تزامن دخول قانون الهجرة الجديد في اسبانيا مع الزيارة التي قام بها الى المغرب وزير داخليتها خايمي مايور أوريخا، بدعوة من نظيره المغربي أحمد الميداوي، وبدا ان زيارة المسؤول الإسباني جاءت بخلفية الاطلاع على وجهة نظر المسؤولين المغاربة حول موضوع الهجرة السرية عبر المدينتين المحتلتين "سبتة ومليلية"، وانعكاسات القانون الجديد على الجاليات المغربية في اسبانيا، على اعتبار ان هذا القانون يهم المغاربة بالدرجة الأولى بوصفهم الفئة الأكثر عدداً بين المهاجرين الأجانب. وجاءت زيارة المسؤول الاسباني الى المغرب، مرفوقاً - وهذا له دلالة غير خافية - بمندوب الحكومة المكلف بالمخطط الوطني حول المخدرات. وطبيعة وفد مثل هذا جعلت مباحثات مسؤولي البلدين تقتصر على أهم قضيتين تشغلان بال الإسبان: الهجرة السرية والمخدرات، وهي بمقدار ما تهم الحكومة الاسبانية تضع المغرب منذ البدء بين قوسي الاتهام، وتقلص من صيغة الحوار الى ما يعتبر أولوية في الوقت الراهن. وهو الوضع الذي هيمن من جديد ودفع بطغيان المقاربة الأمنية التي دأبت الحكومة الاسبانية على التلويح بها في كل وقت يبرز فيه الاهتمام بقضية الهجرة غير الشرعية، حتى لكأن اسبانيا تطالب المغرب بأن يكون أرضاً لتطبيق هذه المقاربة، الأمر الذي شاطر المغاربة بجزء منه جيرانهم، وخالفوهم في جزء آخر منه. وقد نبّه وزير الداخلية المغربي نظيره الاسباني الى ان المقاربة الأمنية وحدها غير كافية، من دون الاهتمام بمشكلات أفريقيا، مصدر الهجرة غير الشرعية، والجنوب عموماً بما يساعد على استقرار الأوضاع الاقتصادية وايجاد الحلول لمشكلاتها بما يحول دون اقدام مواطنيها على الهجرة. الوفد الاسباني كان يريد من زيارته نيل طابع ختم على سياسة اسبانيا تجاه المهاجرين، من خلال التزامن الرمزي بين دخول قانون الهجرة الجديد حيّز التطبيق وبين زيارته للمغرب، لكن الجانب المغربي بادر الى طرح هذا الملف بتأكيده الحقوق المشروعة للمغاربة المهاجرين سواء كانت اقامتهم قانونية أو غير قانونية "لأنهم أناس لهم حقوق انسانية يجب ان يتم احترامها". ويعود أول قانون للهجرة في اسبانيا الى سنة 1985 عندما اعتمدت الحكومة الاشتراكية أول قانون في هذا الإطار، أثار موجة من ردود الأفعال التي لم تتطابق مع طروحات ذلك القانون وطالبت بتعويضه بآخر يضمن الحقوق الإنسانية للمهاجرين. لكن تطورات البيت الأوروبي وتوسيع الاتحاد والمصادقة على معاهدة "شنغن" جعلت من اسبانيا "كلب حراسة" للاتحاد الأوروبي. فأصبحت قضية الهجرة بالنسبة الى مدريد تكتسي أهمية قصوى، ودوراً أكبر في الاتحاد الأوروبي بسبب خطورة هذا الملف بالنسبة الى الدول الأوروبية، الأمر الذي دفع سلطات مدريد الى التشدد واتباع سياسة عنصرية ازاء المهاجرين الأجانب، وابتزاز الاتحاد الأوروبي للحصول على المزيد من الدعم والمعونة لتنفيذ هذه السياسة على حدودها. لكن اعادة طرح ملف الهجرة والمهاجرين في اسبانيا على ضوء التطورات الجديدة، جعلته موضوع رهان سياسي بالنسبة الى الفرقاء السياسيين. وهكذا كان عام 1994 عام المجلس الاستشاري للهجرة الذي تمثل فيه جميع الشركاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين من وزارات معنية ونقابات وجمعيات للهجرة، حين توجت هذه المسيرة بوضع قانون جديد للمهاجرين وطرحه على أنظار البرلمان الاسباني صيف 1998، وأفضى هذا التوافق الى اعداد نص يستجيب لبعض مطالب واقتراحات الجمعيات المهتمة بالمهاجرين، لكن الحكومة الاسبانية رفضته باعتباره غير متطابق مع التوجهات الأمنية لسياسات الهجرة المعتمدة لدى الاتحاد الأوروبي استناداً الى مؤتمر "تومبيري" الذي عقد العام الماضي، ودفعت بفريقها البرلماني الى التقدم ب112 تعديلاً، مما يعد تعبيراً عن الرغبة في نسف القانون كله ووضع آخر بديل له، وصادقت الحكومة على مشروع تعديل القانون، وتم ادخال هذه التعديلات بعد فوز الحزب الشعبي الحاكم في عام 2000 وكان القانون جاهزاً في كانون الثاني ديسمبر الماضي أمام مجلس الشيوخ للمصادقة عليه، وهو ما حصل فعلاً ليدخل حيز التنفيذ. وبحسب جمعيات المهاجرين وحقوق الإنسان الإسبانية، فإن هذا القانون أكثر قسوة وأقل انسانية في حق المهاجرين الذين خدموا الاقتصاد والفلاحة الإسبانيين، إذ ينص على طرد كل مهاجر لا يملك رخصة إدارية في ظرف 48 ساعة، في حين كان الطرد يتطلب في القانون السابق 72 ساعة حتى يتمكن المهاجر من الطعن في قرار الطرد خلال هذه المدة. كما ينص القانون المعدل على تقليص حق التعليم الإجباري مع ابعاد حق تربية وتعليم الصغار بين سنة وثلاث سنوات، وابعاد البالغين سن 16 و18 سنة من هذا الحق في التعليم. ويقلص القانون من حق التجمع العائلي للمهاجرين ويجعله مقصوراً على أبناء وزوج المقيم اقامة شرعية، ولا يحق أو يعترف بحق الانخراط في النقابات وحق القيام بالاضراب بالنسبة الى المهاجر. وهكذا تلجأ اسبانيا الى اختيار سياسة اقصائية في حق المهاجرين على أرضها، والتضييق على حقوقهم، لتتحول بحسب الكاتب الاسباني خوان غويتسولو الى أشد المناطق الأوروبية قسوة على الأجنبي. ومع دخول هذا القانون حيز التنفيذ، أصبح حوالى ثلاثين ألفاً و941 مهاجراً مغربياً مهددين بالطرد من اسبانيا، اضافة الى 150 ألف مهاجر من جنسيات أخرى. هذا العدد الضخم هو عدد الملفات التي رفضت السلطات الإسبانية تسوية أوضاع أصحابها القانونية. وترفع مصادر أخرى عدد المرشحين للطرد الى خمسين ألفاً، تقول السلطات الاسبانية انهم لم يستطيعوا اثبات وجودهم خلال شهر حزيران يونيو 1999، ما حرمهم من تسوية وضعيتهم في مسلسل التسوية الأخير الذي انتهى في شهر تموز يوليو المنصرم. وأثار هذا القانون موجة سخط واحتجاج عارمة في صفوف المهاجرين بمختلف جنسياتهم. وطالبت احدى وعشرون جمعية بتسوية أوضاع جميع المهاجرين المقيمين بطريقة غير قانونية. كما دخل حوالى 90 مهاجراً في اضراب عن الطعام وطالبوا بتسوية أوضاعهم. وفي الوقت نفسه قام 328 مهاجراً باضراب عن الطعام في احدى كنائس برشلونة، لتنبيه الرأي العام الى خطورة ما ينتظرهم. هذه التطورات في ملف قانون الهجرة الجديد أدخلت قضية الهجرة في اسبانيا منعطفاً جديداً، سوف تترتب عليه مضاعفات عدة على مستوى أوضاع المهاجرين، وفي العلاقة بينهم وبين السلطات الاسبانية، كما ستنعكس على العلاقة بين الأحزاب والجمعيات المهتمة بأوضاع الأجانب وبين حكومة الحزب الشعبي الحاكم.