عقد قبل أيام في بيروت "المؤتمر الاستثنائي الأول للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي"، والتقت الوفود العربية لتدرس تقارير عن وضع الجامعات في بلادها، وأصدرت توصيات عامة، لا تلغي، على رغم اهميتها ضرورة دراسة حال مؤسسات التعليم العالي في كل بلد عربي على حدة. ولا تكفي نظرة سريعة الى خريطة العالم العربي لتقييم مستوى التعليم العالي فيه، فمع اختلاف الظروف السياسية تختلف الخطط التربوية. ويكشف التدقيق في الخريطة كماً هائلاً من المشاكل، فالجامعات في العراق المحاصر، مثلاً، تعاني من محاولات عزلها عن التطور العلمي في العالم. وفي الجزائر تثار قضية التعريب وتدريس اللغة الأمازيغية الى ما يعانيه هذا البلد من جراء ممارسات المتطرفين فيه. ومن الممكن أيضاً قراءة محاولات في غير بلد عربي لتطوير بنية مؤسساته التعليمية ووضع برامج ومناهج جديدة، وتكثيف التعاون مع المؤسسات العلمية العالمية. كما يمكن ايضاً ملاحظة تطوير المناهج التعليمية بما يوافق التطورات العلمية المتسارعة وحاجات أسواق العمل. في ما يلي أحاديث سريعة مع كل من وزير التعليم العالي السعودي خالد بن محمد العنقري، ووزير التعليم العالي الفلسطيني منذر صلاح، وممثل وزارة التعليم العالي العراقية فاضل الربيعي، وممثل الوفد الجزائري طاهر حجار: الوزير السعودي خالد بن محمد العنقري : سعودة الجامعات تحافظ على المستوى تدفع التطورات الحاصلة في المجالات العلمية والتكنولوجية الى اعادة النظر في بعض البنى التعليمية، وفيها يكثر الحديث عن انهيار الحدود وسهولة انتقال المعلومات بين الناس، والقدرة على الوصول الى المصادر العلمية عبر اكثر من وسيلة، تطرح ايضاً قضية المحافظة على الخصوصية، وتعتبر الجامعات العملية والتربوية من العوامل المساعدة على الحفاظ على الهوية. في هذا الاطار يكثر الحديث عن "سعودة" الجامعات في المملكة العربية السعودية وكان هذا العنوان احد المواضيع التي حدثنا عنها وزير التعليم العالي السعودي خالد بن محمد العنقري الذي يشارك في المؤتمر. فأوضح ان برامج سعودة الجامعات في المملكة تأخذ بعين الاعتبار تأهيل اعضاء هيئات التدريس والفنيين العاملين في هذه الجامعات "بشكل يليق بالمستوى المتطور للجامعات السعودية، ولا يخل بالاداء العلمي المتميز". ولفت العنقري عند سؤاله عن العمل على تطوير كليات البنات ان نسبة الطالبات اللواتي يتابعن الدروس الجامعية وصلت الى 53 في المئة من مجموع الطلاب الجامعيين في المملكة، وان "تعليم الفتاة في المملكة العربية السعودية حقق تقدماً كبيراً، ويزداد عدد الكليات والمؤسسات التعليمية المخصصة للفتيات، سواء الكليات التابعة للجامعات او تلك التابعة للرئاسة العامة للتعليم". من ناحية اخرى يكثر الاهتمام بمعاهد التكنولوجيا في المملكة، وفي هذا الاطار لفت العنقري الى ان مستوى التدريس في معهد التكنولوجيا في جامعة الملك فهد متميز. وان هذه الجامعة تتعاون مع عدد كبير من المؤسسات العلمية العالمية في مجالات عدة كتحديث البرامج التعليمية والبحثية، وتنفيذ بعض المشاريع العلمية المشتركة. ولفت الى اهتمام الجامعات السعودية بالجوانب التطبيقية لأهميتها في اعداد الخريجين لسوق العمل والمساهمة في التنمية. وتعمل السعودية على الافادة من المستوى المتطور للمؤسسات العلمية الاجنبية لذا ترسل بعض ابنائها في بعثات علمية الى هذه المؤسسات. وأكد العنقري ان "جميع المبعوثين يعودون الى المملكة للعمل فيها". ويكثر الاهتمام ايضاً بالطلاب الاجانب، وتقدم الحكومة السعودية منحاً دراسية لأبناء العالم العربي والاسلامي في كل الجامعات، وتعمل المؤسسات الثقافية السعودية في الخارج على التعريف بهذه المنح والتقديمات. الوزير الفلسطيني منذر صلاح : نرفض التعاون مع الجامعات الاسرائيلية قبل إزالة القيود بين الضفة والقطاع للجامعات، كما لكل القطاعات الفلسطينية، قصص وتاريخ مرتبطان بنضال هذا الشعب. لم يقم السياسيون مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية ولم تمن بها دولة، بل ولدت بمبادرات أهلية. لهذا السبب رفض وزير التعليم العالي الفلسطيني منذر صلاح الإجابة مباشرة عن سؤالنا عن مستوى التعليم العالي في بلده، وقال بشيء من الفخر ان التعريف بتاريخ هذه الجامعات أمر ضروري، ففي السبعينات قامت مجموعات فلسطينية بتحويل بعض الكليات الى جامعات وأسست اخرى. و"صارت هذه الجامعات حلزوقة في حلق الاحتلال الاسرائيلي". وذكر صلاح خلال مقابلة أجرتها معه "الحياة" وهو يشارك في "المؤتمر الاستثنائي الاول للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي" أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي أصدرت عام 1980 الامر العسكري رقم 854 في محاولة للسيطرة على هذه الجامعات والتدخل في تعيينات الاساتذة وتحديد الطلبة الذين يمكن قبولهم في الجامعات، وللتدخل في مناهج التدريس. "لكن الجامعات وقفت في وجه هذا القرار واستطعنا التغلب على القيود التي وضعت لمنع استيراد بعض الاجهزة العلمية من خلال تحويلها الى هبات نقبلها من مؤسسات من الدول الغربية". "في الفترة السابقة كان التركيز على الكم"، قال صلاح، وتوفير فرصة متابعة الدراسة الجامعية لأكبر عدد من الطلبة الفلسطينيين لكن "بعد قدوم السلطة الوطنية تركز اهمامنا على نوعية التعليم". وأوضح أن الوزارة تعمل حالياً على وضع استراتيجية للتعليم العالي لتطور المناهج التعليمية الجامعية لتتلاءم مع احتياجات المجتمع الفلسطيني ولتواكب التطور العلمي. وعن الهبات التي تتلقاها مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، قال صلاح ان "الهبات العربية كانت قليلة في فترة الاحتلال، معظمها من دول غربية"، أما في المرحلة الحالية فزاد حجم الهبات العربية وهي مخصصة لتطوير المباني الجامعية والمدرسية وتنظيم الدورات التدريبية، وأوضح صلاح ان الهبات العربية تشكل 25 في المئة من النفقات الرأسمالية للجامعات، وان معظم الهبات الاجنبية تأتي من دول الاتحاد الاوروبي وتشمل إقامة دروات تدريبية وتنفيذ دراسات بحثية وتمويل منح دراسية. وأضاف انه تم إطلاق برنامج التعاون الاوروبي الاميركي الفلسطيني التربوي" وهو تعاون يشنمل شبكة من الجامعات الفلسطينية والاوروبية والاميركية، يطال المجالات البحثية وتبادل الطلاب والاساتذة وتقديم منح دراسية وتشكيل مجموعات استشارية. ومن الامور التي شدد عليها صلاح التواصل الدائم مع الاساتذة الفلسطينيين في الخارج هو كما يقول "تواصل مستمر، فالتعاون مع الاساتذة والمستشارين والخبراء والاساتذة الفلسطنينيين في الخارج قائم منذ فترة الإحتلال". ويختلف حديث صلاح عن الدور السياسي للطلاب الجامعيين وللصروح العلمية عن الخطاب السائد حالياً حول ضرورة فصل العملية التربوية عن الزمور السياسية معلق على تعبير الطلاب الفلسطينيين عن آرائهم السياسية بأساليب متنوعة، بأن "الدور السياسي للطلاب أساسي ومحرك للكثير من القضايا في كل دول العالم، إذا أغلقت الجامعات باب العمل السياسي أمام الطلاب بسطحية"، وشدد أن للطلاب الحق باتخاذ المواقف السياسية مؤكداً أنهم "يتحركون بحرية، وان دور الطلبة الفلسطينيين خلال الاحتلال كان نضالياً وأنهم يشاركون الآن في تقييم الأداء السياسي للسلطة" ورفض من جهة اخرى سؤالنا عن مدى تأثر الجامعات الفلسطينية بالتعليم العالي الاسرائيلي، وقال "إننا نرفض التعاون مع الجامعات الاسرائيلية لأن القيود الاسرائيلية التي تمنع الاتصال بين الاساتذة في الضفة وفي القطاع لا تزال قائمة" وأكد ان التعاون مع المؤسسات العلمية الاسرائيلية لن يبدأ قبل إزالة هذه القيود. وفي الختام سألناه إن كانت اللغة العبرية تدرس في الجامعات الفلسطينية، فقال انها تدرس كلغة إختيارية في بعض الاختصاصات، لكنها لا تدرس في المدارس. فاضل محسن الربيعي : الجامعات العراقية بخير على رغم الحصار كيف الخوض في أمور تطوير المناهج واللحاق بالتطور العلمي والتكنولوجي ونشاطات الطلاب في العراق، وثمة سؤال يطرح نفسه: كيف استطاعت الجامعات العراقية ان تستمر على رغم الحصار المفروض على البلاد منذ سنوات؟ "التعليم العالي لا يزال بخير" هكذا أجابنا ممثل وزارة التعليم العالي العراقية الدكتور فاضل محسن علي الربيعي، وقال ان الجامعات العراقية "لا تزال تتمتع برصانة علمية"، وتحدث عن تجاوز العقبات التي فرضها الحصار. فقد منع العراق من استيراد عدد كبير من الأدوات والمحاليل والمختبرات العلمية الضرورية في المؤسسات التعليمية، فتم التركيز على كفاية الاساتذة وتفوقهم للخروج من هذه الأزمة. لكن الحصار لا يطاول الأدوات فقط، بل يمكننا الحديث عن الأستاذ المحاصر والطالب المحاصر، إذ أن التواصل بحرية مع الخارج لم يعد ممكناً. لكن الدكتور الربيعي تحدث عن التعاون بين مؤسسات التعليم العالي العراقية وجامعات الدول الأخرى. وقال ان "الجامعات في بلده كانت تقيم تعاوناً ثقافياً مع معظم جامعات العالم، وحالياً بعد أن فهمت بعض الدول حقيقة العدوان على العراق أخذت تطالب بإعادة علاقات التعاون مع جامعاتنا"، وأوضح أن ثمة تعاوناً مع عدد كبير من الجامعات العربية وبعض الجامعات الأوروبية في فرنسا واسبانيا وايطاليا، لكنه "تعاون محدود يركز على بعض الأدوات العلمية". ويضيف: "الحصار الذي حاول أن يفصل العراق عن العالم، لم يحل دون "التواصل مع الأكاديميين العراقيين المقيمين في الخارج، فتنظم الحكومة العراقية مؤتمراً مرة كل سنتين، يشارك فيها أكاديميون عراقيون يقيمون في الخارج ويبحثون شؤون التعليم العالي العراقي وكيفية تطويره، ويزور العراق اساتذة جامعيون عراقيون مغتربون على مدار السنة، يقدمون المحاضرات العلمية في الكليات المختلفة". وأشار الى أنه نتيجة للوضع الاقتصادي المتردي انخفضت نسبة الطلاب الذين يرسلون الى الخارج، "وصرنا الآن نعتمد على إمكاناتنا الذاتية، وأنشئت كليات واختصاصات جديدة في مجال الكومبيوتر والعلوم". وأضاف: "ان الانترنت انتشر أخيراً في العراق، ويستخدمه الطلاب والأساتذة الجامعيون كوسيلة أساسية لجمع المعلومات حول موضوعات علمية مختلفة، لكن هذا الاستخدام يظل محدوداً بسبب كلفة الاتصالات المرتفعة". طاهر حجار : لا عودة عن التعريب في الجزائر ... وللتطرف أسبابه لا يمكن للعملية التربوية في الجزائر ان تكون فقط ترفاً فكرياً وعلمياً، ففي بلد تكثر فيه المشكلات وتتداخل المواضيع السياسية والاجتماعية، تطرح امام المدارس والجامعات مهمات اعداد الفرد "المنتمي لوطنه". وفي ظل الحديث عن الشباب المتطرف وقد تعدى عدد العاطلين عن العمل 100 ألف شاب، لا بد من البحث عن حلول قد ترتبط بالمؤسسات التربوية. رئىس الوفد الجزائري الى المؤتمر الدكتور طاهر حجار، دعا الى العودة الى جذور هذه المشكلات، والى الظروف التاريخية التي مرت بها الجزائر. وقال ان جهوداً جبارة نفذت لتعريب المناهج التربوية، و"اننا في هذه المسألة وصلنا الى مرحلة اللارجوع، فمعظم المواد تدرس في المدارس والجامعات باللغة العربية. لكنه لفت الى ان تعريب المناهج اثير كمشكلة لأسباب تاريخية" فقد كان الاستعمار الفرنسي في الجزائر استعماراً استيطانياً، وحاولت السلطة الاستعمارية في ذلك الوقت مسخ الشخصية الجزائرية ومحاربة مكوناتها اي اللغة والدين والثقافة والعادات. رداً على سؤال عن ارتباط الاختصاصات الجامعية بسوق العمل في الجزائر قال ان للجامعات دوراً اكاديمياً ومعرفياً لا يتناقض مع ضرورة توفير الكوادر التي يحتاجها كل من المجتمع وسوق العمل. وعلى رغم انه اكد ان للتطرف وجوهاً سياسية واقتصادية، وان البطالة من اسبابه، لم يعتبر ان للمؤسسات التربوية دوراً في حل هذه المشكلة. وقال ان بعض الشباب "غرر بهم للجوء الى هذه الوسيلة"، لكنه اكد على اهمية البحث عن طريقة ذكية تزاوج بين الدور الاكاديمي للجامعات وضرورة توفير اختصاصات يحتاجها سوق العمل. واعتبر ان خفض عدد المنتسبين الى بعض الاختصاصات جريمة، لأن لكل طالب الحق في اختيار الاختصاص الذي يفضله، وان الامر منفصل عن سوق العمل. وقال انه في عام 1971 اجري اصلاح كبير في التعليم العالي، ربطه بالواقع الجزائري. وقال ايضاً ان نظام التعليم في بلده اقرب الى النظام الانكلوفوني. ولفت الى ميل الشباب الجزائري لتعلم الانكليزية، والاختصاصات التكنولوجية. وقال ان اللغة الامازيغية تدرس منذ 5 سنوات كلغة اختيارية في كل المدارس الجزائرية، وانها ليست موحدة، بل مجموعة لغات متشابهة. ولم يحدد انتشارها لأن "هذه التجربة لا تزال في مرحلتها الاولى". وعن تدريس مادة الدين الاسلامي قال: يجري تدريس مادة التربية الاسلامية، وثمة معاهد عليا لتكوين المختصين في الدراسات الاسلامية.