاتحاد السوفياتي الاحتكار الاميركي، وذلك بعد ان فجّر قنبلته. تلت هذه المرحلة، مرحلة التخزين Stockpiling والتحسين لنوعية هذا السلاح، خصوصاً في مجالات المدى، الدقة وحجم الدمار المطلوب، إن كان على الصعيد الاستراتيجي، ام على الصعيد التكتيكي. دخلت بعدها فرنسا، انكلترا والصين الى النادي النووي، فابتدأت بذلك مرحلة الانتشار.
عندما قررت الادارة الاميركية المضي قدماً في بناء الدرع، تكون بذلك انتقلت فعلياً من النووي الى مرحلة متقدمة عنه، فيكون الخرق، ليختلّ التوازن. بمعنى آخر، تكون الولايات المتحدة وكأنها تقول لمن لديه النووي ما يلي: "لديّ السلاح النووي، ولديكم السلاح نفسه، لكن لا قيمة لسلاحكم لأن مظلّتي تقيني منه".
ويقول البعض في هذا المجال، ان الدرع لا تحمي 100 في المئة. لكننا نقول، هذا كلام صحيح، لكن المهم في قرار بوش، في انه يشكل نقطة تحوّل اساسية، لأنه يخرق التوازن القديم، ليخلق وضعاً جديداً ملائماً له، لم يتعوّد عليه المنافسون، وقد لا يجدون له حلاً في المدى القريب. ويبدو القرار وكأنه يضع الشك والريبة Uncertainties، في عقول الآخرين، ويجعلهم في وضع صعب جداً فيما لو حاولوا مواجهة اميركا، سياسياً ام عسكرياً. ويقول البعض الآخر، ان التكنولوجيا المتوافرة حالياً، لا تفي بالحاجة. فيكون الجواب، هذا صحيح، لكنه لا بد من الأخذ في الاعتبار المفاعيل المتأتية عن القرار في حد ذاته وفي كل المجالات. وأريد هنا ان اقتبس ما قاله لي الجنرال واردن مخطط الحملة الجوية لحرب الخليج: "انجازات اليوم، هي احلام البارحة. فالعقل البشري لا حدود له. ماذا عن حلم النزول على القمر، الم يكن من احلام البارحة، وهو اليوم حقيقة؟".
ماذا يريد بوش من وراء قراره؟
من خلال قراره، يقول الرئيس بوش للعالم الآتي: "بما ان التركيبة العالمية، وموازين القوى والنظام المنبثق منها تغيّرت كلها، لا بد إذاً من تغيير الآليات والمبادئ والقواعد التي كانت ترعى سابقاً العلاقة بين الجبابرة. وتبدو المعاهدة الموقّعة مع السوفيات عام 1972 ABM، التي تمنع بناء درع كاملة وشاملة، الضحية الأولى للتغيير الحاصل".
على ماذا تنص هذه المعاهدة؟
في روحيتها، اتفق الطرفان الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، على الحدود المسموح بها لبناء شبكات مضادة للصواريخ البالستية. يمكن البلدين بناء قاعدتين فقط مضادتين للصواريخ، شرط ان لا تغطيا مساحة البلاد كلها. وبذلك يترك كل فريق عمداً ثغرات كثيرة تستطيع الدخول منها الصواريخ المعادية. وباختصار، شكلت المعاهدة أداة ضبط ومعالجة من ضمن النظام الذي كان سائداً، وهدفت الى تأسيس التوازن المبني على الشك والريبة لديهما من عدم امكان تحقيق النصر في حرب نووية شاملة. أراد الرئيس بوش تغيير وجهة الصراع، من الردع النووي الذي كان قائماً مع الاتحاد السوفياتي، الى ما سمّاهم ب"طغاة اليوم"، فالخطر الآن ليس من روسيا، التي تملك آلاف الرؤوس النووية، بل هو من الدول غير المسؤولة، التي تملك اسلحة الدمار الشامل. فهي لم توقع على أية معاهدة ما يعطيها حرية كبرى في التحرك. لذلك تتطلب الحقائق الجديدة سلوكاً ووسائل جديدة. ويبدو الرئيس بوش من خلال خطابه، وكأنه يرسم الخطوط العريضة لاستراتيجية الولايات المتحدة، والمتعلقة بالأمن القومي. ويبدو خطابه أيضاً، وكأنه يتكامل مع الدراسة التي يجريها وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، حول صورة القوات الاميركية وعقيدتها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وحول دورها في ظل الحقائق الجديدة.
يقال ان دراسة رامسفيلد ترتكز على الأمور الأساسية الآتية:
- على عكس الحرب الباردة اذ كان يمكن توقع مكان الصدام، تبدو الصورة الآن رمادية، ولا يمكن توقع اين ستندلع الصراعات، ولذلك تبرز اهمية مكان وجود القوات الاميركية.
- بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتقال الاهتمام الاميركي الى آسيا، بدت المسافات الطويلة جداً، عائقاً امام الانتشار السريع، الأمر الذي يترك للمعتدي الوقت اللازم لتثبيت نصره والاستعداد للمواجهة، لذلك يعتم هذا الأمر المحافظة على قواعد اميركية وسطية، ونوعاً جديداً من الاسلحة والتشكيلات العسكرية، وتبدو السيطرة على البحار من الأمور المهمة.
- لن تكون الحروب المستقبلية على شاكلة حرب الخليج، مكان المصالح الحيوية. لذلك لا بد من التركيز على النقاط الساخنة والحيوية لأميركا، وإهمال الباقي، بعد تأسيس الآليات المناسبة من خلال المنظمات الدولية للعمل على حل هذه النزاعات.
- وجب التركيز كثيراً على الصراعات الأساسية التي تحدث مع قوة عظمى ثانية، وقد تأتي بالكوارث على الولايات المتحدة، كإسقاطها الى دولة عظمى اقليمية. فعلى سبيل المثال، خاضت انكلترا عندما كانت تحكم العالم مئات الحروب الثانوية، وبقيت على رغم ذلك دولة عظمى. لكنها نزلت الى مصاف الدول الثانوية عندما خاضت حرباً كبرى مع المانيا. فلنتأمل الولايات المتحدة تخوض حرباً شاملة مع الصين بعد 20 سنة، ماذا سيكون مصيرها؟
- سوف لن تعدّ القوات الاميركية لخوض حربين اقليميتين في الوقت نفسه 2MRC، لأنها تتطلب الكثير من العتاد الثقيل، والعدد الكبير من الجنود.
كيف كان رد الفعل العالمية على هذا القرار؟
رحّب الأوروبيون بالخطوة بعد ان اكد الرئيس بوش استعداده للتشاور والتعاون معهم في هذا المجال، وهم كانوا سابقاً منزعجين من المشروع ككل. وتبدو كندا، وكأنها تغرّد خارج سربها عندما انتقدت الخطوة، معتبرة إيّاها عملاً سوف يؤدي الى اطلاق سباق التسلح، بعد ان نسيت انها تشكّل الباب الخلفي للولايات المتحدة. بدا الروس متمسكين بالمعاهدة القديمة، وهذا طبيعي لأنها تحافظ على الحد الادنى من مصالحهم، ولكنهم لا يستطيعون مجاراة الولايات المتحدة في هذا المجال. وظهر هذا جلياً في تصريح رئيس الوزراء السابق سيرغي ستيباشين عندما قال: "لا يجب اتخاذ خطوات جوابية عسكرية. لأن سباق التسلح مع الولايات المتحدة كان من اسباب انهيار الاتحاد السوفياتي، وليس بمقدور روسيا حالياً دخول جولة جديدة في هذا المجال".
وبدت الصين المعارض الأشرس لقرار الرئىس بوش، ونقلت وكالة الانباء الرسمية ان بكين تعادي هذا النظام. فهو لن يشعل سباقاً جديداً في التسلح فحسب، بل سيهدّد ايضاً السلم والأمن العالميين في القرن الواحد والعشرين.
لماذا تخاف الصين من الدرع؟
بادئ ذي بدء، تتخوّف الصين من استحالة استرداد تايوان في حال انضمت هذه الاخيرة الى شبكة الدرع الاميركية. وصرّح في هذا المجال عام 1999 رئىس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور جسّي هيلمز في مجلة "وول ستريت جورنال"، فقال: "يجب على الولايات المتحدة ان تأخذ تايوان ضمن مظلة الدفاع الصاروخية، لحمايتها من الصواريخ الصينية". وطالب ايضاً بإلغاء معاهدة عام 1972 ABM. كما صرّح المرشح بوش في حينه، انه سيسعى، في حال انتخابه، الى تسليح تايوان والأصدقاء في المنطقة بمظلة صواريخ اقليمية. وهو وفى بوعده بعد انتخابه، بعد ان قرر بيعها اي تايوان اسلحة متقدمة، اعتبرت من جانب الصين على انها هجومية. لكنه لم يوافق موقتاً على بيعها نظام "ايجيس" Aegis المتطور جداً، الذي يستطيع ان يفتّش ويلاحق ويوجّه الصواريخ ضد مئة هدف دفعة واحدة وفي الوقت نفسه. وهدف الرئيس بوش من عملية التأجيل، من دون الإلغاء، الى وضع الضغوط في شكل مستمر على الحكومة الصينية. وما تخافه الصين في هذا الاطار، هو حصول تايوان على اسلحة معيّنة تساعدها في السيطرة على البحار المحيطة، خصوصاً اذا ترافقت مع دخولها ضمن المظلة الاميركية التي تحميها من الصواريخ الصينية. ويؤدي هذا الأمر الى فقدان تايوان نهائياً، وإجبار الصين على الدخول في عملية تحديث لترسانتها العسكرية، ما يجبرها على زيادة موازنتها العسكرية على حساب نموّها، الأمر الذي يعيق صعودها كقوة عظمى.
وما يزيد من هذه المخاوف، وجود القانون المتعلق بمساعدة تايوان عسكرياً للدفاع عن نفسها Taiwan Act، بصورة مستمرة وسنوياً.
كيف يمكن الصين أن تردّ؟
يتخيّل القادة الصينيون السيناريو الأسوأ مع الولايات المتحدة على الشكل الآتي: بما ان الصين لا تملك اكثر من 24 صاروخاً عابراً للقارات، فان أي مظلة مضادة للصواريخ مهما كان حجمها، تحدّ من فاعلية الردع النووي الصيني. فلو عمد الأميركيون مثلاً، الى اطلاق الضربة الاولى على الصواريخ الصينية العابرة للقارات وهي في مخازنها، فان أي مظلة او درع صاروخية تتكفّل بما تبقى من هذه الصواريخ التي تشكل الضربة الصينية الثانية. ورداً على هذا السيناريو عمدت الصين الى الآتي:
- الضغط ديبلوماسياً على الولايات المتحدة، بالتعاون مع روسيا، عندما قرّرتا محاولة تمرير مشروع في اللجان المختصة في مجال الحد من انتشار الاسلحة، التابعة للأمم المتحدة. وعارضت اميركا مشروع القرار، فأحيل الى الجمعية العمومية. وهدف القرار الى التمسك بمعاهدة عام 1972 ABM، وقال الرئىس الصيني جيانغ زيمين عنها "ان التوازن العالمي الاستراتيجي يرتكز على هذه المعاهدة".
- على الصعيد العسكري، يمكن الصين تحديث ترسانتها العسكرية، خصوصاً في ما يتعلق بالصواريخ العابرة، كزيادة عددها مثلاً، او مداها. وأجريت تجارب اخيراً على صاروخ من نوع DF-31 يصل مداه الى 8000 كلم، وباستطاعته ضرب الشاطئ الغربي للولايات المتحدة. كما اجريت تجارب على صاروخ من نوع ثانٍ DF-41 يمكنه حمل الكثير من الرؤوس الوهمية التي يمكنها ان تخدع اجهزة الرصد في الدرع، الامر الذي يسمح بمرور بعض الرؤوس النووية الحقيقية.
- يمكن الصين ان تعقد الأحلاف مع القوى المجاورة خصوصاً روسيا والهند. وكذلك يمكن الصين ان تسلّح دولاً مارقة عدة، بهدف ارباك اميركا وتوزيع قواها.
- العمل على بناء عقيدة استراتيجية تتناسب مع هذا الخلل في القوى، كعقيدة اللاتماثل Asymmetry، التي تهدف الى التركيز على ضرب مراكز ثقل العدو وتشكل نقاط ضعفه. وتبدو الاقمار الاصطناعية التي تشكل العمود الفقري للدرع، هدفاً مثالياً للحرب المقترحة.
- يمكن الصين ان تركّز ايضاً على الداخل الاميركي، لارباكها في عقر دارها. فكلنا يعرف درجة المعطوبية للمجتمع الاميركي الذي يقوم على تكنولوجيا المعلومات. ويكفي ان يُضرب مثلاً مفاعل نووي في مدينة ما لنعرف مدى الضرر. ويلاحَظ اخيراً في هذا المجال التركيز الاميركي الرسمي، على الدراسات التي تتناول كيفية حماية الداخل الاميركي من العمليات الارهابية.
أين العالم العربي وإسرائيل من الدرع الأميركية؟
في الوقت الذي يسعى فيه العرب الى الحصول على السلاح النووي، تبدو اسرائىل وكأنها متقدمة بأشواط بعيدة. فهي حصلت على النووي في مطلع الستينات بمساعدة فرنسية، وبتغطية اميركية بدأت مع الرئىس كينيدي. وهي تعتمد تجاه هذا الأمر سياسة الغموض. وبهدف اضفاء المزيد من الارتباك على هذا الامر صرّح ايغال آلون عام 1960 بالآتي: "لن تكون اسرائىل اول دولة تدخل النووي الى المنطقة. لكنها لن تكون الثانية ايضاً". ولعب النووي دوراً مهماً في وضع اسرائيل الاستراتيجي، فهو من جهة شكل رادعاً مهماً لأي هجوم عربي شامل عليها. كما اجبر الولايات المتحدة على مساعدتها في مجال الاسلحة التقليدية، بهدف منعها من استعمال النووي عند الضرورة. وحددت اسرائيل لنفسها استراتيجية امنية ترتكز على مبدأ احتكار هذا النوع من السلاح، ضمن دائرة يصل مداها حتى افغانستان. لذلك ذهبت وضربت المفاعل النووي العراقي عام 1981، وهي مستعدة للقيام بالعملية نفسها مع ايران، إذا تأكدت انها على قاب قوسين من الدخول الى النادي النووي. في العام 1998، صرّح افراييم سنيه انه على اسرائيل القيام بضربة وقائية ضد المشروع النووي الايراني، وذلك بعد ان اجرت الاخيرة تجربة ناجحة على صاروخ شهاب-3، وقامت بعدها بعرض الصاروخ في احتفال عسكري بعد ان كتب عليه "يجب ان تمحى اسرائىل عن الخريطة".
يسعى العرب بكل طاقاتهم وقواهم للحصول على النووي، ولم يوفقوا حتى الان، بسبب الحظر المفروض على المنطقة، والعراق خير مثال على ذلك، ولكنهم يملكون في المقابل اسلحة متنوعة من اسلحة الدمار الشامل.
ماذا لو حصل العرب على النووي؟
يعتبر روبرت تاكر ان السلاح النووي في المنطقة قد يكون عاملاً مساعداً على الاستقرار، وذلك بعكس ما يعتقد البعض. ففي بيئة نووية، قد يعتقد العرب انه لا داعي للخوف من استعمال اسرائىل للنووي، كما انه لا يجب التخوف من اهدافها التوسعية. كذلك ستعتقد اسرائىل ان حدودها آمنة، واللجوء الى العنف لحل النزاعات سيتضاءل مع الوقت. ولكن حسابات اسرائيل مختلفة عما يظنه تاكر. فالأسئلة تبقى، ماذا عن صدّام؟ وماذا عن ايران؟ وماذا عن الدول الانتحارية ذات الانظمة العاصية التي لا تتّبع اي عقلانية في سلوكها؟ ألم يسقط السكود على تل أبيب ابان حرب الخليج؟ ويذكر ان الشعب الاسرائيلي، بدأ يعي اهمية حيازة النووي كعامل ردع للعرب، خصوصاً بعد حرب الخليج. ففي دراسة صغيرة نشرها معهد "جافي" في تل ابيب عن موقف الرأي العام الاسرائىلي من استعمال النووي، تبين ان نسبة من يؤيّد استعمال هذا السلاح خلال الحرب، زادت من 36 في المئة عام 1986 الى 80 في المئة عام 1998.
ما الفرق بين العرب وإسرائيل؟
الفارق الكبير يكمن في حيازة اسرائيل النووي، على عكس العرب الذين لا يزالون يسعون للحصول عليه، اذا توافر، او اذا سُمح لهم بذلك. ويقال في هذا المجال، ان احد اهم اسباب ذهاب عبدالناصر الى الحرب عام 1967 هو رغبته في ضرب مفاعل ديمونا.
لم تكتف اسرائيل بحيازة النووي فقط، بل سعت الى حماية نفسها من الصواريخ العربية. لذلك يمكن وضعها الآن في خانة الخرق التي تحدثنا عنها. فهي متقدمة كثيراً على العرب الذين لا يزالون في مرحلة الحصول على هذا السلاح اي الانتشار. وهي تعمل لخلق مظلة خاصة بها تمثلت بمشروع آرو، الذي تسهم به الولايات المتحدة حتى الآن 101 بليون دولار. والخطير في امر حيازة اسرائيل للنووي، هو في عملية ادراجه على الاوامر العملانية في حال وقوع حرب ما. يضاف الى هذا، امكان اطلاق هذا السلاح من الابعاد الثلاثة، البر والبحر والجو. وتعتبر سورية في هذا المجال، ان السلاح النووي الاسرائيلي لا يشكل خطراً على الأمن القومي العربي فقط، بل هو خطر على الوجود العربي ككل. فباستطاعة اسرائىل تدمير اكثر من 50 مدينة عربية صناعية، من الدار البيضاء وحتى بغداد، كما يمكنها تدمير اكثر من 25 هدفاً في كل من ايران وباكستان وبعض الدول الاسلامية.
في ظل هذا الوضع، أتت مبادرة الرئىس بوش المتعلقة بالدرع، لتزيد الفارق في ميزان القوى لمصلحة اسرائيل. فهو يريد حماية الاصدقاء الاقليميين، العرب وغيرهم. لذلك يمكننا ان نتأمل مظلة اقليمية في المستقبل على الشكل الآتي: الاصدقاء ضمن المظلة، وما تبقى عليهم تقديم شهادات حسن السلوك. وتشكل اسرائىل قلب هذه المظلة نظراً لتقدمها التكنولوجي في هذا المجال.
* كاتب لبناني. عميد ركن متقاعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.