يسعى وزراء الخارجية العرب في اجتماعاتهم، التي تبدأ اليوم في عمان، الى وضع صيغة للبحث في الملف العراقي من دون ان تحوله الى "قضية خلافية" يمكن ان تنفجر خلال اجتماعات القادة العرب. واكد مصدر أردني رفيع المستوى ل"الحياة" "ان العمل العربي المشترك وتفعيله" سيكون الموضوع الرئيسي الذي يأمل الأردن بأن تركز عليه اجتماعات القمة، للخروج بقرارات توافقية تخدم مصلحة العمل العربي المشترك"، واستبعد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان تثار خلال اجتماعات القمة أي قضايا تعرقل نجاحها وخروجها بقرار "توافقي" عربي شامل، مشيراً بذلك الى الموضوع الذي يُخشى ان يثير الخلافات اذا طرح، وهو موضوع "رفع الحظر الدولي المفروض على العراق". في غضون ذلك استمرت المفاوضات في اروقة مجلس الامن الدولي للتوصل الى مشروع مقبول لمسألة "حماية الفلسطينيين". وتأكد امس ان الادارة الاميركية حجبت مباركتها لمشروع قرار أوروبي بديل من مشروع الحماية للفلسطينيين، متبنية استراتيجية الغموض المتعمد. وواصلت الدول الأوروبية والدول غير المنحازة الاعضاء في مجلس الأمن محاولات لبلورة نص مقبول للمجموعة العربية. وبرزت امكانية تأجيل طرح اي مشروع قرار على التصويت قبل القمة العربية الاسبوع المقبل في عمان تجنباً لإحراجها بفيتو اميركية أو بتراجع واضح في المواقف الأوروبية أو بفشل مشروع قرار الحماية بالحصول على الاصوات التسعة الضرورية لتبنيه بلا فيتو. لكن المفاوضات استمرت بهدف الاتفاق على نص حل وسط يُطرح على التصويت قبل القمة، كما استمر الموقف العربي الرسمي الراغب في التصويت قبل القمة. ولاحظ مراقبون وديبلوماسيون عرب في عمان ان العراق عمل خلال الايام القليلة التي تسبق موعد انعقاد القمة على تصعيد موقفه السياسي والاعلامي من مسألة رفع العقوبات المفروضة عليه. اذ تحدثت التصريحات العراقية، خصوصاً تلك التي اطلقها وزير الخارجية محمد سعيد الصحاف وأبرزتها الصحف الأردنية، عن موضوع رفع العقوبات بطريقة تثير المخاوف على اجتماعات القمة. ودعا تصريحات الصحاف العرب الى رفض العقوبات المفروضة على العراق وعدم التعامل من جانب واحد مع قرارات مجلس الأمن. واعتبر ديبلوماسي عربي تحدث الى "الحياة" ان مثل هذا الطرح لا تحبذه حتى الدول التي ترى ان هناك حاجة لاعادة النظر في الحظر الدولي المفروض على العراق. وترى مصادر أردنية في تصعيد الموقف السياسي والاعلامي العراقي جزءاً من مناورة تصعيد للحصول على موقف عربي جديد لمصلحة بغداد. ويخشى العراقيون تمرير قرار عربي يوافق على ما ذكر حول مقترحات اميركية وبريطانية تزيل العقوبات الاقتصادية وتبقي العقوبات السياسية والعسكرية على الحكومة العراقية. وأشارت المصادر الى أن صيغة اتفق عليها لطرح موضوع "الحالة بين العراق والكويت" أمام القمة العربية. ويبدو ان الاردن يعمل على هذه الصيغة لتجنب قضايا خلافية تعوق نجاح أول قمة عربية "دورية". الموضوع الفلسطيني من جهة اخرى دعا عدد من وزراء الخارجية العرب الذين وصلوا امس الى عمان، الى ان لا يطغى الملف العراقي على الموضوع الرئيسي الذي يشغل العالم العربي، وهو تطورات الوضع الفلسطيني وسبل دعم الانتفاضة الفلسطينية في ضوء التطورات الاسرائيلية، مؤكدين ان الموضوع الفلسطيني وعملية السلام في الشرق الأوسط هما "التحدي الأكبر الذي يواجه العالم العربي في المرحلة الحالية ويجب ان تركز القمة علىهما". ووصل امس الوزراء عمرو موسى وفاروق الشرع الشيخ محمد بن مبارك مصطفى عثمان اسماعيل ووزير الدولة للشؤون الخارجية الكويتي الشيخ محمد السالم الصباح ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي. مجلس الامن وتقدمت الدول الأوروبية الاعضاء في مجلس الامن، بريطانيا وفرنسا والنروج وايرلندا، ليل أول من امس بعناصر مشروع قرار بديل من مشروع القرار الذي يسجل تصميم مجلس الأمن على ايفاد مراقبين عسكريين الى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وقدمت امس الجمعة دول عدم الانحياز السبع، تونس وجامايكا وكولومبيا وموريشوس ومالي وسنغافورة وبنغلادش، نيابة عن المجموعة العربية تعديلات على المشروع الأوروبي. وكان متوقعاً ان تستمر المفاوضات ليل الجمعة والأرجح ان يمتد الى العطلة الاسبوعية. وركزت المصادر الفرنسية والبريطانية على أهمية البعد السياسي في المشروع الأوروبي، أولاً لجهة انخراط مجلس الامن في العملية السلمية بموافقة اميركية علماً بأن الولاياتالمتحدة عارضت تكرار أي دور للمجلس في العملية السلمية في الماضي. وثانياً، لجهة تخويل مجلس الأمن الامين العام كوفي انان لعب دور في محاولة احياء اتفاقات شرم الشيخ التي تتضمن ترتيبات أمنية كمدخل للعودة الى التفاوض وسد الفجوة بين الموقف الاسرائيلي المصر على العودة الى المفاوضات على اساس الاتفاقات الموقعة حصراً والموقف الفلسطيني المصر على العودة الى المفاوضات من حيث توقفت في طابا. وثالثاً، لجهة تبني مجلس الأمن قراراً يربط بينه وبين أطراف شرم الشيخ مع العمل السياسي لتوسيع المشاركة لتضم روسيا الى جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والامانة العامة للامم المتحدة ومصر والأردن فضلاً عن الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وذلك بمثابة الاطار الدولي الوسط بين مؤتمر مدرىد للسلام وبين عملية أوسلو الثنائية، الفلسطينية - الاسرائيلية. تفاصيل خطرة لكن الأطراف العربية لفتت الى خطورة تفاصيل وردت في المشروع الأوروبي وما فيه من تقويض وتراجع عن مواقف أوروبية سابقة في شأن المستوطنات وانطباق اتفاقات جنيف على الأراضي المحتلة، كمثال. هذا الى جانب خلو المشروع الأوروبي من أية اشارة الى مبدأ ايفاد مراقبين عسكريين دوليين بهدف حماية الفلسطينيين، والاكتفاء بإيكال مهمة بحث عن "ميكانيزم" للحماية الى الامين العام. وعارضت مصادر عربية ما سمته "تبني لغة ارييل شارون"، رئيس الوزراء الاسرائيلي، في النص الأوروبي مثل الدعوة الى "انهاء العنف" بصورة تفيد بأن الطرف المسؤول هو الفلسطيني. ولفتت الى خطورة مباركة موقف شارون الداعي الى وقف الانتفاضة كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات. وفيما حاولت الدول الأوروبية استصدار قرار يعطي الأمين العام شبه ولاية قبل مشاركته في القمة العربية لإجراء مشاورات حول وسائل استئناف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، انطلاقاً من نموذج شرم الشيخ، تعمدت الولاياتالمتحدة اعطاء الأوروبيين المساحة للعمل على ذلك التوجه من خلال حجب الضوء الاحمر انما من دون اعطاء الضوء الاخضر، حسب مصدر اوروبي. وبذلك تجنبت الالتزام المسبق في موازاة محاولتها تجنب استخدام الفيتو على مشروع قرار قبيل القمة. ولاقى الموقف الأوروبي دعماً من روسيا، اذ قال السفير سيرغي لافروف ان المشروع الأوروبي "خطوة تسمح للمجلس بالبدء بدرس احدى اهم القضايا معاً وسوياً".