"تستطيع الدراما العربية أن تقهر حواجز الغربة وتكسر المسافات والحدود، وتستطيع رواية التلفزيون أن تكون نقطة انطلاق ذهبية في إزالة الصدأ عن سطح القومية العربية، وأن تكون حبل تواصل بين الأشقاء عندما يدخل الليبي بيت الأردني، والعراقي بيت التونسي، والمغربي بيت اللبناني. وعندما أقول البيت فإنني أعني العقل والوجدان والضغط والتأكيد على عناصر الالتقاء والتوحد وإبرازها في قوالب فنية نستطيع أن نواجه من خلالها إعصار الشرق أوسطية". ما سبق كان مقدمة كتاب "الدراما التلفزيونية في العالم العربي" للمؤلف سمير الجمل، وهو صدر في القاهرة حديثاً. رصد المؤلف تاريخ الدراما في كل بلد عربي على حدة، وفترات الركود والإزدهار، وأبرز من أثّروا في الحركة الفنية في كل بلد. بدأ بالدراما السورية، وقسمها إلى مرحلتين، الأولى انطلقت مع البث التلفزيوني في أوائل الستينات، واعتمدت على العناصر المسرحية وعدد من دارسي السينما الذين تحولوا إلى المشاركة في الأعمال التلفزيونية. ومن أشهر وأهم ما قُدم في تلك المرحلة "حكاية حارة القصر" و"دولاب" و"مذكرات حرامي" و"أسعد الوراق". أما المرحلة الثانية فيؤرخ لها بمسلسل "الذئاب" في العام 1989 إذ انطلق الانتاج المحلي واتسعت مساحته واصبحت الدراما السورية مادة مطلوبة وجيدة في الكثير من العواصم، لكسر الاعتماد المطلق على الانتاج المصري من ناحية، ولكون اللهجة السورية سهلة التداول ومنتشرة من خلال الأفلام السينمائية التي صُنعت في لبنان عبر "كوادر" مصرية سينمائية لبنانية مشتركة، ولأن الانتاج السوري يعتمد أحياناً على القصص البدوية، وهو لون مطلوب في منطقة الخليج تحديداً، كما أنه الأكثر طلباً للدراما السورية. وشهدت هذه المرحلة أعمالاً شهيرة وناجحة مثل "أبو كامل" و"أيام شامية" و"طقوس الحب والكراهية" و"البركان" و"دائرة النار" و"غضب الصحراء". ويقف دريد لحام كعلامة واضحة في مسار الدراما السورية بالشخصيات الكوميدية التي جسدها ومنها "غوار الطوشي". السعودية ولبنان ويؤكد الجمل في الجزء الخاص بالدراما السعودية، أن السعودية لعبت دوراً بارزاً في انطلاق "الدراما" الخليجية إذ موّلت معظم الأعمال التي صُورت في السبعينات، بينما قامت الإمارات العربية المتحدة بالمهمة ذاتها عن طريق توفير ستوديوهات عجمان والشارقة. وشهدت السعودية في الآونة الأخيرة انفتاحاً هائلاً في تقديم المسلسلات المحلية، بعدما كانت المسلسلات العربية نوعاً من الترويج في منطقة الخليج، وتستعين بفنانين سعوديين مثل سعد خضر وخالد سامي وبكر الشدي ومطرب فواز ومحمد حمزة وسواهم. وأثبت الفنان السعودي وجوده من خلال المشاركة الإيجابية في مهرجانات المسرح والتلفزيون في لمحة واضحة الى دخول الدراما السعودية مرحلة جديدة، لا تكتفي فيها بدور الممول، وإنما تتجاوزها إلى دور المبدع. وهو يؤكد أن الدراما التلفزيونية اللبنانية تعيش حالة غريبة من ازدواج الشخصية دون سواها في الدول العربية الأخرى. إذ أن التلفزيون اللبناني هو الرابع على المستوى العربي ولادة بعد تلفزيونات الجزائروالعراق والسعودية. وللسينما اللبنانية حضورها القديم وتأثيرها الواضح في خريطة السينما العربية. والكلام نفسه ينطبق على المسرح ويمتد إلى الفن اللبناني كله. ومع ذلك فإن الإنتاج الدرامي اللبناني متواضع الى درجة الدهشة مقارنة بنظيره في دول أخرى لا تستند على التاريخ الفني اللبناني العريق. وكانت الدراما اللبنانية أعلنت عن نفسها عقب افتتاح التلفزيون في العام 1959 من خلال مسلسلات "ربيع" و"جراح باردة" و"التائه" و"عازف الليل". وكان المسلسل الأول بالألوان، ولمعت اسماء المخرجين عصام حمدي وإلياس متى وغاري غاربيتيان. ومن المؤلفين أنطوان غندور ووجيه رضوان. وكان اندلاع الحرب اللبنانية العام 1975 حاجزاً أمام كل أشكال الإبداع، ثم زادت أعداد المحطات الخاصة وأسرع معظمها إلى انتاج المنوعات لأنها الأسهل والأضمن، اعتماداً على تحرر الفنان اللبناني قياساً الى سواه، فيما يحتاج الانتاج الدرامي إلى صبر ومعاناة وتحضير، ومن هنا كانت المنوعات هي الحل الأول والأخير. العراقوالإمارات و الجزائر ويشير الجمل إلى أن العراق تعامل مع السينما في وقت مبكر حين عُرض أول أفلام السينماتوغراف في 26 آيار مايو العام 1909، في دار الشفاء في الكرخ. وكانت الحركة المسرحية العراقية بلغت الذروة في النضج والتجريب قبل حرب الخليج مباشرة، ومع ذلك تبدو حصيلة الانتاج الدرامي العراقي متواضعة مقارنة بدول أخرى أقل من العراق في إمكاناته الفنية والبشرية، ونستثني من ذلك الفترة التي تأسست فيها شركة "بابل" للإنتاج الفني. ويعد المخرج فيصل الياسري من أبرز الكوادر وأكثرها انفتاحاً على بقية العواصم العربية، ما يعكس اهتمامه الشخصي وفكرة الانتاج المشترك. ومما لا شك فيه أن الفن العراقي تأثر كله بحرب الخليج والحصار المفروض على العراق ما أدى إلى تقلص الانتاج السينمائي والتلفزيوني إلى أضيق نطاق. ويؤكد الجمل أن الدراما التلفزيونية في الإمارات كانت بؤرة الإنتاج المتنوع في السبعينات، وشكلت مع الكويت جناحي الانطلاق في ما سُمي بعد ذلك "الدراما الخليجية"، أي الدراما التي تظهر بتمويل خليجي وكوادر عربية مختلفة، وخصوصاً في مصر وسورية ولبنان والأردن، وقدمت ستوديوهات عجمان الكثير من الأعمال والأسماء. ويؤرخ للإنتاج الدرامي الإماراتي ابتداء من العام 1977، عندما تأسست شركة الخليج العربي ومع ذلك غاب النص الدرامي المحلي وحال دون ظهور اسماء بارزة. فمعظم الانتاج اعتمد على المؤلف المصري والسوري أما الجزء الخاص بالجزائر فيشير المؤلف إلى أن التلفزيون الجزائري فتح أبوابه في العام 1972 أمام السينمائيين في خطوة اعتبرها النقاد بداية مرحلة جديدة، إذ أنتج أكثر من عشرة أفلام روائية طويلة لمخرجين كان معظمهم يقدم أوراق اعتماده السينمائية للمرة الأولى. ومن هذه الأفلام "عائلات طيبة" لجعفر دامرجي و"العرق الأسود" لسيد علي مازيف و"منطقة محرمة" لأحمد العالم و"المصب" لمحمد شويخ. ويقول: "يمكن أن تنطلق الدراما الجزائرية أدبياً وتاريخياً وسينمائياً بالإنتاج الجزائري البحت أو المشترك مع تدريب الكوادر وتنظيم ورش سيناريو للأدباء الشبان لنجاح مثل هذه التجارب في الكويت وقطر والسعودية". ويلقي المؤلف الضوء في بقية الأجزاء على الدراما في الدول العربية الأخرى. ويختتم كتابه بملخص لدراسة الباحث رياض عصمت صدرت عن هيئة الإذاعة والتلفزيون في سورية عنوانها "دراما العرب بين الحضور والغياب" يؤكد خلالها عصمت على ضرورة السعي نحو توسيع آفاق الانتاج العربي المشترك وتنظيم العلاقة بين كاتب السيناريو والمخرجين واحترام حقوق وواجبات كل من الطرفين، وتشجيع إقامة اتحاد أو نقابة لكتاب السيناريو العرب مما يحفظ حقوقهم، وأيضاً التحرر من الحدود الرقابية الصارمة من دون المساس بالقيم الأساسية عند عموم الناس.