لا يزال الفنان المصري جميل شفيق يمتعنا بالأبيض والأسود. وفي معرضه الاخير قاعة وزارة الثقافة فاجأنا بمجموعة من اللوحات الجديدة والقديمة معاً. أعمال جميل شفيق تعد نبعاً جارياً باستمرار لا تعرف الجديد منه من القديم. وثمة تيمات وملامح تتكرر - في تكرارها متعة جديدة - في معظم اعماله. هذا المعرض مثلاً، يقدم فيه "الخيل" في شكل أكثر كثافة من معرضه السابق رباعيات الخيل والليل مع ميل الى تجريد الطبيعة. يستعير الفنان من الطبيعة المفردات النفسية والتعبيرية التي تتلاءم مع بعض الحالات من الوجود البشري، الابيض والاسود يجرد الطبيعة من زيفها وألوانها ويبقى على جوهر الاشياء. هذه الطريقة في الرسم تهشير بالأبيض والأسود صعبة وتحتاج إلى قدرة عالية ومجهود وتوتر وزمن، لكنها في الوقت نفسه شديدة الغنى وتعطي احساساً اعمق باللغة، لغة الحياة. فالرسم بالابيض والاسود، يلعب دوراً كبيراً في تكوين اللوحة. والفنان دائماً يشاهد الطبيعة ويختزلها بداخله ثم يعيد تكوين الاشكال والرؤى بحسب الحال الوجدانية والعقلية، بحثاً عن نوع من التوحد في الحياة والعمل الفني. وربما من هنا تأتي أنسنة الاشياء في اعمال جميل شفيق. الحصان يأخذ شكل إمرأة، والرمال بتعرجاتها وأنسيابها وملاستها توحي بخفايا جسد الانثى. الخيول والطيور تقف في حال تأمل كالإنسان، والإنسان يتحول إلى كائن آخر، نوع من وحدة الوجود وكائنات تتفاعل بعضها مع بعض، فالانسان ليس وحيداً في الكون. لا يرسم جميل شفيق مباشرة من الطبيعة، مقدار ما يتمثل مفرداتها ويعيدها الى اللوحة عبر عملية معقدة من التأمل والشاعرية والتجريد المرهف المرأة والخيول ثنائي مهم في أعمال الفنان. المرأة رمز الوجود والخصوبة والحياة، أما الخيول فرمز للفحولة والذكورة والنبل والقدرة على مواجهة الصعاب. يقول الفنان الرائد حسين بيكار عن معرض جميل شفيق، إنه شعر بهدوء فلسفي رزين يوحي بحال تأملية بالغة العمق والشفافية. هل هذا الشعور منبعه ذلك النور الذي يخرج من قلب كائنات جميل شفيق؟ أم سببه ذلك الدفء والجمال اللذان يغلفان لوحاته؟