عاش في احد البلدان والٍ كبير الشأن، وكان ينعم ببحبوحة وهناء. واستمرت الأيام ضاحكة باسمة له الى ان حلم في احدى الليالي ان حالته ستتردى ما لم ير جده في الحلم أو في اليقظة. لم يكن الوالي يعرف مكان جده، فقد غاب منذ زمن بعيد ولم تعرف أخباره. حار الوالي ماذا يفعل ليرى الجد. وساءت حالة الوالي وتردت وبدا له ان الحلم اشارة له ويجب عليه تحقيقها، فراح يعلن على جميع المواطنين ان كل من يعمل ليريه جده ان في الحلم أو في اليقظة سيُكافأ مكافأة كبيرة. تقدم عدد كبير من الناس الى الوالي وهم طامعون في المكافأة ولكن على غير جدوى. وساءت حالة الوالي أكثر فأكثر، وصار يعلن من جديد ويزيد المكافأة. سمع رجل فقير في قرية نائية بإعلان الوالي، فجاء اليه يقول: مولاي الوالي... عاش رأس الوالي العظيم... سمعت انك تريد ان ترى جدك في الحلم أو في اليقظة لترتاح من المصاعب التي تحيط بك. قال الوالي: ألم تسمع إلا الآن؟ منذ سنة وأنا اعلن وقد باءت جميع المحاولات بالفشل. ابتسم الرجل وربت على صدره قائلاً: مولاي، انا عندي الحل. وحين استفسره عن هويته قال: انا رجل خبير بالأحلام... انا انسج الأحلام وأصنعها... اصيغها وأحبكها ملائمة لكل ذهن وكل فكر. فكر الوالي في ما يقوله الرجل وقال في نفسه: حقاً هذه أقوال جديدة لم أسمع بها قبلاً!! وتابع الرجل كلامه يقول: ليس كل الناس لهم معرفة بصنع الأحلام... انه اختصاص وأنا خبير في هذا الميدان يا مولاي... ارتاح الوالي نفسياً وقال: إذاً، ماذا تنتظر؟ دعني أرى جدي في الحلم على الأقل، ان حالتي تسوء وتتردى يوماً بعد يوم لأنني لا أعرف شيئاً عن جدي. وراح يحدث صانع الأحلام عن جده الذي تركه وهو صغير. فقد ذهب الجد الى ساحة الحرب، وعاد جميع رفاقه، أما هو فلم يعد... ولم يعرف احد عنه ما اذا بقي حياً أم مات. ولم يهتم الوالي في بادئ الأمر ليتحقق من ذلك... ولكنه ما ان حلم منذ سنة ان مصيبة ستحل به... حتى تأكد انه لن ينجو منها ما لم يرَ جده في الحلم أو في اليقظة. أكد له صانع الأحلام انه سيرى جده. ففي فترة أربعين يوماً سينكب على صنع الحلم... ولن يمر اليوم الأربعون حتى يكون الوالي قد عرف مصير جده. فرح الوالي بهذه الأخبار وأكد لصانع الأحلام بأنه يكون له ما يشاء من مال وغيره. وهنا قال صانع الأحلام: هناك شرطٌ يا مولاي ينبغي ان يتحقق قبل كل شيء: سأله الوالي في حدةٍ: وهل توضع الشروط للولاة؟ اجاب صانع الأحلام: لا يمكن لأحدٍ ان ينسج حلماً يا مولاي الا اذا توفرت له المواد الخاصة بنسج الأحلام. سأله الوالي: ما هي المواد التي تريدها؟ قال صانع الأحلام: الآن وصلنا الى صلب الموضوع يا مولاي، شرطي ان تٌُهييء لي في هذه الأيام الأربعين ما يكفي من ذهب وطحين وطعام لنسج الحلم المطلوب. سأله الوالي: كما يكلف ذلك؟ رد الرجل: ليس كثيراً يا مولاي... مئة ليرة ذهبية أو مئتين وانا احضر المواد بنفسي. قال الوالي: لا بأس عندي... خذ ما تريد ولكن عندي شرط أنا أيضاً. سأله الرجل: ما هو شرطك يا مولاي. قال الوالي في حزم: اذا لم أر الحلم في نهاية الأربعين يوماً ستعدم. وافق صانع الأحلام على ذلك وأخذ المال ثم توجه الى بيته فدفع كل ديونه واشترى مؤونة كافية لبيته وأولاده. فرحت زوجته لتغيير حالة العائلة، وسر الرجل لأنه ارتاح من كل المضايقات. مضت الأيام تتوالى يوماً بعد يوم. وعند انقضاء اليوم العشرين استدعى الوالي صانع الأحلام ليستوضح منه أين وصل في نسجه الحلم. أكد له الرجل ان نصف الحلم قد نسج وبقي النصف الآخر ولن تتم رؤية الحلم كله إلا اذا اكتمل النصف الثاني. سأل الوالي عن موعد اكتمال نسج الحلم، فطمأنه صانع الأحلام بأنه سيرى جده عند انتهاء الليلة الأربعين. ولكنه استدرك قائلاً: ولكن يا مولاي اخشى ان يقصر النسيج قليلاً ولذلك قد اضطر الى بعض الذهب لشراء الحاجيات الضرورية الناقصة. امر له الوالي ببعض المال وعاد الرجل الى بيته واشترى بالمال بيتاً لعائلته، فسُرت الزوجة وتغيرت مستويات العائلة. عند انتهاء اليوم الأربعين خاطب الرجل زوجته بوجوم قائلاً: اسمعي يا امرأة... لقد أخفيت عنك حقيقة الأموال التي حصلت عليها. صاحت المرأة في دهشة: هل سرقتها؟ أجاب في صدق وثقة: لا... لم اسرق شيئاً... ولكنني كذبت... وسيكون عقابي الموت... وراح يخبرها القصة من أولها لآخرها... وصارحها بأن مصيره الإعدام لأنه في الحقيقة لا يصنع الأحلام ولا ينسجها... ولا يمكن لأي انسان في الدنيا ان يصنع الأحلام ولكنه اضطر ان يدعي ذلك ليحصل على بعض الأموال حتى تعيش عائلته في راحة وبحبوحة. قالت الزوجة: ما نفع ان نعيش نحن وتموت أنت؟ طمأنها قائلاً: امنت السعادة لعائلتي وأولادي، وهذا منتهى أملي في حياتي. أجابت الزوجة: ولكن اي سعادة هذه وهي تقوم على الكذب والنفاق؟! اعترف الرجل بغلطته فقال: هذه غلطتي ومصيري العقاب... والله يرحمني ويتولى أموركم من بعدي. ودَّع الرجل عائلته وذهب حزيناً الى الوالي، فوقف امامه محنيَّ الرأس، فيما قال الوالي: هات يا صانع الأحلام اطلعنا... مضت الأيام الأربعون... فأين وصلنا بالحلم الذي تنسجه. نظر الرجل الى الوالي ثم تشجع وقال: هل صدقتني يا مولاي حين ادعيت انني أصنع الأحلام... هل يمكن لإنسان مثلي ان يجعلك ترى جدك في المنام؟ صرخ الوالي فيه غاضباً: ماذا تقول يا أيها الحقير؟ وهنا صارحه الرجل بالحقيقة قائلاً: كنت مديوناً يا مولاي... فأخذت المال منك ودفعت به كل ديوني، وأمَّنت مالاً كافياً لعائلتي... وجئتك الآن لأقول لك انني مستعد لأن أُعدم يا مولاي. واجه الوالي قضية لم تطالعه سابقاً ولم يعرف كيف يتصرف ازاءها فقرر ان يحاكم الرجل على احتياله ويعاقبه ليكون عبرة لمن اعتبر. انتشر خبر صانع الأحلام في كل مكان، وفي موعد المحاكمة ازدحمت الساحات بالناس الذين جاءوا من جميع انحاء الولاية لمتابعة هذه القضية الغريبة. دخل الوالي قاعة المحكمة وخلفه المستشارون الأربعة وجاء في اعقابهم رجل عجوز. وبعد الاطلاع على مضمون القضية والاستماع الى اقوال المتهم سأل الوالي المستشار الأول: ماذا يستحق المتهم من عقاب؟ قال المستشار الأول: يجب ان يُقطع إرباً إرباً بالمقص. وقال المستشار الثاني: يستحق ان يُقذف الى الفرن ليُحرق بالنيران. وقال المستشار الثالث: قليلٌ عليه ان يُقتل بالموس! وقال المستشار الرابع: مولاي" الرجل كان بحاجة الى المال. واستغلها طريقة لابتزاز المال. اسجنه سنة واحدة على كذبه ونفاقه ثم اطلق سراحه ليعيش وينعم في هذه الحياة. حار الوالي ماذا يفعل حتى انتبه الى وجود العجوز بين المستشارين فسأله قائلاً: وأنت أيها الرجل الحكيم ماذا تقول؟ أجاب الرجل العجوز: عاش رأس مولانا الوالي، كل ما يمكنني ان اقول هو ان مستشارك الأول كان خياطاً وفكره ما زال يدور حول المِقص، ومستشارك الثاني كان خبازاً فهو رغم مركزه عندك ما زال يفكر في الفرن والأفران، ومستشارك الثالث كان حلاقاً فهو ما زال أيضاً يفكر في موس الحلاقة. أما مستشارك الرابع يا مولاي فقد أعطى العقاب الصحيح لأنه في مستوى الحكام. توقف العجوز قليلاً ثم تابع كلامه قائلاً: ان هذا الرجل الفقير ادعى انه صانع الأحلام وجاء اليك وهو مستعد لأن يفقد رأسه لينتقذ عائلته ولكنه يا أيها الوالي الحبيب لم يصنع لك حلماً... بل حقق لك رؤية في اليقظة حقيقية. دهش الوالي لما سمع فتابع العجوز قائلاً: لا تندهش يا عزيزي أنت تبحث عن جدك وأنا جدك... ضاعت عني كل أخباركم وقد سمعت قصة هذا الرجل معك فعرفت انك تبحث عني وعرفت مكانك وجئت اليك يا حبيبي. تعانق الوالي مع جده وأطلق سراح الرجل الفقير، وعاش الجميع في سعادة وهناء. ادوكارت الشرق الأوسط