الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    حديقة ثلجية    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ندوة المملكة العربية السعودية وفلسطين". مراسلات الملك عبد العزيز وحرب 1948 ومشروع الملك فهد 3 من 3
نشر في الحياة يوم 24 - 04 - 2001

أختتمت في وقت متقدم من مساء امس في الرياض فعاليات "ندوة المملكة العربية السعودية وفلسطين" التي نظمتها "دارة الملك عبدالعزيز" وشارك في جلسات اليوم الثاني الأخير التي بلغ عددها ثماني جلسات 26 باحثاً ومفكراً.
وكان لافتاً في مناقشات الامس وجود ثلاثة بحوث تناولت الدعم العسكري السعودي للقضية الفلسطينية تطرق الباحثون خلالهاالى المشاركات السعودية في الحروب العربية الإسرائيلية فيما ركز العميد متقاعد ابراهيم كاخيا، وهو عسكري سوري، على دور المملكة في حرب رمضان حرب تشرين/ اكتوبر 1973، خصوصاً في مجال استخدام النفط سلاحاً استراتيجياً ما أدى الى تغير موازين القوى لمصلحة الجانب العربي، كما تحدثت الدكتورة عائشة المسند عن المشاركة السعودية في حرب 1948 ولفتت الى ان القيادة السعودية قامت بتشكيل قوات نظامية الى فلسطين عبر مصر لمشاركة القوات العربية هناك وكان عدد من اولئك المشاركين حضروا الافتتاح وعرفهم الحضور ب"قدامى المحاربين"، وهم جميعهم حزنوا لسماعهم خبر وفاة المشير الركن حابس المجالي قائد الجيوش العربية في حرب 1948، الذي تناقلت بعض الصحف العربية خبر وفاته أول من أمس عن عمر يناهز 90 عاما. وبعيداً من لغة الارقام التي توقع البعض ان تكون غالبة على اجواء الندوة تناول المحاضرون جوانب اكثر اهمية من الجوانب المادية حيث تحدث الامير الدكتور تركي بن محمد الخارجية السعودية عن دور وزارة الخارجية في دعم القضية الفلسطينية، فيما اشار الدكتور محمد الشنطي في بحثه الى ان القضية الفلسطينية كانت ولازالت محورا من محاور الادب السعودي، لافتاً الى ان المثقف السعودي أيا كان جنس الادب الذي يزاوله، تمكن من ابقاء القضية متقده في الصدور.
وأعطى هذا التنوع في الطرح اجواء اليوم الثاني بعداً لم يكن خافياً للدعم السعودي لقضية فلسطين، لكنه كان بعداً مغيباً في ظل التركيز على الدعم المادي.
استكملت أبحاث الندوة بمساهمات بدأها الدكتور يوسف حسن العارف في بحثه حول "الملك عبدالعزيز آل سعود والمسألة الفلسطينية: قراءة تاريخية في نص وثائقي" عن اهم المؤشرات والدلالات التي تبرز موقف الملك عبدالعزيز من هذه المسألة في بعديها السعودي/ العربي/ الاسلامي، والسعودي الاميركي. ومما أشار اليه:
- وضوح المنطلقات الرئيسية التي يصدر عنها الملك عبدالعزيز تجاه المسألة الفلسطينية، فهي منطلقات اسلامية عربية تدرك البعد الديني للمسألة، وارتباطها بالاسلام الذي تسعى الصهيونية العالمية والدول الاجنبية الكفرية لمحاربته والتقليل من شأنه، كما تدرك البعد العربي الذي تحاول اليهودية اختراقه منذ وعد بلفور المشؤوم لغرس وزرع امة اجنبية لها ماضيها وتاريخها الموغل في العداء للعرب والاسلام.
- حرص الملك عبدالعزيز على جعل المسألة الفلسطينية ضمن الاولويات التي يعمل من اجلها منذ ان بدأ في توحيد الجزيرة العربية وفي الفترة التي كان فيها يبني ويؤسس ويقوي دولته السعودية الوليدة، على رغم ما تحتاجه هذه الفترة من تركيز واهتمام وحاجة للدول الكبرى في تنميتها والتفاعل مع انشائها وتطويرها، وعلى رغم الظروف المادية السيئة والظروف السياسية الدقيقة التي تمر بها المنطقة، الا ان المسألة الفلسطينية كانت من اهم القضايا التي يعالجها الملك عبدالعزيز ضمن سياسته الخارجية والدولية، ويساندها بما يستطيع مالياً وسياسياً ومعنوياً وعلى جميع الاصعدة المتاحة.
- اعتدال الملك عبدالعزيز في مواقفه وارائه من القضايا السياسية الطارئة والملحة، وخاصة قضية فلسطين، والتعامل معها من منظور مراعاة المعطيات والظروف الدولية ونوعية الخصم الذي يتحاور معه، وتغليب المصلحة العامة والحاجات الاساسية، واستثمار جميع الاساليب الديبلوماسية ولاسيما مفهوم "شعرة معاوية" ، ومراعاة الواقع الدولي بكل تشابكاته وتداخلاته المتطورة واتباع الاساليب السلمية وطرح المشاريع والحلول المناسبة، وبهذه السياسة ضمن اعتراف الدول الكبرى والحكومات والشعوب العربية والشعوب الاسلامية بجهوده المتميزة والصادقة تجاه هذه المسألة الشائكة. وبناء على هذه المواقف من الملك عبدالعزيز تجاه المسألة الفلسطينية انبنى موقف الشعب السعودي من القضية، واسهم في دعمها والوقوف الى جانبها مادياً ومعنوياً منذ ان تشكلت هذه القضية حتى اليوم.
- قدرة الملك عبدالعزيز على اختزال التاريخ السياسي والديني والتمثل به في مخاطباته مع القيادات الاميركية في ما يخص المسألة الفلسطينية، ومتابعته لكل المستجدات السياسية في هذا الاطار، لكي يثبت للعالم اجمع ان اليهود امة لا وطن لها وان فلسطين مهد العروبة وهي حقهم الازلي والابدي، ومن خلال هذه المعرفة والوعي بالتاريخ، استطاع الملك عبدالعزيز ان يناقش دعاوى اليهود الباطلة في فلسطين، والرد عليها مستفيداً من كل الشهادات الاسلامية قرآناً، وسنة، وتاريخاً التي تبين مواقف اليهود المشبوهة من العروبة والاسلام، وموقف الاسلام والمسلمين من اليهودية.
- بدايات التعالق السياسي والاقتصادي بين الملك عبدالعزيز والقيادات الاميركية والتي بدأت منذ ظهور النفط وحاجة الاميركيين الى منافذ جديدة لسياستهم الخارجية في الوقت الذي يحتاج فيه الملك عبدالعزيز الى الدول الكبرى التي تساعده في ارتقاء وتطور دولته الفتية الجديدة، وما تفرع عن هذه العلاقات المتطورة والايجابية من فضاء مشترك للحوار والمناقشة حول كل المشاكل الدولية التي ستؤثر سلباً او ايجاباً بحسب تقارب او تنافر وجهات النظر حول هذه المسائل. ولعل القضية الفلسطينية كانت محكاً رئيساً للحوار السعودي - الاميركي، وكانت سبباً في تطور او اخفاق العلاقات بينهما.
- صدق حدس الملك عبدالعزيز بأن اليهود والصهيونية لن يكتفوا بالتواجد السلبي في فلسطين بل انهم يسعون الى تأسيس دولة كبيرة في فلسطين وهاهم يسيرون في خططهم لتحقيقها، وهذه هي النتيجة الاهم - في سياقنا هذا - فاليهود والصهاينة يعملون باتقان ونفس طويل وفق برنامج زمني بحيث تتحقق اهدافهم وفق ما خططوا له وفي الزمن المحدد.
ويقول الدكتور العارف ان المراسلات بين الملك عبدالعزيز والقيادات الاميركية، خصوصاً ترومان، تؤكد عمق الموقف السعودي من المسألة الفلسطينية وما تمخض عن هذا الموقف الجاد والواثق من جهود ديبلوماسية وسياسية ومادية ومعنوية على المستويين الرسمي والشعبي، اسس لها الملك عبدالعزيز وتوارثها من بعده ابناؤه حتى اضحى الهمّ الفلسطيني والمسألة الفلسطينية احد الثوابت في السياسة السعودية الداخلية والخارجية.
وقال الدكتور فوزي السيد السيد المصري في بحثه "جهود الملك عبدالعزيز لدعم قضية فلسطين" ان لجنة التحقيق البريطانية الأميركية التي شكلت بهدف جمع المعلومات من العرب واليهود، التقت الملك عبدالعزيز في القصر الملكي في الرياض في آذار مارس 1946، وأعرب رئيس اللجنة عن رغبته في الاستماع الى آراء جلالته حول قضية فلسطين، فرد الملك بأن "أمر فلسطين يهمه كثيراً لأنه عربي ومسلم قبل كل شيء، والعربي للعربي والمسلم للمسلم".
ولما سأله رئيس اللجنة عن رأيه في بقاء اليهود في فلسطين، رد قائلاً "تسألونني عن رأيي في بقاء اليهود في فلسطين، وانا اقول لكم: نحن ما تعدينا على اليهود، ولم نأخذ املاكهم وبلادهم، وانما اخذنا فلسطين من الرومان، والعرب حكام فيها منذ الف وثلاثمئة سنة واكثر، لا نعرف اليهود ولا هم يعرفوننا، والبلاد بلادنا بحق الفتح، ونحن الذين فرحنا بنصر الحلفاء، نحب ان نتمتع بلذة النصر، فهل يراد ان يتمتع غيرنا ببلادنا نتيجة لهذا النصر؟ اليهود قوتهم بالدينار ونحن حجتنا بحقنا في فلسطين حجة شرعية".
ولما سأله رئيس اللجنة عن رأيه في الموافقة على هجرة عدد من الاطفال والعجزة واليتامى واليهود الاوروبيين الى فلسطين على ان يكفلهم يهود فلسطين؟ اجاب بأن "العرب متفقون على رفض الهجرة، والطفل اليوم سيكون رجلاً بعد بضع سنوات، فأنا لا استطيع ان اجيب على هذا السؤال بالقبول". ثم سأله رئيس اللجنة عن رأيه في قرار اللجنة الانكليزية بتقسيم فلسطين؟ فرد عليه بانه مثل العرب يرفض قرار التقسيم.
ولما اصدرت تلك اللجنة توصياتها في ذلك العام وكانت مجحفة بحق العرب، اصدر الملك عبدالعزيز تعليماته الى وزيريه المفوضين في لندن وواشنطن بالسعي والتعاون مع وزراء الدول العربية الأخرى لاظهار سخط العرب ضد تلك التوصيات، وتقديم احتجاج شديد اللهجة الى الحكومتين البريطانية والاميركية يكون معبراً عن عزم العرب على رفضها، وامر خارجيته في جدة في 6 أيار مايو ان تقدم احتجاجاً بهذا الخصوص الى المفوضيتين الاميركية والبريطانية لنقله الى حكومتيهما، كما امر وكيل خارجيته، وكان وقتها في القاهرة ببذل الجهد لعقد اجتماع بين ممثلي دول الجامعة العربية في اقرب فرصة لمناقشة الموقف.
وعندما نما الى علم الملك عبدالعزيز ان الرئيس الاميركي ارسل رسالة الى الحكومة البريطانية في تشرين الأول اكتوبر من العام نفسه يؤيد فيها تقرير اللجنة البريطانية الاميركية ويدعوها لتنفيذه، بادر الى ارسال رسالة اليه يعبر فيها عن دهشته لذلك التصريح لانه يتناقض مع ما جاء في رسالته السابقة الى الملك عبدالعزيز، وحرص الملك في تلك الرسالة على ان يوضح له مدى الظلم الذي يمكن ان يحيق بالعرب اذا استمرت اميركا في تقديم مساعداتها للصهيونية على هذا النحو.
ويقول الدكتور المصري انه مع استمرار اصرار العرب على رفض المشروع الذي اوصت به اللجنة قررت بريطانيا عقد مؤتمر في لندن اوائل عام 1947 بين العرب واليهود لمناقشة القضية واستمر العرب فيه على اصرارهم على رفض المشروع والمطالبة باعلان استقلال فلسطين وايقاف الهجرة اليهودية اليها، وامام هذا الموقف قررت بريطانيا نقل القضية الى هيئة الامم المتحدة التي شكلت بدورها لجنة دولية للتحقيق وتقديم توصياتها حول تلك القضية.
وفي تشرين الثاني نوفمبر عام 1947 صدر قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 181 بتقسيم فلسطين، وقوبل بموجة من السخط والاستنكار في انحاء العالم العربي والاسلامي، وكانت المملكة العربية السعودية في مقدم الدول التي استنكرت القرار فخطب الأمير فيصل بن عبدالعزيز رئيس الوفد السعودي الى المؤتمر الى الجمعية العامة للامم المتحدة، قال: "نرجو ان ترفع الامم المتحدة المقاييس الادبية، وان تكون سنداً للعدالة وتحافظ على السلم والامن، نعم نرجو ان توجد قاعدة سليمة لتفاهم متبادل غير ان القرار الذي اتخذ اليوم بدد هذه الآمال وقضى على الميثاق، واننا نعلم ان بعض الدول الكبرى كانت تضغط على مختلف المندوبين".
ولم يقف الملك عبدالعزيز في دعمه لقضية فلسطين عند حد ارسال المذكرات والاستنكار امام الجمعية العامة للامم المتحدة بل وصل الى اكثر من ذلك في رفضه لقرار التقسيم حيث امر وفده بمغادرة نيويورك على الفور والعودة الى البلاد، كما استدعى الوزير الاميركي المفوض في جدة الى الرياض ليبلغه اعتراضه على ما حدث.
اما على صعيد دعم القضية عسكرياً ومادياً فيقول الدكتور المصري ان الملك عبدالعزيز اصدر امراً عاماً في اواخر عام 1947 الى حكام نجد وشيوخ قبائلها بتسجيل الراغبين في التطوع من اجل فلسطين على ألا تقل اعمار هؤلاء المتطوعين عن عشرين عاماً ولا تزيد عن خمسين عاماً، وجعل مقر الاحتشاد في الجوف، كما امر بجمع التبرعات لمساعدة مجاهدي فلسطين، وعلاج المصابين منهم، وقد بلغت جملة التبرعات التي قدمها ابناء المملكة لدعم القضية حتى 15 كانون الأول ديسمبر من ذلك العام مبلغ 2.391.041 ريالاً عدا الحلي التي تبرعت بها النساء والتبرعات العينية الاخرى.
وازعجت تلك الاجراءات السعودية الجهات المؤيدة للصهيونية فأرسلت مذكرات رسمية الى الحكومة السعودية في نيسان ابريل 1948 حول تلك التحركات، فرد الأمير فيصل بن عبدالعزيز بالنيابة عن والده عليها بكل حزم، مؤكداً ان الصهاينة هم الذين اقدموا على البدء في قتل العرب واستنكر موقف بعض الجهات الداعمة لهم.
وللتأكيد على دعمه للقضية الفلسطينية ارسل الملك عبدالعزيز في 21 أيار مايو من العام نفسه رسالة الى الحكومة الاميركية، قال فيها "كنت من قبل اشير على العرب بالتأني، ولكن بعد وقوع ما وقع من سفك دماء للنساء والاطفال ونهب للاموال لم اجد بداً من ان يقوم العرب بواجبهم".
وأعلنت في 23 أيلول سبتمبر 1948 حكومة عموم فلسطين برئاسة احمد حلمي عبدالباقي فسارعت المملكة بالاعتراف بتلك الحكومة حيث ارسلت وزارة الخارجية السعودية برقية الى رئيس الحكومة الفلسطينية جاء فيها "ان حكومة المملكة العربية السعودية تعترف بحكومتهم وترجو لكم التوفيق والنجاح".
ويخلص الباحث الى ان الملك عبدالعزيز عاش قضية فلسطين كما عاش قضايا مملكته، وبذل جهوده لدعمها كما بذل جهوده في شؤون بلاده، ولم يقبل ان يخضع للضغوط الاجنبية لاستمالته على رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يمر بها آنذاك، بل كان موقفه صلباً وسياسته ثابتة تجاه حق العرب في فلسطين، وقد شهد بذلك اعداؤه قبل اصدقائه.
الدكتور ضيف الله بن يحيى الزهراني قسم بحثه "البعد الحضاري لدعم المملكة العربية السعودية لقضية فلسطين في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود" الى قسمين: الأول: اللقاءات الشخصية مع زعماء العالم. والثاني: المراسلات مع تلك الشخصيات.
ويسرد الزهراني لقاء الملك بالوزراء المفوضين البريطانيين بجدة بشأن الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى يوم الجمعة 1929م 1348ه موضحاً لهم السياسة الخاطئة التي تنتهجها بريطانيا مع عرب فلسطين، وهذه السياسة تتنافى مع الصداقة التي تنشدها بريطانيا مع العرب وتخالف عهودها ومواثيقها، ومقابلة السريدر بولارد وزير بريطانيا المفوض بجدة يوم السبت 14 ذو القعدة 1356 ه 15 كانون الثاني/ يناير 1983م ومما قاله الملك عبدالعزيز خلال ذلك اللقاء "لو ترك العرب همّ اليهود فإن أمرهم يسهل لكن المشكلة ان العرب يشتبكون مع الإنكليز من أجل اليهود". الى جانب مقابلة ثانية مع بولارد في الرياض في 17 رمضان 1357 ه 11 تشرين الأول 1938 ومعه أوراق يريد عرضها على الملك عبدالعزيز تتضمن عدول بريطانيا عن مؤتمر لندن الذي حضره الأمير فيصل نيابة عن الملك عبدالعزيز في سنة 1357ه - 1983، وكذلك لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس الأميركي روزفلت في ربيع الأول 1364ه، شباط فبراير 1945م، وتم الاجتماع على طراد أميركي في البحيرات، بالقرب من قناة السويس، ودار حوار ونقاش حول قضية فلسطين، وقد حصل الملك عبدالعزيز على تعهد أميركي بعدم مساعدة اليهود ضد العرب، ولن يقوم شخصياً بأي حركة عدائية للعرب، وأعجب روزفلت بعبقرية الملك عبدالعزيز في شرح القضية الفلسطينية، فقد قال بعد رجوعه الى أميركا: "لقد وعيت عن مشكلة المسلمين ومشكلة اليهود في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود اكثر مما كنت أستطيع معرفته بتبادل ثلاثين أو أربعين رسالة"، وأخيراً لقاء الملك عبدالعزيز بالمستر تشرشل رئيس الوزارة البريطانية وبرفقته المستر انطوني ايدن وزير
الخارجية البريطانية يوم الأحد 5 ربيع الأول 1364ه، 18 شباط فبراير 1945، وذلك مباشرة بعد لقاء روزفلت، واجتمعوا في فندق الأوبرا في الاسماعيلية في مصر، وناقش الملك عبدالعزيز مع الوفد البريطاني المشكلة نفسها في غضون ساعة كاملة.
وحول مكاتبات الملك عبدالعزيز يقول الزهراني ان أولها الرسالة الى ملك بريطانيا عندما تعرض المسلمون في المسجد الأقصى عام 1929 الى الاعتداء بإلقاء القنابل، يخبره فيها بمنع تلك الأحداث المؤسفة وما تسببه من آثار مستقبلية على أهل فلسطين، وأجابه الملك البريطاني مؤكداً اهتمام حكومته بالأمر.
ثم بعث الملك عبدالعزيز الى الحكومة البريطانية بمجموعة من الرسائل في سنة 1937 تتعلق بأمور الهجرة اليهودية، وإطلاق سراح المسجونين، ومسألة بيع الأراضي، وغير ذلك من الأمور التي نلمس فيها روح القوة النافذة والعزيمة الصادقة على احتواء مشكلة فلسطين.
ويلاحظ الزهراني الأسلوب الراقي في معالجة الوضع فلم يستخدم الملك عبدالعزيز أسلوب القوة والاستفزاز لأنه يعرف ان بريطانيا دولة كبرى وان حل مشكلة فلسطين بيدها، فلجأ الملك الى طلب العطف وإيجاد روح العدل والانصاف في النظر في قضية فلسطين.
ثم كاتب الملك عبدالعزيز المستر تشرشل رئيس الوزراء البريطاني في 10 آذار مارس 1945 شارحاً حق الفلسطينيين الطبيعي في أرضهم التي هم أول من سكنها، وأورد على ذلك جملة من الأدلة التاريخية. ثم عاد الملك مرة اخرى لشرح ابعاد خطر اليهود والصهاينة على العالم العربي، وختم الملك رسالته بقوله: "كل ما نرجوه هو ان يكون الحلفاء على علم بحق العرب ليمنع ذلك تقدم اليهود في أي أمر جديد يعتبر خطراً على العرب وعلى مستقبلهم في سائر أوطانهم".
اما المراسلات التي تمت مع حكومة الولايات المتحدة فبدأت منذ كاتب الملك عبدالعزيز الرئيس روزفلت في تشرين الأول 1938 فقال في رسالته "إن عرب فلسطين يا فخامة الرئيس ومن ورائهم سائر العرب وسائر العالم الاسلامي يطالبون بحقهم ويدافعون عن بلادهم ضد دخلاء عنهم وعنها، ومن المستحيل إقرار السلام في فلسطين اذا لم ينل العرب حقوقهم ويتأكدوا ان بلادهم لن تعطى الى شعب غريب أفّاق".
وفي غضون شهر تقريباً من السنة نفسها أجابه برسالة نلمح من خلالها اهتمام أميركا بقضية فلسطين والتعاطف الذي أظهره الرئيس الأميركي تجاه شعب فلسطين، ثم اهتمامه الكبير برسالة الملك عبدالعزيز والرد عليها خلال أيام معدودة.
ثم بعث الملك برسالة الى روزفلت في 30 نيسان ابريل 1943 شرح فيها ما يقوم به اليهود من تضليل الشعب الأميركي والرأي العام حول حقهم التاريخي في فلسطين ولجوئهم الى الكذب في سرد الأحداث التاريخية.
وأجابه روزفلت برسالة في 15 تموز 1943 تؤكد حق الشعب الفلسطيني في أراضيه. ثم يؤكد الرئيس الأميركي بأن حل هذه المشكلة ينبغي ان يكون تفاهماً ودياً بين أهل فلسطين واليهود، ويؤكد على انه لا يفضل اتخاذ اي قرار يغير وضعية فلسطين، وقد تولد من تلك المكاتبات الرسمية زيارة شخصية سبق الحديث عنها فنتج منها قناعة تامة بأهمية قضية فلسطين لدى الأطراف المعنية.
ثم تولى رئاسة الولايات المتحدة هاري ترومان، وأدلى بتصريحات أثارت غضب الملك عبدالعزيز، فكتب اليه رسالة في 23 آب اغسطس 1945 أكد فيها الملك عبدالعزيز على ان تصريحات ترومان تسيء الى جميع المسلمين في العالم، وتضرّ بالأمة العربية، وتتناقض مع التأكيدات التي أكدها الرئيس روزفلت للملك عبدالعزيز.
وكتب رسالة اخرى في 4 كانون الثاني يناير 1946 عن قرارات الكونغرس الأميركي بشأن تأييد الهجرة الصهيونية الى فلسطين، وبيَّن الملك عبدالعزيز المخاطر المستقبلية للصهيونية التي تهدد أمن الشرق الأوسط بأكمله.
ثم كتب الملك عبدالعزيز رسالة أخرى الى الرئيس ترومان في 24 أيار 1946 عن قرارات اللجنة البريطانية الأميركية بشأن قضية فلسطين: "نربأ بالحرية الأميركية ان تعالج الظلم بارتكاب ظلم أفدح منه، وأن تسعى لاغاثة شعب بائس على حساب بؤس شعب آخر".
ورد ترومان برسالة الى الملك عبدالعزيز في 8 تموز 1946 يشرح فيها وجهة نظره حول الهجرة اليهودية الى فلسطين وان العدد المقترح مئة ألف يهودي لن يؤثر على مقدرات فلسطين وأرضها وانها تستوعب اكثر من ذلك، ويطلب ترومان من الملك ان يطرح هذا الأمر بطريق الاستشارة مع العرب واليهود.
وقد نلمس في خطاب الرئيس الأميركي الموافقة المبدئية على الهجرة اليهودية الى فلسطين، وهذا دافع قوي لتشجيع الهجرة من جميع انحاء العالم خصوصاً من أوروبا الى فلسطين.
ثم رد عليه الملك عبدالعزيز برسالة مؤرخة في 15/9/1946 يؤكد فيها مطامع اليهود في فلسطين وأخطارهم، واتسمت هذه الرسالة بقوة المعاني والألفاظ والصراحة والوضوح مثل قوله: "لقد دهشت للاذاعات الاخيرة التي نسبت تصريحاً لفخامتكم بدعوى تأييد اليهود في فلسطين، وتأييد هجرتهم اليها بما يؤثر في الوضع الحاضر، خلافاً للتعهدات السابقة".
وجاء الرد من ترومان بتاريخ 25/10/1946 يشرح فيها اسباب هجرة يهود أوروبا الى فلسطين ثم يتنكر للتصريحات التي أدلى بها عبر وسائل الاعلام، الى ان يقول: "ولم استطع ان أفهم لماذا يشعر جلالتكم بأن هذا البيان كان مخالفاً للوعود السابقة والبيانات التي أدلت بها هذه الحكومة". ثم يؤكد عدم عداء أميركا للعرب، وكذا عدم مهاجمة اليهود لفلسطين ولجيرانهم من البلدان العربية.
ثم بادر الملك عبدالعزيز بالرد مباشرة برسالة في 1/11/1946 جاء فيها "... ان مبادئ الانسانية الديموقراطية التي قامت عليها دعائم الحياة في الولايات المتحدة تتنافى مع إكراه شعب آمن في وطنه بإدخال عناصر اجنبية عنه، لتتغلب عليه، وتخرجه من بلاده، مستعملة في ذلك تضليل الرأي العالمي باسم الرحمة الانسانية ومن وراء ذلك الحديد والنار".
وهنا نجد قوة الصراحة في كتاب الملك عبدالعزيز بعيداً من المجاملات التي تقض حقوق العرب في فلسطين، فقناعة الملك عبدالعزيز بالحرية والديموقراطية هي التي تجعله يقف مواقف بطولة مشرفة بعيداً من العواطف والانفعالات التي من شأنها ان تضيع الحق العربي في فلسطين.
وجاء رد ترومان في 12/1/1947 ليؤكد للملك عبدالعزيز صيانة الحقوق للعرب واليهود من سكان فلسطين معارضاً تمييز الغالبية ضد الأقلية، الا ان من يقرأ رسالة ترومان يدرك مدى تمسكه بإعطاء اليهود وطناً قومياً لهم في فلسطين وتأكيده على حق هجرة اليهود.
وعن"إسهامات المملكة العربية السعودية في حرب عام 1948" قالت الدكتورة عائشة علي المسند ان مجلس الجامعة العربية اجتمع في دمشق لإقرار الخطة النهائية وتعيين القائد العام للجيوش العربية، واضطرت تلك الجيوش الى دخول فلسطين كقوات أمن للمحافظة على ارواح اهل فلسطين.
وأمر الملك عبدالعزيز وزير الدفاع الأمير منصور بن عبدالعزيز بالتعبئة العامة للقوات المسلحة، حيث تم تجهيز قوات نظامية بلغ عددها ثلاثة آلاف مقاتل، وغادرت القوات السعودية لتحارب لاول مرة خارج ارضها، وتم توديع هذه القوات التي غادرت بطائرات داكوتا تابعة للخطوط السعودية الى مصر وسط عزف الموسيقى الحماسية من فرقة تم تشكيلها حديثاً.
اما الدفعة الثانية فغادرت الطائف في 19 /5/4819 وهي مؤلفة من ضباط وافراد تم إحضارهم بسرعة، وكان من المقرر ان تنتقل هذه الدفعة الثانية من القوات جواً ولكن، بعد وصولها الى جدة، ورد أن الطيارين الأميركيين رفضوا نقل الجنود السعوديين للاشتراك في الحرب، عند ذلك غادرت القوة الى ينبع حيث ركبوا السفن الى مصر، وفي 30/5/1948 وبطلب من الحكومة المصرية غادرت مجموعة اخرى مؤلفة من مئة رجل وخمس سيارات مدرعة.
وكان هؤلاء مسلحين بالبنادق البريطانية والرشاشات والتي يعتقد انها كانت مخزنة في المستودعات منذ وصولها الى المملكة، كما تم اخذ كمية كافية من البنادق والرشاشات البريطانية لتسليح كامل القوة السعودية الموجودة في مصر.
وقد تألفت القوات السعودية التي اشتركت اشتراكاً فعلياً في حرب 1948من ثلاثة آلاف مقاتل موزعة على كتيبتين.
وفي 13/10/1948 حدثت معركة بين القوتين السعودية والصهيونية فانسحبت القوات الصهيونية مخلفة وراءها عدداً من القتلى والجرحى عدا بعض المعدات والمواد الغذائية التي استولت عليها القوات السعودية.
وتخلص الباحثة الى إن دور القوات السعودية في حرب فلسطين في وقت لم يكتمل فيه الاستعداد العربي ضمن الخطة العسكرية الموحدة، لا يمكن ان يقال عنه إلا انه نتيجة طبيعية لقوة العقيدة وصدق الهدف وتعتبر شهادة العدو في هذا الموقف مصداقاً لكفاية الجندي السعودي ناهيك عن التكريم والتقدير الذي لقيته القوات السعودية من قبل الملك فاروق ملك مصر، الذي كرم هؤلاء المجاهدين وانعم عليهم بالنياشين تقديراً من حكومة مصر التي عملت تحت قيادتها القوات السعودية لاعمال البطولة المجيدة، والبسالة الفائقة التي اظهرها المقاتل السعودي في فلسطين. كذلك اصدر الملك عبدالعزيز امراً بترقية كل من ضباط الجيش السعودي وضباط الصف الموجودين في فلسطين رتبة واحدة، كما امر بصرف راتبين لعموم الضباط وضباط الصف والجنود مكافأة لهم، وان تمنح عائلات الضباط والجنود الذين استشهدوا في ميدان الشرف رواتبهم الاساسية بصورة مستمرة.
وأوضح الدكتور اسماعيل ياغي في بحثه عن "مبادرة الملك فهد للسلام: مشروع السلام العربي" ان موقف المملكة من قضية فلسطين من الثوابت. وعلى النهج الذي اختطه السلف سار الخلف، يحملون الرسالة العظمى نفسها والهموم الكبيرة.
وقال ان مشروع الملك فهد للسلام الذي اطلقه في 7 آب اغسطس 1981، يتكون من ثمانية مبادئ لإحلال السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط وهي:
1 انسحاب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس العربية.
2 إزالة المستعمرات التي اقامتها الدولة العربية في الاراضي المحتلة في عام 1967.
3 ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الاديان في الاماكن المقدسة.
4 تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة والتعويض على كل من لا يرغب في العودة.
5 وضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت إشراف الامم المتحدة لفترة انتقالية.
6 قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
7 الاعتراف بحق كل دول المنطقة بالعيش في سلام.
8 ضمان هذه المبادئ من قبل الامم المتحدة او بعض الدول الكبرى فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ ويتحقق المشروع بشروط ثلاثة هي :
1 وقف الدعم الامريكي اللامحدود لاسرائيل.
2 وضع حد للغطرسة الاسرائيلية.
3 التسليم بان الدور الفلسطيني اساسي في التسوية.
11 تعتبر المبادرة وما ورد بها من بنود قرارات صادرة عن الامم المتحدة وهي في مجملها تضم البرنامج الفلسطيني للحل كما وضعته اللجنة المنبثقة عن الجمعية العامة للامم المتحدة والمختصة بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابله للتصرف إضافة الى بندي انسحاب القوات المعادية من جميع الاراضي العربية المحتلة عام 1967م وحق جميع الدول في المنطقة العيش بسلام والمشروع السعودي هو مجموعة مبادئ تعتبر مشروع إطار للسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.