مع افتتاح القمة العربية في عمان، سادت في اسرائيل أجواء استعدادات لتوجيه ضربة عسكرية الى مناطق السلطة الفلسطينية، لا سيما بعد عملية انتحارية وانفجار في مدينة القدس أوقعا 25 جريحاً. وكانت مدينة الخليل شهدت ليل الاثنين تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار بين الاهالي وسكان البؤرة الاستيطانية، قتلت أثناءه طفلة يهودية. راجع ص3. وبث التلفزيون الإسرائيلي مساء أمس أن رئيس الحكومة ارييل شارون اعطى تعليماته لقيادة الجيش من أجل الاستعداد لرد عسكري سيحدد موعده. وتوقع التلفزيون أن يتم ذلك غداة ذكرى "يوم الأرض" التي سيحييها فلسطينيو ال48 يوم الجمعة المقبل. وقال شارون: "أعرف جيداً كيف اعالج هذه المشكلة، وعلى المواطنين الإسرائيليين التحلي بالصبر لفترة قصيرة". وحمّل الرئيس ياسر عرفات مسؤولية العمليات "لأنه لم يبدِ استعداداً لوقف أعمال العنف، وليس مستعداً لإصدار تعليماته للقوات التي تأتمر بأمره، خصوصاً القوة 17". وأجمعت ردود الفعل الاسرائيلية على ان الرد العسكري آتٍ، ونقلت الاذاعة الرسمية عن مصادر سياسية رفيعة المستوى قريبة الى رئيس الحكومة ارييل شارون تأكيدها ان "سياسة ضبط النفس" التي تنتهجها حكومة شارون موقتة وستنتهي غداة ذكرى "يوم الأرض" بعد القمة العربية. واضافت الاذاعة ان اسرائيل تحاول ممارسة ضغط على الرئيس ياسر عرفات عبر قنوات ديبلوماسية، لكنها "تشكك في نجاحها في التوصل الى خفض وتيرة أعمال العنف الفلسطينية". وحمّل وزير الاعلام الفلسطيني ياسر عبدربه شارون مسؤولية تصاعد أعمال العنف، وقال في مؤتمر صحافي ان "الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في أعلى درجات الخطورة، والمواجهة تتسع بسبب السياسة التي أعلنها شارون وهو يشن حرباً شاملة على شعبنا". وكان عرفات اكد في كلمته أمام القمة العربية، استعداده ل"العودة الفورية الى مائدة المفاوضات، ومن خلال التنفيذ الدقيق لكل بنود الاتفاقات الموقعة، وآخرها اتفاق شرم الشيخ". لكن وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز رد على هذا الموقف باستخفاف، واصفاً كلام الرئيس الفلسطيني بأنه موقف "شاعري"، وزاد: "عرفات لن يفرض علينا السلام". وحضه على "نبذ الارهاب" بدل اللجوء الى مجلس الأمن للبحث عن حماية دولية للشعب الفلسطيني، مستبعداً ان يتخذ عرفات "الخطوات اللازمة لمنع أعمال العنف لأنه يريد جر اسرائيل الى رد عنيف ضد الفلسطينيين خلال انعقاد القمة العربية"، واعتبر بيريز ان "الفلسطينيين يحضون المجتمع الدولي على إملاء سلام على اسرائيل بحسب مفهومهم"، فيما اكد زعيم حركة "شاس" ايلي يشاي ان الدولة العبرية سترد في الوقت والمكان المناسبين. وتكتم مكتب شارون على ما دار في جلسة طارئة للمجلس الأمني المصغر حضرها وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر ووزير الأمن الداخلي عوزي لنداو ورؤساء اجهزة الأمن، فيما اكد قائد الجيش الاسرائيلي في منطقة الخليل نوعام تيبون ان الرد العسكري على مقتل الطفلة سيأتي. وفي تصريحات الى الصحافيين تعهد بيريز في وقت لاحق ان ترد اسرائيل على عمليتي القدس عندما يصبح الوقت "مناسباً". وقال: "الرد يجب ان يكون مباشراً وليس غاضباً، وفي الوقت الصحيح وبالوسائل وبالجرعة المناسبة. يجب ان نواصل الحديث أولاً لإنهاء اطلاق النار ويجب ان نرد على النار". مجلس الأمن في غضون ذلك، واصل مجلس الأمن مفاوضاته الماراثونية لوضع مشروع قرار يتفادى الفيتو الأميركي، واتفق أمس 14 من أعضاء المجلس على مسودة بقيت موضع تحفظات أميركية. وزاد الانفجاران في القدس تردد واشنطن في السماح للمجلس بإصدار قرار يتناول مبدأ آلية حماية المدنيين الفلسطينيين. وقال المندوب الأميركي السفير جيمس كننغهام إن السباق لإصدار قرار في المجلس يتزامن مع القمة العربية "ليس شأناً أميركياً". وتوقعت أوساط مجلس الأمن طي صفحة المفاوضات أمس، إما بالتوقف عن تناول المسألة في هذه المرحلة، وإما بطرح مشروع قرار للتصويت بصرف النظر عن احتمال تعرضه للفيتو الأميركي. وقال المندوب الفرنسي السفير جان دافيد ليفيت ل"الحياة" إن الدول الأوروبية الأربع والدول السبع غير المنحازة وافقت على نص المشروع الأخير، كما وافقت عليه الصين وروسيا وأوكرانيا. وأكد أنه تلقى تعليمات من باريس لدعم المشروع عند طرحه للتصويت. وأضاف: "توصلنا إلى نص جيد وجوهري يمهد لدور مهم للأمين العام للأمم المتحدة بدعم من مجلس الأمن" إذا تم تبنيه. وتابع ان المفاوضات تمت "بروح بناءة وأثمرت، وتوجد الآن خريطة صممها مجلس الأمن لمساعدة الطرفين على التعاون مع الأمين العام لاستئناف عملية المفاوضات وتنفيذ ما اتفق عليه في قمة شرم الشيخ". وأقر المندوب الأميركي من جهته "بإحراز كثير من التقدم" في المفاوضات، لكنه قال "إن فجوات كثيرة ما زالت قائمة... اقتربت مواقعنا في عدد من المسائل لكن ما زالت المواقف متباعدة". ويعرب المجلس في النص الذي يحظى بموافقة جميع أعضاء المجلس باستثناء الولاياتالمتحدة، عن "استعداده لاتخاذ الاجراءات الفورية لإنشاء آلية حماية تأخذ في حسابها احتياجات المدنيين الفلسطينيين بعد موافقة الطرفين على التعاون". ويخلو النص من أي اشارة إلى قوة دولية أو مراقبين عسكريين لتوفير الحماية. كما حذفت منه فقرة عبرت عن القلق العميق من نشاطات الاستيطان الأخيرة، خصوصاً في جبل أبو غنيم، أو المطالبة بوقفها، واستبدلت بفقرة تمهيدية اكتفت بالتعبير عن القلق من النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويدعو مجلس الأمن، بموجب نص مشروع القرار، إلى "الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والاستفزاز والدمار والعودة إلى المواقع والترتيبات القائمة قبل أيلول سبتمبر" الماضي، ويطالب الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بتنفيذ ما اتفق عليه في شرم الشيخ في تشرين الأول اكتوبر، بما في ذلك "اصدار بيانات علنية واضحة" تدعو إلى وقف العنف، و"التحريض واستبداله بالتعاون الأمني" وانهاء اجراءات "الاغلاق" الإسرائيلية، وإعادة فتح مطار غزة، والتعاون مع لجنة تقصي الحقائق المعروفة بلجنة "ميتشل". وفي حال تبني المجلس القرار، سيطالب الأطراف ب"تنفيذ التعهدات في الاتفاقات السابقة واستئناف الاتصالات على جميع الأصعدة"، ويدعوهما إلى "استئناف المفاوضات في إطار عملية السلام للشرق الأوسط". كما يطلب من أنان اجراء "المشاورات" مع الأطراف في الخطوات والاجراءات التي يدعو إليها القرار وتقديم تقرير إلى المجلس. ومن ضمن الخطوات التي يطالب بها المجلس، بحسب مسودة مشروع القرار، انهاء إسرائيل اجراءات "اغلاق الأراضي الفلسطينية المحتلة"، وتحويل الايرادات المستحقة إلى السلطة الفلسطينية.