سيتي سكيب غلوبال، شراكات جديدة وتوسع في السوق السعودي    ارتفاع أسعار الذهب    "السعودية للكهرباء" و"كاوست" تطلقان أول مشروع بحثي من نوعه على مستوى العالم لاحتجاز الكربون في محطة توليد رابغ    استشهاد وفقد 20 فلسطينياً في قصف إسرائيلي على منزل بمخيم جباليا    دراسة التوجهات الدولية في العلوم والرياضيات والمعروف ب TIMSS    هوكشتاين من بيروت: ألغام أمام التسوية    برعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح منتدى الرياض الاقتصادي    أمير تبوك: «البلديات» حققت إنجازاً استثنائياً.. ومشكلة السكن اختفت    فيصل بن فرحان يبحث المستجدات مع بلينكن وبالاكريشنان    السواحة: ولي العهد صنع أعظم قصة نجاح في القرن ال21    «الوظائف التعليمية»: استمرار صرف مكافآت مديري المدارس والوكلاء والمشرفين    «الشورى» يُمطر «بنك التنمية» بالمطالبات ويُعدّل نظام مهنة المحاسبة    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة.. الأحد    نائب أمير جازان يطلع على جهود تعليم جازان مع انطلاقة الفصل الدراسي الثاني    المملكة تتسلّم علم الاتحاد الدولي لرياضة الإطفاء    القافلة الطبية لجراحة العيون تختتم أعمالها في نيجيريا    فيتو روسي ضد وقف إطلاق النار في السودان    دعوة سعودية لتبني نهج متوازن وشامل لمواجهة تحديات «أمن الطاقة»    التزام سعودي - إيراني بتنفيذ «اتفاق بكين»    المملكة تؤكد خطورة التصريحات الإسرائيلية بشأن الضفة الغربية    يوم الطفل.. تعزيز الوعي وتقديم المبادرات    ياسمين عبدالعزيز تثير الجدل بعد وصف «الندالة» !    تحالف ثلاثي جامعي يطلق ملتقى خريجي روسيا وآسيا الوسطى    مصير «الأخضر» تحدده 4 مباريات    22 ألف مستفيد من حملة تطعيم الإنفلونزا بمستشفى الفيصل    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود الجمعيات الأهلية    العامودي وبخش يستقبلان المعزين في فقيدتهما    فرص تطوعية لتنظيف المساجد والجوامع أطلقتها الشؤون الإسلامية في جازان    أمير القصيم يستقبل السفير الأوكراني    سهرة مع سحابة بعيدة    الرومانسية الجديدة    واعيباه...!!    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدد من الفعاليات التوعوية والتثقيفية وتفتح فرصاً تطوعية    «قمة الكويت» وإدارة المصالح الخليجية المشتركة!    العصفور ل«عكاظ»: التحولات نقطة ضعف الأخضر    كلب ينقذ سائحاً من الموت    25% من حوادث الأمن السيبراني لسرقة البيانات    سفارة كازاخستان تكرم الإعلامي نزار العلي بجائزة التميز الإعلامي    إدارة الخليج.. إنجازات تتحقق    في مؤجلات الجولة الثامنة بدوري يلو.. النجمة في ضيافة العدالة.. والبكيرية يلتقي الجندل    المعداوي وفدوى طوقان.. سيرة ذاتية ترويها الرسائل    القراءة واتباع الأحسن    جمع الطوابع    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    نجوم العالم يشاركون في بطولة السعودية الدولية للجولف بالرياض    أرامكو توسع مشاريع التكرير    مراحل الحزن السبع وتأثيرتها 1-2    الاستخدام المدروس لوسائل التواصل يعزز الصحة العقلية    تقنية تكشف أورام المخ في 10 ثوانٍ    نائب وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة لشؤون الدفاع بجمهورية نيجيريا الاتحادية    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    مجمع الملك فهد يطلق «خط الجليل» للمصاحف    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    سلطنة عمان.. 54 عاماً في عز وأمان.. ونهضة شامخة بقيادة السلطان    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    لبنان نحو السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "إعراب القرآن الكريم" لمحمد الطيب الإبراهيم : . تيسير فهم آيات القرآن ... وفرصة للتأمل في الاعجاز البلاغي
نشر في الحياة يوم 18 - 03 - 2001

كان للقرآن الكريم الفضل الكبير في توحيد اللغة العربية وصونها وحفظها على تقادم الأزمان وقد وسّع أرجاءها وأشبعها تلييناً وتهذيباً كما يُقال، من خلال بلاغته المعجزة وبيانه الممتنع. وكان الكلام في وجوه إعجاز القرآن "واجباً شرعياً" كما يعبّر مصطفى صادق الرافعي في تصدّيه لهذا الإعجاز، بل "من فروض الكفاية". وكان الجرجاني في صدارة العلماء والنحاة الذين انبروا لإجلاء ملامح هذا الإعجاز انطلاقاً من اعتقاده أن القرآن كان على حدّ من الفصاحة "تقصر عنه قوى البشر ومنتهياً الى غاية لا يُطمح إليها بالفكر". وقد تناول في مستهل كتابه الشهير "دلائل الإعجاز" المزايا التي ظهرت في نظم القرآن والخصائص التي وردت في سياق لفظه وبدائع آيه ومقاطعها و"مجاري ألفاظها ومواقعها". ويتحدث عن "مضرب كلّ مثل ومساق كلّ خبر" وكذلك عن "صورة كل عظة وتنبيه، وإعلام وتذكير، وترغيب وترهيب...". وفي خلاصة قوله إن ما من كلمة في القرآن "ينبو بها مكانها" وما من لفظة "ينكر شانها" أو يرى أن سواها "أصلحُ هناك أو أشبه، أو أحرى وأخلق". ويتناول أيضاً الاتساق الذي "بهر العقول وأعجز الجمهور" وعن النظام والالتئام، والاتقان والأحكام.
وإذا كان القرآن أساس العلوم الاسلامية والعربية، اللغوية والبيانية، والمثال الأعلى في البلاغة والفصاحة فلم يكن بدٌّ من استجلاء خصائصه والوقوف عليها بغية فهم كتاب الله والاحاطة به. والفهم هذا لا يتوافر إلا بمعرفة "ذوق اللغة". فالقرآن، "أنزله الله تعالى، كما يقول الزمخشري، مختصاً من بين الكتب السماوية بصفة البلاغة التي تقطّعت عليها أعناق العتاقِ السُبق".
ولعلّ الفهم أيضاً لا يأتي إلا عبر ما يسمّيه الثعالبي "قوّة اليقين في معرفة إعجاز القرآن". وقوّة اليقين تواكبها "زيادة البصيرة في إثبات النبوّة الذي هو عُمدة الإيمان".
لم يكن بدّ إذاً من إتقان العربية بغية فهم القرآن وإدراك مراميه وأوّل سلّم العربية وأعلاه، علم النحو والإعراب. ولم يكن مستغرباً أن يعكف العلماء والنحاة على التأليف في إعراب القرآن إعراباً يختلف بحسب اختلاف العلماء، فإذا هو مختصر وموجز حيناً وغير وافٍ بالغرض، وإذا هو مطوّل كثير الأوجه ومتعدد المناحي حيناً، يحتاج الى مَن يغوص على درره ويتبّحر في خصاله. ومن أولئك الذين تصدّوا لإعراب القرآن: ابن خالويه والزمخشري والعكبري والفاكهي وابن هشام الأنصاري وسواهم ناهيك بالنحاة المعاصرين الذين واصلوا جهود سابقيهم في هذا المضمار. ولعلّ "إعراب القرآن الميسّر" الذي أنجزه العالم اللغوي محمد الطيب الابراهيم قد يحل في منزلة "الإعراب الوسيط". فهو يوفّق بين ما يقتضيه التطوير والإغراق في الإعراب وما يقتضيه الإيجاز حتى يصل الى صيغة وسطى ترضي القرّاء على اختلاف مشاربهم. وقد اعتمد الابراهيم طريقة دقيقة وبيّنة في الإعراب تختصر حين يجب أن تختصر وتمعن في الشرح حين يلزم الشرح. سعى الإبراهيم أولاً الى نقل نصّ القرآن الكريم كاملاً بإطاره من مصحف الحفّاظ المتعارف عليه. ويوضح أن مصحف الحفّاظ هو الرسم القرآني الذي يقسم القرآن كله الى ثلاثين جزءاً والجزء الى عشرين صفحة متساوية تقريباً وتبدأ كل صحيفة بالآية الأولى وتنتهي كذلك بالآية الأخيرة. وجعل الابراهيم النصّ القرآني المنقول ضمن الإعراب بحرف ملوّن وبالخطّ الإملائي كي يعين القراء غير المتمرّسين على قراءة الرسم القرآني، مقطّعاً بحسب الإعراب. وحاول قدر مستطاعه أن يبدأ في إعراب كل آية من أوّل السطر وكذلك الأمر في الجمل. ووضع إعراب الجمل في كل آية عقب الانتهاء من إعراب المفردات. أما الاستعاذة والبسملة فأعربهما في أول سورة الفاتحة فقط. أما مفردة "ألَم" فأعربها على أوجه عدة بحسب ما نصّ كثير من المفسّرين والمعربين في مطلع سورة البقرة فقط.
ويوضح الابراهيم بعض ما عمد اليه من اكتفاء أو تجاوز في الإعراب نزولاً عند ضرورة الاختصار فلا يزيد حجم الإعراب على هامش المصحف في كل صحيفة. وما عمد إليه يدخل في التفاصيل الإعرابية الدقيقة التي تطلّبت منه كبير جهد.
وإذا كان إعراب القرآن يهدف الى تيسير فهم آيات الله المحكمة فهو يتيح أيضاً الفرصة للتأمل في إعجازه البلاغي والبياني الذي يفوق المعايير اللغوية. ولعلّ هذا ما أشار اليه الرافعي في كتابه الشهير "إعجاز القرآن، البلاغة النبوية" إذ تحدث عن ألفاظ القرآن التي صارت عبر طريقة استعمالها ووجه تركيبها كأنّها فوق اللغة. فالألفاظ في القرآن بحسبه "تظهر في تركيب ممتنع ولهذا ترتفع الى أنواع أسمى من الدلالة اللغوية أو البيانية فتخرج من لغة الاستعمال الى لغة الفهم وتكون بتركيبها المعجز طبقة عقلية في اللغة...". وقد لحظ الرافعي خصائص الألفاظ القرآنية في نظمها الذي ينمّ عن حركاتها الصرفية واللغوية التي "تجري في الوضع والتركيب مجرى الحروف أنفسها فيما هي له من أمر الفصاحة". ويرى الرافعي أن بعضها إنما يهيئ لبعض ويساند بعضاً و"لن تجدها إلا مؤتلفة مع أصوات الحروف، مساوقة لها في النظم الموسيقي".
وقد يكون كتاب الناقد المصري زكي مبارك "النثر الفني في القرن الرابع" خير مرجع حديث لتبيان إعجاز القرآن الذي يمثل الإعراب مدخلاً من مداخله البارزة. وفي نظره أن ليس في اللغة العربية كتاب منثور شغل النقاد مثلما شغلهم القرآن. لكنه يعتبر أن شغل النقاد بالقرآن لم يكن عملاً نقدياً صحيحاً ويقول: "كان مفروضاً في كل مَن يكتب عن القرآن أن يظهر عبقريته هو في إظهار ما خفي من أسرار ذلك الكتاب المجيد". ويتوقف على بعض الخصائص التي انفرد بها القرآن الذي نزل بلغة العرب ففهموه أصدق فهم. يرى مبارك أن القرآن ليس بشعر لأنه خلوٌ من القوافي والأوزان خلواً تاماً على خلاف ما كان قبله وبعده من النثر. ويرى أن نظام الآيات الذي يسمح في الغالب بوقف كامل يستريح عنده نفس القارئ هو نظام يخالف نظام النثر المرسل والسجع وكذلك ضرب الأمثال وسوق القصص ويتوقف عند ظاهرة الابتداء بألفاظ غير مفهومة مثل: ألم، حم، طسم، الر... "الى آخر تلك الفواتح التي اختلف في تأويلها المفسّرون والتي لم يهتدِ أحد الى المراد منها بالتحديد". ويرى أن القرآن "نظم نظماً غنائياً وأن ترتيله كان ملحوظاً في أوضاعه النثرية". والدليل أن بعض آياته ينتهي قبل أن ينتهي المعنى المطلوب. ويشير الى ان ترتيل القرآن أو التغني به كان معروفاً في صدر الإسلام. ويخلص في ما يخلص اليه أن القرآن لا يلتزم السجع إذ أن فيه سوراً قصيرة مسجوعة وكذلك صحفاً مسجوعة من السور الكبار. لكن السجع لا يطّرد فيه. وكثيراً ما يتم الانتقال من السجع الى الكلام المرسل.
قد لا يجوز لمن يتناول إعراب القرآن أن ينساق الى إعجازه وخصائصه اللغوية والبلاغية والأدبية لكنّ قراءة إعراب القرآن تفتح أمام القارئ حقاً، وجوه هذا الاعجاز وأبوابه، ومن هذه الأبواب فصول، كما يقول الرافعي، وفي كل فصل منها فروع ترجع الى أصول. ويكفي العرب أن يقبل القرآن عليهم بوجه تلك البلاغة المعجزة.
* صدر "إعراب القرآن الكريم" عن دار النفائس، بيروت 2001.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.