أكد وزير التعليم العالي السعودي الدكتور خالد العنقري ان المملكة العربية السعودية تضع التعليم عموماً في أعلى سلم أولوياتها، وتولي الدراسة الجامعية اهتماماً خاصاً، إن بالنسبة إلى تطويره لكي يواكب التغيرات السريعة التي تفرضها العولمة والتكنولوجيا المتقدمة، وإن في ما يتعلق بربط التعليم الجامعي بسوق العمل. وقال في حديث إلى "الحياة" إن في السعودية ثماني جامعات تضاهي أعرق الجامعات الغربية، وأكثر من سبعين كلية بعضها في مستوى جامعة، تستوعب 400 ألف طالب تشكل الفتيات 53 في المئة من مجموعهم. وتحدث عن جامعة الخليج في البحرين، مؤكداً أنها تلقى دعماً كاملاً من السعودية ولا خوف على مستقبلها. وهنا وقائع الحديث: ما هدف زيارتك بريطانيا، وقبلها فرنسا، على رأس وفد سعودي تربوي كبير؟ - نحاول دائماً في الجامعات السعودية أن يكون تواصلنا مستمراً مع أكبر جامعات العالم وأكثرها تفوقاً علمياً. ومنها جامعات بريطانيا التي تقوم بينها وبين جامعاتنا علاقات قديمة، وقد تخرج فيها عدد كبير من الشخصيات السعودية التي أنهت دراساتها العليا، وتبوأت مراكز رسمية وتجارية وطبية وغيرها في المملكة. من هنا، نحاول دوماً أن نجدد لقاءاتنا مع هذه الجامعات للعمل على توسيع أطر تعاوننا التربوي على مختلف الصعد. والواقع أننا تلقينا دعوة رسمية من وزارة التربية البريطانية و"البريتش كاونسل"، لتوقيع اتفاقات تعاون مع بعض الجامعات الكبرى البريطانية، وكذلك لإيجاد قنوات جديدة للتعاون تشمل البحث العلمي وتبادل الطلاب وكذلك أعضاء الهيئة التعليمية من أساتذة وباحثين. كيف ترى بشفافية مستقبل التعليم العالي في السعودية، في ضوء الوضع الراهن؟ وما أهم الخطط التي رسمتموها لمواجهة هذا التحدي الكبير؟ - التعليم، عموماً، في المملكة العربية السعودية من الأولويات الأساسية والمهمة التي تضع الدولة ثقلها في سبيل تطويرها والوصول في هذا الحقل إلى آخر مراحل التطور العالمي. ونرى هذا في مجالات عدة، وعلى سبيل المثال إعداد المتخصصين الأساتذة والباحثين للعودة إلى المملكة للمشاركة والمساهمة في إدارة المؤسسات الجامعية، ومؤسسات البحث العلمي وكذلك بناء الجامعات والمؤسسات العلمية الحديثة والمتطورة والمجهزة بآخر التقنيات التكنولوجية والعلمية وأحدثها، والواقع أن لدى المملكة عدداً من الجامعات والمدن الجامعية التي تضاهي، ومن دون أي مبالغة ما هو موجود في أعرق دول الغرب، من حيث مستوى تجهيزاتها التي تتكامل مع العنصر البشري المؤهل تأهيلاً جيداً وراقياً. وهذا يساعد ويسهم في قدرة هذه المؤسسات على تحقيق الأهداف المرجوة منها، أي أن تكون المحرك الرئيس والقاعدة للتنمية من خلال ما تقوم به من أبحاث، ومن خلال خريجيها الذين سيكونون مستقبل العمالة المثقفة الواعية وقاعدتها في القطاع الحكومي أو الأهلي. وأعتقد بكل واقعية، أن التعليم العالي اليوم في السعودية، يقع في قمة هرم التعليم العالي في العالم العربي، وقد لمست خلال زيارتي هذه لبريطانيا أو زيارتي قبلاً الولاياتالمتحدة الأميركية وكندا أن جامعاتنا السعودية تتمتع بسمعة ممتازة وبمركز مرموق بين جامعات العالم. ما عدد الجامعات اليوم في المملكة؟ وهل يتساوى عدد المنتسبين مناصفة بين الطلاب والطالبات؟ - عدد الجامعات الرئيسية الشاملة ثمان، إلى جانب أكثر من سبعين كلية أخرى مستقلة، بعضها في حجم جامعة ومستواها، لكنها لا تزال تسمى كلية. والواقع أن الجامعات الثماني يدرس فيها عدد كبير من الطلاب يبلغ 400 ألف وفيها حقول عدة من الاختصاصات العلمية المختلفة. ونسبة الطالبات 53 في المئة نسبة نفتخر بها ولها معان كثيرة، أحدها أن التعليم العالي يحظى باهتمام خاص من الدولة، ويشير بالتالي إلى أن جميع العناصر التي تهتم بالتنمية تحظى برعاية الدولة واهتمامها. والواقع أن الطالب والأسرة مقتنعان تماماً بأهمية التعليم الابتدائي والثانوي والعالي، وسيلة فاعلة بالنسبة إلى عائدات العلم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها للفرد والأسرة الوطن. من هنا أيضاً عملت الدولة على إقامة المدارس في كل المناطق والنائية منها أيضاً، وكثرة عدد هذه المدارس يوفر قربها من الطلاب. هل هناك قيود على دخول المرأة أي حقل من حقول التعليم العالي؟ - نحن كدولة لا نضع أي قيد على أي من أفراد المجتمع، يريد دراسة أي حقل، امرأة كانت أم رجلاً. وأعتقد أن القيود تأتي من سوق العمل. فالطالبة مثلاً قد لا تدرس الهندسة المعمارية لأن عملها لن يكون متوافراً في هذا المجال. يكثر الحديث عن البطالة في السعودية بين الجامعيين، فكيف تتصدى الدولة لهذه المشكلة وما مدى حجمها؟ - علاقة التعليم العالي بسوق العمالة مباشرة وجذرية. والدول تولي اهتماماً كبيراً جداً بإيجاد الرابط بين سوق العمل والاختصاصات التي تدرس. وقد بدأنا بإيجاد هذا الرابط حديثاً، وهو ظاهرة عامة عالمياً. وسمعت خلال جولاتي الأخيرة، وخلال زيارتي الراهنة لبريطانيا، أن هناك إعادة ترتيب للبيت الجامعي، لتكون هناك علاقة بين فرص العمل وما يدرسه الطالب في الجامعة، وكذلك إعادة توزيع الموارد على الأقسام التي تدرس فيها المواد أو الاختصاصات التي تحتاج إليها سوق العمل. والسبب هو التغيير الهائل الذي حصل في العقد الأخير في تقنية المعلومات وحجمها وتداولها. وأمام العولمة اليوم نجد لغة واحدة مشتركة تسود منطق التعليم العالي، ليس فقط في السعودية ولكن في كل مكان أيضاً. ونحن نسعى الى توفير كل هذه العناصر الأساسية في تعليمنا العالي، ولكن مثل هذه الأمور لا يمكن تغييرها أو بناؤها بين يوم وليلة، بل تحتاج الى مدة زمنية لتحقيقها. وهذا ما بدأنا به اليوم، وعلى مسارين: الأول، ألا نفتتح أي برنامج دراسي جديد يتعارض مع متطلبات سوق العمل، وهذا يعني التركيز على أن تكون كل البرامج الجديدة موجهة إلى حاجات سوق العمل. والمسار الثاني هو إلغاء كليات أو برامج، أو تقليصها، فتكون أقسام خدمات لا اختصاصاً متقدماً خدمة للأقسام، من دون أن تؤمن خريجين فيها، ولا تحتاج إليها سوق العمل، وهناك اكتفاء فيها. ما مدى اهتمامك بالتدريب المهني، خصوصاً أن سوق العمالة ينقصها الكثير من العمال المحترفين في حقول لا تحتاج إلى دراسة جامعية عليا؟ - هذا صحيح، وهذه إحدى الخطوات التي اتخذناها عندما وضعنا خططنا للتحول نحو برامج تخدم سوق العمالة في مؤسسات التعليم. والبرامج المهنية والتقنية المتوسطة من ضمن هذه البرامج. وقد افتتحنا عدداً من الكليات والأقسام المتخصصة في تدريس هذه الحقول، وهي تخرج قوى متوسطة أو ما دون المتوسطة من القوى العاملة، تسهم في الحلول محل القوى العاملة الوافدة وتؤدي أعمالاً مثل النجارة أو الكهرباء أو السمكرية. ووسعنا عدداً من الكليات القائمة وقدرتها الاستيعابية، ووزعناها على مختلف مناطق المملكة. والواقع أن هناك إقبالاً من الطلاب السعوديين على دخول هذه الكليات لمعرفتهم ان فرص العمل متوافرة فور تخرجهم فيها. هناك انطباع عام انكم ستظلون تحتاجون الى العمالة الوافدة، لأن السعوديين يرفضون القيام بأعمال معينة. فهل هذا دقيق؟ - لقد كان هذا الانطباع سائداً في ما كان يسمى بمرحلة "الطفرة"، إذ ترسخت مفاهيم خاطئة لدى بعض الشباب والأسر. لكن هذه الظروف انتهت، وولت مثل هذه المفاهيم التي كانت عائقاً رئيسياً أمام العمالة السعودية. وفي الوقت الحاضر، ومن خلال الحاجة الاقتصادية والتوعية، يعمل الشاب أو الفتاة السعودية أينما وُجدت فرص العمل من دون أي عقود زائفة. إلى أي مدى يستفيد حقل التعليم العالي من تكنولوجيا الكومبيوتر والانترنت؟ وهل هناك قيود على دخول المواقع في شبكة المعلومات الدولية؟ - هناك استخدام واسع للكومبيوتر في الجامعات ولدى مختلف شرائح المجتمع، وكذلك للانترنت ليس فقط في الجامعات والكليات بل وفي مواقع العمل والمنازل، وهي تعد وسيلة مهمة من وسائل المعرفة والحصول على المعلومات. وهناك قيود أخلاقية فقط، فنحن لا نسمح باستخدام أي موقع يمس مبادئنا وديننا وتراثنا. ما مدى تعاونكم ودول مجلس التعاون الخليجي في مجال التعليم العالي برامجَ وأبحاثاً وشؤوناً تربوية أخرى؟ - هناك تنسيق كامل بيننا وبين كل دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى مستويات عدة، وهناك تعاون بدءاً من القاعدة وصولاً إلى أرفع القرارات التي يتخذها مجلس وزراء التعليم العالي في المجلس، أو ترفع إلى مجالس أخرى تابعة له لبتها، إلى جانب اتصالات دائمة بين أفراد الاختصاصات المتشابهة، وكذلك اجتماعات بين الكليات والجامعات الخليجية المختلفة. ومن خلال اطلاعي على محاضر هذه الاتصالات والاجتماعات أستطيع القول ان التفاعل بين أفراد التعليم العالي السعودي ومؤسساته وإخوانهم في دول مجلس التعاون الخليجي جيد ومتميز ضمن الدول العربية. قلت إنك راض عن التعاون الخليجي بالنسبة الى التعليم العالي، فكيف تصف هذا التعاون مع الدول العربية الأخرى؟ - الجامعات السعودية تربطها بعدد من الجامعات العربية اتفاقات واتصالات لا تعتمد على اتصالات تفاهم رسمية. وهذا التعاون يمكن وصفه ب "لا بأس به". لكنه يبقى أقل من طموحاتنا. ووزراء التعليم العالي العرب يجتمعون كل سنتين. والواقع أن هناك رغبة لدى الجميع في إيجاد مجالات جديدة للتعاون والتكامل، لكن النتائج التي وصلنا إليها لا تزال أقل من طموحاتنا. وثمة جهود تبذل في هذا المجال. كيف ترى مستقبل جامعة الخليج الموجودة في البحرين، خصوصاً أن البعض يعتقد أن استمرارها غير مضمون؟ - دعمت المملكة العربية السعودية بناء هذه الجامعة وأعطتها وتوفر لها اليوم كل الدعم المالي والمعنوي. وأنا أعتقد أنها تقوم بدورها في المجال الجامعي الخليجي. ولا أجد مبرراً للخوف على مستقبلها. هل تقدم جامعات المملكة برامج وفرصاً لنيل شهادة الدكتوراه؟ ولماذا لا نزال نرى أعداداً كبيرة من طلاب الدكتوراه يسعون إلى نيلها في الخارج؟ - لدينا في جامعة الملك سعود، وعلى سبيل المثال، أكثر من 30 برنامجاً مختلفاً للدكتوراه، وأكثر من 70 برنامجاً للماجيستير. وتقدم جامعات أخرى أيضاً برامج للدكتوراه. لكننا، على كل حال، لا نزال نفضل أن ينال التلميذ شهادة الدكتوراه من جامعة متميزة، لها تراث وتاريخ في التعليم العالي، علماً أن مثل هذه الجامعات لم تصل إلى مستوى راق وعالمي إلاّ بعد مئات السنوات أحياناً من التميز العلمي. وهي تقدم إلى جانب الأساتذة العريقين والمتفوقين، أجواء ثقافية وعلمية راقية جداً، تسمح للطالب السعودي بأن يحصل على الدكتوراه في مناخ ثقافي وعلمي مميز. لكن هذا لا يعني اننا لا نضع الأسس للوصول بجامعاتنا إلى المستوى العلمي العالمي، في مجال نيل الدكتوراه. وهذا يتطلب الوقت وإيجاد المناخ العلمي والثقافي المميز وأساتذة ذوي خبرة عريقة. ما نسبة السعوديين من الأساتذة الجامعيين الموجودين في الجامعات السعودية؟ - نحو 60 في المئة، أي أن أكثر من ستة آلاف أستاذ وأستاذة هم من السعوديين. هل يوجد في المملكة طلاب جامعيون غير سعوديين؟ - نعم، لدينا طلاب من دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك من دول عربية أخرى ومن دول إسلامية. ونحن نحرص على مثل هذا الوجود.