يبدو انه لا بد من التذكير بأن تاريخ الشعر ليس تاريخ الشعر العربي وحده. العالم مملوء بالشعر المدهش والعالم قليل الثرثرة حول "قضايا" الشعر مقارنة بنا! رغبة البعض في أن يكون الأسبق والأوحد قادمة من تراث الحزب الأوحد والحاكم الفرد، الخ. وليس بوسعنا ان نأخذ على محمل الجد تصنيف الشعراء بحسب شهادة الميلاد ستينات سبعينات، الخ. أو المضمون شاعر المرأة، شاعر المقاومة، الخ أو الإقليم الشمال، الجنوب، الخ. فكم أدى ذلك وما زال يؤدي الى خلاصات تثير السخرية. لا أرتاح لهذا الولع بالتصنيف واليافطات في حياتنا العامة على صعد المعرفة والأخلاق والسياسة والفنون. ان إلصاق البطاقة على حقيبة السفر لا يدل على محتوياتها ولا على نظامها ترتيبها الداخلي ولا على قيمتها. ولا أنكر عدم اطمئناني للأداء النقدي في ما يتعلق بالشعر العربي المعاصر فهو لا يتصدى لخلخلة المسلّمات السائدة ولا حتى لمراجعتها أو لتدقيقها، بل هو في أحيان، يجاريها ويجعلها نقطة انطلاقه والأساس الذي يبني عليه عمرانه. وهذا أمر يدعو للأسف لكنه أمر مفهوم في سياق مجتمعات غابت عنها الحرية طويلاً! نحن منشغلون بالتكلم الزائد حول الشعر وننسى المنتج الشعري ذاته أي "القصائد" المتحققة فعلاً ومدى جدارتها أو ريادتها أو تركها علامة على جودها أبعد من ستة أشهر بالتمام والكمال! قد تهزنا قصيدة بولندية لشاعرة تقيم في كراكوف أكثر مما تفعل قصيدة من قلب العروبة النابض! بدا لي دائماً ان أسوأ ما ينتظر الشاعر المجدد ان يُختصر الى مجرد ترتيب كرونولوجي. وليس صحيحاً دائماً ان الأحفاد أوغاد بل الصحيح ان الجد، اذ يكتفي "بالريادة الرزنامية" يجعل مستقبله وراءه. شاعر فلسطيني.