يبدو أن الخلافات بين الإسلاميين المصريين سواء المنتمين إلى جماعات راديكالية ك "تنظيم الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" أو تلك التي لا تعتمد العنف وسيلة للتعبير ك "الإخوان المسلمين" تكاد تعصف بهم. فالجدل بين قادة تنظيم الجماعة الإسلامية حول مواقفهم من قضية وقف العنف لم يتوقف، وانباء الخلافات داخل "الجهاد" بين الذين يصرون على استمرار تحالف التنظيم مع اسامة بن لادن والتيار المعارض لذلك التوجه تتزايد يوماً بعد يوم. وأفرزت وقائع انتخابات "نقابة المحامين المصريين" صداماً بين "رابطة المحامين الإسلاميين" التي تضم اعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين في قضايا العنف الديني، وهم محامون محسوبون على التيارات الراديكالية، من جهة وجماعة "الاخوان المسلمين" من جهة أخرى. وجاء الصدام على خلفية رفض الإخوان وضع اسم المحامي البارز منتصر الزيات على لائحة الجماعة، التي اكتسحت نتائج الانتخابات وإصرار الاخوان على وضع منافس للزيات ما ادى الى فشله في الوصول الى عضوية مجلس النقابة. فشل الزيات واخرج ما كان يجرى في الخفاء الى العلن وكشف حجم التناقضات بين الإسلاميين المصريين. واعترف الزيات في حوار مع "الحياة" بوجود خلافات شديدة، محذراً من انها "ستؤثر سلباً على مستقبل الحركات الإسلامية المصرية"، لافتاً الى أن التناقضات الداخلية بين قادة الجماعة الإسلامية عطلت بث موقعها على شبكة الانترنت، وأن رفض قادة الجماعة نداءات بعض افراد التنظيم وقف العمليات المسلحة تسبب في شرخ في جدار التنظيم أثر كثيراً على حركته. وحيا الزيات، في مناسبة مرور سنتين على قرار اصدره مجلس شورى الجماعة الإسلامية قضى بوقف شامل للعمليات المسلحة داخل وخارج مصر، القادة التاريخيين للجماعة الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ووصفهم بأنهم "أفضل العناصر التي افرزتها الحركة الإسلامية في العقدين الاخيرين". وتمنى أن تكون الطريقة التي تعاملت بها الحكومة المصرية مع انتخابات نقابة المحامين "بداية لأسلوب جديد على التعاطي مع قضية الإسلاميين ومنحهم المزيد من حقوقهم السياسية والنقابية في المجتمع". واعتبر الزيات أن الإمكانات البشرية والمادية الهائلة لپ"الإخوان" المسلمين كانت سبباً في النتائج التي انتهت إليها انتخابات نقابة المحامين التي اسفرت عن اكتساح قائمة "الإخوان" مقاعد مجلس النقابة. ورأى أن فشل القوى السياسية الأخرى وبينها الحزب الوطني "كان متوقعاً"، لافتاً إلى أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة "كانت درساً للقوى السياسية لم تستوعبه". وقال الزيات، الذي حصل على نحو 9 آلاف صوت في انتخابات المحامين وكان يلزمه 300 صوت فقط لتحقيق الفوز، إنه "خاض معركة مشرفة وحصل على ثقة عالية من تسعة آلاف محامٍ، أي ما يقرب من ربع عدد المشاركين في الانتخابات". واستبعد استفحال الخلاف بينه وبين "الإخوان" مستقبلاً لكون الجماعة عمدت إلى اسقاطه ورفضت وضع اسمه ضمن لائحتها التي ضمت محامين من قوى سياسية أخرى اضافة إلى محام قبطي. وتمنى أن تكون النزاهة المفرطة التي جرت فيها انتخابات المحامين "بداية لأسلوب جديد في التعاطي مع حق المواطنين في اختيار ممثلين في المجالس النيابية والنقابية"، وتساءل: "ما دامت الحكومة تستطيع إنجاز هذا الأداء المحترم فلماذا لا تطبقه على كل المستويات؟". واضاف: "ربما كانت مؤازرة القضاء للمحامين عبر الأحكام المتتالية التي صدرت لصالح إجراء الانتخابات وعدم تعطيلها سبباً في ذلك السلوك الحكومي. وفي أي انتخابات حرة فإن الإسلاميين يحققون نتائج إيجابية". وشدد الزيات على ضرورة إتاحة الفرصة للمجلس الجديد "لإعادة صوغ علاقة الدولة بالإسلاميين"، مشيراً إلى أن حصول "الإخوان" على 17 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ثم اكتساحهم انتخابات المحامين "يجب أن يدفع الحكومة إلى التفاهم مع الإسلاميين بدلاً من العمل على إقصائهم". وأشار إلى أن النائب السابق مختار نوح "كان وراء اعتماد الإخوان اسلوب المشاركة وليس الاستحواذ على مقاعد مجالس النقابات". ودعا الزيات "الإخوان" إلى العمل على احتواء الإسلاميين غير المنتمين إلى الجماعة في النقابات المهنية، وقال: "على رغم أن الاخوان مع قوى سياسية أخرى عمدوا إلى اسقاطه فإنني حريص على إعادة صوغ العلاقة بين الإسلاميين عموماً قبل أن نطالب بإعادة صياغة علاقة الحكومة بالإسلاميين". وقال: "القوى السياسية غائبة عن الساحة السياسية والنقابية ونتائج الانتخابات البرلمانية اثبتت ذلك"، مشيراً إلى أن "الإخوان" "نجحوا في مقاومة الضغوط الحكومية في حين استسلم لها الأحزاب القائمة على الساحة". وكشف الزيات عن اتصالات أجريت بينه وبين قادة الاخوان للتنسيق في شأن انتخابات المحامين. وقال: "قبيل القبض على مختار نوح العام 1996 اتفقت معه على أن أرشح لمقعد استئناف قنا باعتباره المسؤول عن ملف النقابة في الاخوان، وحين اعلن فتح باب الترشيح كان نوح في السجن، فعرضت الامر على المحامي عبدالمنعم عبدالمقصود الذي رتب لقاء مع نائب المرشد العام للاخوان المستشار مأمون الهضيبي تم في حضور آخرين وعرضت وجهة نظري مبكراً. وكان رد الهضيبي طيباً وأكد رغبة الاخوان في افساح الطريق أمام ترشيحي للمقعد، لكنه طلب منى لقاء نقيب المحامين في قنا السيد محمد العربي لأنه اشترط على الاخوان ضرورة ترشيح المحامي محمد ابو الوفا لمقعد قنا. فسافرت الى قنا والتقيت العربي، ونفى بشدة ان يكون اشترط مرشحاً معيناً، وأكد انه سيؤيد أي مرشح يحظى بدعم الاخوان، بل أنه اشاد بدوري في مبادرة وقف العنف. والتقيت الهضيبي مجدداً في اليوم التالي وابلغته نتيجة اللقاء مع العربي فاستدعى مسؤول ملف المحامين في الجماعة السيد محمد طوسون الذي ذكر أن مسؤول الاخوان في قنا هو الذي اشترط ترشيح أبو الوفا. فطلب مني الهضيبي السفر للقائه فاعتذرت وفوجئت بالهضيبي يعرض علي الترشيح لمقعد الاسماعيلية وهو يعلم ان ذلك الأمر سيكون مضحكاً. وابلغته ان لدي مكتباً في القاهرة وآخر في الصعيد وبالتالي فإن ترشيحي يجب أن يكون في العاصمة أو قنا وانصرفت". وتوقع مواجهة بين نقيب المحامين الجديد الناصري سامح عاشور و"الاخوان" في مجلس النقابة الجديد، وأعرب عن أمله في "تجاوز الخلافات السياسية وعلاج جراح النقابة وتفعيل دورها التاريخي في المجتمع". وعلق الزيات على اللائحة التي اصدرتها بريطانيا وادرجت فيها اسماء منظمات اسلامية مصرية على انها تنظيمات ارهابية، واعتبر أن القرار البريطاني جاء استجابة للضغوط الأميركية سواء ضد الجماعة الإسلامية التي تحتجز الولاياتالمتحدة زعيمها الدكتور عمر عبدالرحمن في سجونها أو الجهاد التي تلاحق زعيمها البارز الدكتور أيمن الظواهري وبعض معاونيه، أو المنظمات الفلسطينية التي تكافح من أجل تحرير اراضيها، ويأتي ذلك انحيازاً إلى الموقف الإسرائيلي. ونفى الزيات أن يؤثر صدور القانون الاخير على قيادات الجماعة الإسلامية المقيمين في الاراضي البريطانية، مشيراً إلى أن هؤلاء وفقوا أوضاعهم ويحرصون على عدم مخالفة قوانين البلد الذي يقيمون فيه.