يخوض السياسيون اليمينيون في تركيا حرباً "وقائية" ضد حملة اليساريين الهادفة الى اعادة الجنسية للشاعر ناظم حكمت قبل الاحتفال السنة المقبلة بالمئوية الأولى لولادته التي تحييها وزارة الثقافة مع اليونيسكو. جمع اليساريون نصف مليون توقيع وسط حرج اتراك كثر من اعتبار أعظم شاعر في بلادهم شخصاً منبوذاً، وتعمل وزارة الثقافة بحماسة على "استعادة" الشاعر الذي ثوّر الشعر التركي في الثلاثينات باستعمال الألفاظ العامية والتخلي عن الأوزان. وبينما يؤيد رئيس الوزراء بولنت اشيفيت، وهو شاعر ومترجم، الحملة يرفض الوزراء الذين ينتمون الى الحزب القومي التوقيع على مرسوم باعادة الجنسية الى حكمت علماً ان القانون يقضي بموافقة كل أعضاء الحكومة عليه. "كان ضد اناتورك وضد الدولة" قال وزير الاتصالات "ولن أعيد الجنسية الى من كان خائناً". انتمى حكمت الى الحزب الاشتراكي وتوفي في منفاه في موسكو العام 1963 لكنه غنّى تركيا على رغم تعرضه للاضطهاد: "أحب بلادي، تأرجحت في اشجارها الباسقة وتمددت في سجونها. ولا شيء يزيل كآبتي مثل أغاني بلادي وتبغها". انتج بغزارة وكتب الكثير في المنفى والسجن الذي عاد اليه في 1938 لتحريضه الطلاب العسكريين على التمرد في كتاباته. بعد أحد عشر عاماً طالبت لجنة دولية ضمت الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر والفنان الاسباني بابلو بيكاسو باطلاقه فخرج من السجن في 1950 في عهد حكومة جديدة أصدرت مرسوماً بالعفو العام عن السجناء السياسيين. لكنه بقي معرضاً للخطر وتلقى تهديدات بالقتل لانتقاده النظام فهرب الى رومانيا تاركاً أسرته في بلاده، وما لبث ان تزوج ثانية في موسكو. دافع شعره عن الضعفاء والمستغلين سياسياً، وحكى خسارته ووجعه من الابتعاد عمن يحب. في قصيدة كتبها لزوجته من السجن لا يعصرن الكتابة فقط بل الحزن أيضاً: "تقولين: "اذا شنقوك، اذا خسرتك، سأموت"، ستعيشين، يا عزيزتي، وستختفي ذكراي كالدخان الأسود في الريح. بالطبع ستعيشين يا سيدة قلبي الحمراء الشعر: في القرن العشرين يدوم الحزن غالباً سنة واحدة". ترجم شعره الى خمسين لغة لكنه لم يطبع أو يبع علناً في بلاده بين 1938 و1965، وفي 1959 جرّد من جنسيته لاتهامه بالخيانة. المعجبون به يدينون "عقلية رجل الكهف" بين السياسيين اليمينيين، ويرون انه كانت تجب اعادة رفاته منذ زمن طويل ودفنها في قرية اناضولية تنفيذاً لوصيته. الشاعر اتاوول بيراموغلو يقول ان حكمت "مشهور في العالم كله ولا يحتاج الى اعتراف بذلك، لكن الجمهورية التركية هي التي تحتاج اليه". وكتب ناظم حكمت في "الوصية الأخيرة" 27 نيسان ابريل 1953، موسكو يقول: "يا رفاق، اذا لم أعش لأرى اليوم - أعني اذا مت قبل مجيء الحرية - خذوني وادفنوني في مقبرة قرية في الاناضول. ليتمدد العامل عثمان الذي أمر حسن بك بقتله على جانب وعلى الجانب الآخر الشهيدة عائشة التي وضعت طفلها في الجاودار وماتت بعد أربعين يوماً. تمر الجرارات والأغاني تحت المقبرة - في ضوء الفجر، ناس جدد، رائحة البنزين المحترق، حقول مشاعة، مياه في الأقنية، لا جفاف أو خوف من الشرطة. لن نسمع بالطبع هذه الأغاني: الموتى ينامون ممددين تحت الأرض ويهترئون كالأغصان السوداء، صمّ، بُكم وعميان تحت التراب. لكنني غنيت هذه الأغاني قبل ان تكتب، شممت رائحة البنزين المحترق قبل وضع برنامج الجرارات. أما جاريّ، العامل عثمان والشهيدة عائشة، فأحسّا بالشوق العظيم وهما حيّان، ربما من دون ان يعرفا. يا رفاق، اذا مت قبل ذلك اليوم - وذلك يبدو محتملاً أكثر فأكثر - أدفنوني في مقبرة قرية في الأناضول، واذا كانت هناك شجرة بسيطة مفيدة واقفة على رأسي، لن أحتاج الى حجر أو غيره".