في دمشق، اليوم الخامس من نيسان ابريل الماضي، صمتَ الربيع وزهوه، رحل عنا وجه حبيب آخر. مات حامد خليل، الصديق الحميم، والنفس الطيبة، والوجه الودود، ورجل الفكر النادر. عوّدتنا دمشق أن تفجعنا بين آن وآن، وبتسارع مرعب، برحيل واحد بعد آخر من نجومها ونخبة مبدعيها، في زهو العمر، وغمرة العطاء. هاني الراهب كان واحداً، وسعدالله ونوس كان آخر، وحامد خليل أخيراً. قبل زمن كنت سعدت بدعوة حامد خليل لإلقاء محاضرة في سلسلة الندوات التي أنظّمها في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن. واغتبطت بتقديم باحث متعمّق، نفّاذ البصيرة، متزن الحكم، دقيق التحليل. وقدّم حامد خليل بحثاً عن الفرد والسلطة في الفكر العربي الحديث، كان بين اكثر ما سمعت عدالة حكم، وبراعة تحليل، واتزان لغة وعقل. ولأنه لا يتحدث الإنكليزية، كنت طلبت منه أن يعدّ لي ملخصاً أقدّم ترجمة من خلاله لما يقرأه هو بالعربية. وأعدّ لذلك ملخّصاً ممتازاً ظل بين أوراقي إلى أن رحل عنّا. وبدا لي أن نسهم، من بعده، بتجديد كلا الذكرى والفجيعة، بنشر هذا الملخّص لكي لا نحرم القارئ من ثمرة فكر نيّر، ومعرفة باحث متميّز. ولئن بدت في الملخّص نقاط غياب، فإن ما فيه من حضور المعرفة وسلامة الحكم، واتزان اللهجة لكفيل بأن يبقي الوفير من الثمار اليانعة، تذكّر بغصن انكسر، وثمرة سقطت من على أمها الحياة، قبل أن يكتمل الأوان. كنت أودّ ألاّ ينشر هذا الملخّص من دون استئذان صديقي الغائب، غير أنه لم يترك وسيلة اتصال. فلعله، بروحه السمحة، وطيبته القروية، وفكره المتزن، يغفر لي أنني لم أسأله. ولقد أردت السؤال، فعزّ أن يكون.