} تمثل صناعة البتروكيماويات حجر الزاوية في استراتيجية تنويع الموارد الاقتصادية في المملكة العربية السعودية التي تهدف الى تقليل الاعتماد المكثف لاقتصادها على عائدات النفط المتذبذبة، وتحويله اقتصاداً متعدد الموارد. وكان احد اهم الخطوات في هذا الاتجاه تأسيس "الشركة السعودية للصناعات الأساسية" سابك التي تملك الحكومة 70 في المئة من اسهمها عام 1976، لتأخذ على عاتقها مهمة تصنيع البتروكيماويات الأساسية والوسيطة. شهدت صناعة البتروكيماويات في السعودية منذ منتصف السبعينات نمواً كبيراً يعبر عنه تحقيقها اعلى نسب نمو مقارنة بقطاع الصناعة التحويلية عموماً. اذ حققت خلال الفترة 1995 - 2000 نسبة نمو سنوي قدرها 8.2 في المئة مقارنة ب 4.9 في قطاع الصناعة التحويلية. ونتيجة لذلك النمو، اصبحت حصة المملكة تشكل حاليا نحو خمسة في المئة من إجمالي الانتاج العالمي للبتروكيماويات. ويتجسد نجاح صناعة البتروكيماويات في تحقيق اهداف الحكومة السعودية من خلال استعراض اسهاماتها في الاقتصاد الوطني والتي تمثلت في ما يأتي: حققت قيمة مضافة قدرها 3.4 بليون ريال عام 1995 يتوقع ان ترتفع إلى 6.4 بليون ريال عام 2000، فيما كانت مساهمة صناعة البتروكيماويات في اجمالي الناتج المحلي عام 1995 بليون ريال يتوقع ان ترتفع إلى نحو ستة بلايين ريال عام 2000. تمكنت من فتح اسواق تصدير خارجية في أكثر من 100 بلد، ومثلت البتروكيماويات عام 1998 ثالث اكبر الصادرات السعودية بعد النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة. اذ بلغت نسبة المنتجات البتروكيماوية 6.7 في المئة من إجمالي الصادرات السعودية، محتلة بذلك المرتبة الثالثة بعد النفط الخام الذي مثلت صادراته 68.8 في المئة والمنتجات النفطية المكررة التي مثلت 15.5 في المئة من اجمالي الصادرات السعودية. وفرت فرص عمل مجدية اقتصاديا، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة نتيجة دخول أعداد متزايدة من الشباب السعودي إلى سوق العمل. فعلى سبيل المثال، توظف "سابك" وحدها نحو 16 ألف موظف تبلغ نسبة السعوديين بينهم 75 في المئة. بدايات إنتاج البتروكيماويات يشكل تشغيل مجمع "شركة الرازي" إحدى شركات "سابك" لإنتاج الميثانول في مدينة الجبيل الصناعية عام 1983 بداية انطلاقة النمو القوية لصناعة البتروكيماويات السعودية. ومنذ ذلك الحين واصلت "سابك" مسار التوسع والنمو لتصبح اليوم، ليس المنتج الرئيسي للبتروكيماويات في المنطقة فحسب، بل احدى أكبر 25 شركة كيماويات عالمية. ولابد من الإشارة إلى أن صناعة البتروكيماويات في المملكة تدين بالفضل لخادم الحرمين الشريفين الذي خالف توصيات الجهات الاستشارية، عندما كان وليا للعهد، والتي أجمعت على عدم جدوى الاستثمار في مجال البتروكيماويات. وترجمة لهذه الرؤية، هيأت حكومة المملكة بنية تحتية في مدينتي الجبيل وينبع باستثمارات تجاوزت ال20 بليون دولار، وعملت على توفير الموارد الأولية لمنتجي البتروكيماويات في المملكة بأسعار تنافسية، كما قدمت لهم حوافز تمويلية. وإضافة الى ذلك جاءت نشأة هذه الصناعة ونموها نتيجة للعوامل الآتية: أولاً: سعي المملكة الى تعظيم القيمة المضافة لما تمتلكه من احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي والتي تشكل خامس أكبر احتياطات مثبتة في العالم، وتبلغ في الوقت الحاضر نحو 204 بلايين قدم مكعب 34 في المئة منها على هيئة غاز مصاحب. ثانياً: انخفاض درجة غليان الغاز الطبيعي المصاحب، الأمر الذي يجعل نقله غير مجد اقتصاديا. ونتيجة لذلك فإن الخيارات المتاحة للتعامل معه، هي إما حرقه في الجو أو استخدامه كوقود، أو إعادة حقنه في حقول النفط. وكل من هذه الخيارات يولد قيمة اقتصادية بسيطة أو سلبية في بعض الأحيان. ثالثاً: توفر سيولة مالية كبيرة - يتطلبها قيام هذه الصناعة الكثيفة رأس المال - لدى حكومة المملكة نتيجة تصحيح أسعار النفط الخام مطلع السبعينات. التحديات المستقبلية منذ انطلاقها واجهت صناعة البتروكيماويات السعودية تحديات عدة اختلفت بإختلاف المرحلة الزمنية. ففي السنوات الأولى من عمرها، كان أبرز التحديات يتمثل في إعداد الكفاءات البشرية الوطنية القادرة على التعامل مع تقنيات التصنيع المتقدمة. أما حاليا، فتواجه الصناعة مجموعة من التحديات الخارجية والداخلية. ويأتي في مقدم التحديات الخارجية: التشريعات البيئية والتطورات التقنية واثرها في كلفة الإنتاج. أما في ما يتعلق بالتحديات الداخلية التي تواجه الصناعة ففي المقدم منها: استمرارية الميزة التنافسية التي تتمتع بها الصناعة والحاجة لاستثمارات ضخمة لتطوير قاعدة تقنية محلية ولرفع كفاءة البنية التحتية في مدينتي الجبيل وينبع. وفي ما يأتي عرض لأبرز التحديات التي تواجهها صناعة البتروكيماويات السعودية وتشمل: 1- استمرارية الميزة التنافسية: كان للميزة التنافسية التي يتمتع بها منتجو البتروكيماويات الأثر الأكبر في ما حققته هذه الصناعة من نجاحات تجارية في الفترة السابقة، وفي الوقت نفسه يتمثل التحدي الرئيسي للصناعة السعودية في المستقبل في كيفية الحفاظ على هذه الميزة والبناء عليها. ويمكن إرجاع الميزة التنافسية التي تتمتع بها صناعة البتروكيماويات السعودية بصورة أساسية إلى انخفاض معدل التكاليف المتغيرة تكاليف المواد الأولية والوقود، وإلى انخفاض معدل التكاليف الثابتة اقتصاديات وفورات الحجم. ونظراً الى كونها تمثل المكون الرئيسي من تكاليف الإنتاج الكلية للبتروكيماويات، اذ تصل إلى نحو 50 في المئة من تلك التكاليف، فإن كلفة الموارد الأولية تعتبر عماد الميزة التنافسية لمنتجي البتروكيماويات في المملكة. ويعكس سعر بيع الغاز الطبيعي الإيثان والميثان إلى منتجي البتروكيماويات في المملكة، وفرته من جهة وعدم وجود كلفة مباشرة لإنتاجه من جهة أخرى كونه منتجاً ثانوياً يتم الحصول عليه عرضيا أثناء استخراج النفط الخام ونظرا الى عدم وجود استخدامات مجدية اقتصادياً للغاز المصاحب عند فوهة البئر المنتجة، فأن استغلاله كلقيم في الصناعات البتروكيماوية يمثل أفضل الخيارات الأقتصادية المتاحة. ووفق هذا المنظور يباع الإيثان والميثان لمنتجي البتروكيماويات في المملكة بسعر 75 سنتا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة بنحو خمسة دولارات في الولاياتالمتحدة خلال الربع الأول من سنة 2001. وبرزت في الآونة الأخيرة بعض الدلالات التي تشير الى أن الميزة التنافسية المبنية على انخفاض التكاليف المتغيرة بدأت تضعف، ومن أبرز تلك الدلالات: ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى نحو 140 في المئة عن مستوياتها في عام 1995 اذ تبلغ تسعيرة الكهرباء في الوقت الحاضر للأغراض الصناعية 12 هللة لكل كيلواط/ساعة بعدما كانت خمسة هللات عام 1995، ورفع اسعار الغاز عام 1998 بنسبة 50 في المئة إلى 75سنت/مليون وحدة حرارية بريطانية والتي نتج عنها زيادة سنوية مقدراها 83.9 مليون دولار لتكاليف الأنتاج في "سابك" في ذلك العام. والتساؤل الذي يبرز في هذا الشأن هو: ما هو السقف الأعلى لاسعار الغاز الذي عند تجاوزه يتم الإضرار بالقدرة التنافسية لصناعة البتروكيماويات السعودية؟ وللإجابة عن هذا السؤال يمكن الجزم بأن مستوى الأسعار الجديد للغاز لم يكن له أثر يذكر على مقدرة "سابك" التنافسية حتى الآن، ولكن في المدى البعيد ربما تكون لسياسة تسعير الغاز انعكاسات أكبر. وما يجعل هذا الاحتمال قائما الطلب الكبير على الغاز الذي يتزايد في المملكة بنسبة سبعة في المئة سنويا والذي تقابله محدودية مصادر غاز الإيثان - اللقيم الأكبر طلبا لصناعة البتروكيماويات - بسبب ارتباط معدلات إنتاج الغاز المصاحب بمستويات إنتاج النفط الخام والذي يحدد بدوره وفقا لنظام الحصص الذي تلزم به الدول الأعضاء في منظمة "اوبك". ولمعالجة هذه المشكلة برزت في الفترة الماضية المبادرات الآتية: بدأت ارامكو السعودية عام 1997 تنفيذ برنامج كلفته اربعة بلايين دولار لتوسيع طاقة شبكة الغاز الرئيسية، وتم التوقيع في كانون الاول ديسمبر 1998 على عقد بناء رابع مصنع في الحوية لمعالجة 1440 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الحر غير المصاحب المستخرج من حقل خوف. وباكتمال هذه التوسعة من المتوقع أن ترتفع طاقة الشبكة من أقل من خمسة بلايين قدم مكعب يوميا عام 1999 إلى أكثر من 6.6 بليون قدم مكعب يوميا سنة 2001. التفكير في استغلال حقول الغاز الطبيعي الحر غيرالمصاحب التي لا ترتبط بمقتضيات الالتزام بنظام حصص "أوبك"، وهذا التوجه جسدته دعوة المملكة مطلع العام الماضي ل12 من كبرى شركات النفط والغاز الأجنبية المهتمة بالاستثمار في مجال استكشاف وإنتاج الغاز من ثلاث مناطق هي: جواهر الجنوبية والبحر الأحمر وشيبة. وقدمت الشركات المدعوة عروضا لاستثمار بلايين الدولات لإنتاج الغاز ومعالجته وبناء ثلاث محطات لتوليد الكهرباء ومحطتين لتحلية المياه سيبت فيها خلال الربع الأول من سنة 2001 من قبل المجلس الأعلى للبترول والمعادن. الشروع في التوليد الذاتي للكهرباء من قبل عدد من المصانع المنتجة للبتروكيماويات. اذ أعلنت شركة "صدف" إحدى شركات "سابك" المباشرة في إقامة مشروع لتوليد الكهرباء ذاتيا بطاقة تصل إلى 150 - 200ميغاوات، وبكلفة تصل إلى 150 مليون دولار. ومن المتوقع أن تحذو شركات أخرى حذو "صدف" في التوليد الذاتي للطاقة في المستقبل المنظور. 2- خفض التكاليف: يمثل خفض النفقات احد السبل التي تعزز القدرة التنافسية لمنتجي البتروكيماويات في العالم. وتأسيسا على ذلك عملت "سابك" في اتجاهات عدة لخفض النفقات التشغيلية والإدارية والتسويقية. ونجحت بالفعل في خفض المصروفات الإدارية والعمومية بنسبة ثلاثة في المئة عام 2000، وتحققت هذه الوفورات من خلال اتخاذ عدة خطوات، أبرزها: إعادة هيكلة التنظيم الإداري على أساس المنتجات وفق النظام وحدات العمل الاستراتيجية والتي قسمت فيها الشركة إلى خمس مجموعات رئيسية تتمتع باستقلالية مالية وتكون مسؤولة عن تحقيق أهدافها الإنتاجية والتسويقية. دمج وحدات العمل المتشابهة كما في دمج عمليات شركات "سافكو" و"سماد" و"بتروكيميا" و"ابن حيان". توحيد العمليات المشتركة لكل شركات "سابك". استخدام أنظمة الحاسب الآلي للربط المباشر بين شركات "سابك"، ودمج الأعمال في قطاعات الموارد البشرية والمالية والمشتريات والعقود والصيانة، ما يؤدي إلى تقليل تكاليف إنجاز الأعمال من خلال توفير الوقت وتجنب الأعمال المكررة أو اليدوية. وعلى رغم الإجراءات المتخذة لخفض النفقات في "سابك" خلال الاعوام الأخيرة إلا أن نسبة المبيعات ارتفعت من 67 في المئة عام 1997 إلى 78 في المئة في الأعوام 98 - 1999، ومن ثم انخفضت إلى 69 في المئة من إجمالي المبيعات عام 2000. والملاحظ أن نسبة المبيعات عام 1998، الذي بدأ فيه تطبيق سياسة خفض التكاليف، كانت المبيعات فيه منخفضة قياسا بمستواها عام 1997. ومع ذلك فإن نسبة تكاليف المبيعات ارتفعت عن مستواها في عام 1997، وحافظت على المستوى نفسه عام 1999 الذي شهد ارتفاعا في حجم المبيعات ثم عادت وانخفضت عام 2000 الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في حجم المبيعات بلغت 29 في المئة من مستواها عام 1999. وبمعنى آخر فإن التكاليف لا تزال عالية مقارنة بمستواها قبل تطبيق سياسة خفض النفقات في هذا البند، الأمر الذي يعتبر مؤشرا الى أنهالم تحقق المطلوب، وبالتالي فإن هناك حاجة الى اعادة النظر فيها في الفترة المقبلة. ومع أن عملية خفض التكاليف فرضها التراجع الحاد في مبيعات "سابك" وأرباحها عام 1998، إلا أن الملاحظ أنها أخذت اتجاهين متلازمين، الأول: أنها تتم من دون المساس ،إلا أن الملاحظ أنها أخذت اتجاهين متلازمين، الأول: أنها تتم من دون المساس بجودة المنتج النهائي أو معايير السلامة في الوحدات الإنتاجية، والثاني: انها تمثل توجها مستمرا غير مرتبط بفترة محددة، فهي صارت نهجا ثابتا لمواجهة التذبذب في اسعار البتروكيماويات السعودية في ضوء المنافسة المتعاظمة التي تواجهها من جهة اخرى . 3- حظر المثيل ثلاثي بيوتيل الأثير في الولاياتالمتحدة: تستخدم مادة المثيل الثلاثي بيوتل الإثير mtbe بصفة أساسية في المصافي النفطية، حيث تضاف الى الغازولين بدل مركّبات الرصاص لرفع الرقم الأوكتيني، والحد من تلوث البيئة جراء مركّبات الرصاص الضارة التي تنفثها عوادم السيارات. وتزايدت استخدامات هذه المادة بصورة واسعة في ظل التشريعات الحكومية في كثير من البدان المنادية بالمحافظة على البيئة. وخلال عام 1999 أثيرت مطالبات بحظر استخدام هذه المادة في ولاية كاليفورنيا بعد حدوث تصدع في بعض خزانات المصافي النفطية هناك، ما أدى إلى تسرب كميات محدودة منها إلى المياه الجوفية بلغت 40 جزءاً في المليون. وقررت الولاية بالفعل وقف التعامل التدريجي بهذه المادة، وصولا إلى حظر استخدامها في مطلع سنة 2002. ويرى بعض المحللين أن هناك أسبابا أخرى وراء القرار قد تكون سياسية أو اقتصادية ويحركها بعض منتجي المواد المنافسة الأخرى لدعم فرص منتجاتهم، على رغم إدراك الجميع أهمية هذه المادة لحماية البيئة وتنقية الهواء. ويأتي في طليعة البدائل المقترحة الإيثانول والأيزواوكين، والأول يحظى بدعم فيديرالي قدره 54 سنتاً/ غالون إضافة إلى دعم الولاية. وتنبع أهمية هذا القرار من حجم طلب ولاية كاليفورنيا من هذه المادة الذي يمثل مانسبته 14 في المئة من إجمالي الطلب العالمي. وستتضاعف آثار هذا القرار على منتجي هذه المادة إذا ما حذت ولايات أخرى حذو كاليفورنيا. فالسوق الأميركية هي الأكبر، ويمثل حجم الطلب فيها نحو 55 في المئة من إجمالي الطلب العالمي. وهذا الاحتمال أصبح قائماً بعدما دعت وكالة حماية البيئة الأميركية epa في آذار مارس 2000 إلى التقليل التدريجي من استخدام مادة المثيل ثلاثي بيوتيل الأثير وصولا إلى حظرها وتعزيز دور البدائل. جدير بالذكر أن الطاقات الإنتاجية الحالية ل"سابك" من مادة المثيل ثلاثي بيوتيل الأثير تشكل ما نسبته 12 في المئة من إجمالي الطاقات العالمية، اذ تصل إلى 2.7 مليون طن سنوياً تنتجها شركاتها: "ابن زهر" و"ابن سينا" و"صدف". ويشكل حظر استخدام هذه المادة أحد التحديات المهمة ل"سابك"، ليس لأنها صدرت 93 في المئة من إجمالي إنتاجها من مادة المثيل ثلاثي بيوتيل الأثير عام 1999 فحسب، بل أيضا لأن انحسار الطلب على هذه المادة سيؤدي في المقابل إلى ضعف الطلب على الميثانول الذي يتم استهلاك 17 في المئة من إجمالي إنتاجه العالمي في تصنيع المثيل ثلاثي بيوتيل الإثير وبالتالي قد يؤدي حظر استعمال هذه المادة إلى تراجع أسعار الميثانول نتيجة لزيادة العرض على الطلب. ولمواجهة احتمال حظر هذه المادة في الأسواق الأميركية التي تعتبر أحد أهم اسواق "سابك" بدأت هذه الاخيرة تبني استراتيجية تنويع الأسواق من خلال زيادة حصص صادراتها الى اسواق أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط الى جانب السوقين المحلية والخليجية. وفي هذا الإطار وقعت "سابك" مع "أرامكو السعودية" عقدا مدته ثلاث سنوات لتزويدها 400 ألف طن متري سنويا في إطار توجهات المملكة للتوسع في استخدام البنزين الخالي من الرصاص تطبيقا لقرار قمة دول مجلس التعاون في ابو ظبي عام 1998 والتي قررت أن تتحول جميع دول المجلس إلى استخدام البنزين الخالي من الرصاص قبل نهاية 2002. في مقابل ذلك هناك دلائل متزايدة ترجح أن يأخذ حظر هذه المادة في الأسواق الأميركية وقتا طويلا، نظراًَ الى ان الأمر يتطلب توفير المادة البديلة للكميات المستهلكة نفسها من المثيل ثلاثي بيوتيل الإثير، والتأكد من جدوى هذه المادة البديلة من الناحية الأقتصادية، وكذلك لجهة ملاءمتها لأوضاع مصافي النفط والتعويضات التي ستقدم لها لتحوير مصانعها لإنتاج البديل. وهذه الإشكاليات ترجح أن تستغرق عملية توفيرالبدائل في ما إذا حصل الحظر الكامل على استخدام هذه المادة بين ثلاث وست سنوات على الأقل. إضافة إلى ذلك فأن الاسواق الأوربية لا تبدي أي مؤشر على الحذو حذو الولاياتالمتحدة في حظر هذه المادة على رغم أن هذا التوجه هو المتبع في العادة. ففي أوروبا هناك تركيز أكبر على التخلص من الرصاص في الغازولين وبالتالي فإنها قد تشكل بديلا - جزئيا على الأقل - لاحتمال خسارة السوق الأميركية بالنسبة ل"سابك". يعتبر تطلع صناعة البتروكيماويات السعودية لنفاذ منتجاتها الى الأسواق العالمية احد اهم الاسباب الكامنة وراء سعي المملكة إلى الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية. وعلى رغم أن الآثار الكاملة للمنظمة على التجارة العالمية لن تعرف قبل سنة 2005، وهي المهلة التي منحت للدول الأعضاء للتدرج في رفع القيود والحواجز الجمركية في درجة التجارة العالمية، إلا انه يتوقع ان تساعد عضوية المملكة في هذه المنظمة في تحسين مركز صناعة البتروكيماويات السعودية في الأسواق العالمية. وفي الواقع فإن الفوائد التي ستجنيها المملكة من الانضمام إلى هذه المنظمة ليست هي القضية، بقدر ما تشكله هذه الخطوة من تحديات سيواجهها منتجو البتروكيماويات السعوديون في مرحلة لاحقة، والتي تتمثل بما يأتي: أولا: يثار في المفاوضات الجارية لتحديد شروط انضمام المملكة إلى منظمة التجارة الدولية جدل يقف وراءه منتجو البتروكيماويات في أوروبا وأميركا، ويتركز على أن الأسعار التنافسية للغاز الطبيعي التي تقدمها لمنتجي البتروكيماويات تشكل دعما لا يتماشى مع قواعد المنافسة العادلة التي تتبناها منظمة التجارة. وهذه الادعاءات تشعل اسعار الميثان والإيثان اللذين يباعان للمنتجين المحليين ب75 سنتا/ مليون وحدة حرارية بريطانية، وغاز النفط المسيل الذي يباع بسعر يقل بنسبة 30 في المئة من أقل سعر حصلت عليه "ارامكو السعودية" خلال الفصل المنصرم. لكن تحليل هذا الدعم في ضوء اتفاقية منظمة التجارة الدولية وما جاء فيها حول سياسات الدعم والحوافز المسموح بها ترجح أن تلك الاعتراضات غير موضوعية. ويعود ذلك الى كون أسعار الغاز الطبيعي تعكس كلفة إنتاجية متدنية في المملكة كونه غازاً مصاحباً ينتج كناتج عرضي عند إنتاج النفط الخام. أما الحسم الممنوح على أسعار غاز النفط المسيل فيمثل التكاليف الاضافية على تخزينه وتسويقه في ما لو تم بيعه في الأسواق الخارجية. ثانياً: عند قبول عضويتها في المنظمة ستكون ملزمة الخفض التدريجي للتعريفة الجمركية التي تفرضها على واردات البتروكيماويات في الوقت الحاضر وصولا إلى رفعها بحلول سنة 2005. وهذا الأجراء يعني أن المملكة ستفتح أسواقها امام منتجات البتروكيماويات وتقليل هامش المنتجات المسوقة محلياً. ثالثاً: يستوجب الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية فتح الباب أمام ملكية الشريك الأجنبي ل100 في المئة من المشروع اضافة إلى حصوله على كل المزايا وبالشروط نفسها التي تحصل عليها الشركات الوطنية من موارد أولية وقروض وغيرها. وهذا ما حصل بالفعل في المملكة من خلال صدور قانون الاستثمار الأجنبي الذي استبق انضمام المملكة إلى منظمة التجارة الدولية. وإجمالا يمكن القول ان التوجه العالمي نحو فتح الأسواق سيؤدي - بلا شك - إلى زيادة حدة المنافسة التي تواجهها صناعة البتروكيماويات السعودية، وسيكون للمنتجين ذوي كلفة الإنتاج المنخفضة الكلمة الفصل فيها. ومن هذا المنطلق فإن من الأهمية بمكان ان يسعى السعوديون ليس فقط للحفاظ على حصصهم في الأسواق المحلية والعالمية، بل أيضا لفتح أسواق جديدة. ولتحقيق هذه الغاية ينبغي التركيز على أن تبقى المنتجات السعودية ذات مواصفات نوعية تتماشى أو تتفوق على المعايير المقبولة عالمياً. 4- التطورات التقنية: تعتبر صناعة البتروكيماويات من الصناعات ذات الكثافة التقنية العالية وبالتالي فان عمليات تطوير التقنيات المستخدمة وابتكار التقنيات الجديدة تحصل فيها بوتيرة سريعة. وتتضمن عمليات تطوير التقنيات ادخال التحسينات المستمرة عليها بما يقلل تكاليف الإنتاج أو يحسن مواصفات المنتج، أو يؤدي الى انتاج منتجات جديدة، على رغم أن هذه المهمة غالبا ما تركن الى الشركات الأجنبية المرخصة للتقنيات المستخدمة بموجب اتفاقية نقل التقنية المتمثلة في ما يأتي: أولا: الحاجة للتطوير المستمر للتقنيات المستخدمة في الوحدات الإنتاجية القائمة. اذ ان البديل لذلك هو مواجهة احتمال الوصول إلى حالة تؤثر سلبا في القدرة التنافسية لمنتجي البتروكيماويات السعوديين. ثانيا: الحاجة إلى تنويع قاعدة إنتاج البتروكيماويات في المملكة بتطوير تقنيات لإنتاج منتجات جديدة ذات قيمة مضافة عالية، كالكيماويات المتخصصة مثلا، وما يبرر هذا الأمر ويتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية للبحث العلمي على الصعيدين المادي والبشري، فشل محاولات عديدة من قبل منتجي البتروكيماويات السعوديين للحصول على ترخيص لانتاج بعض تلك المنتجات البتروكيماوية لاعتبارات استراتيجية. ثالثا: الابتكارات التقنية الجديدة التي تؤثر في تكاليف الإنتاج، ومنها تقنيات التحويل المباشر لغاز الإيثان او غاز النفط المسيل منتجات بتروكيماوية من دون المرور بالمراحل المختلفة التي تحتاجها حاليا والتي ترفع من كلفة إنتاجها، كتقنية التحويل المباشر للإيثان إلى الفنيل الأحادي vcm . هذه المعطيات تشير إلى ان التحدي الأهم الذي يواجه صناعة البتروكيماويات السعودية في الوقت الحاضر وفي المستقبل على حد سواء يكمن في ضعف القاعدة التقنية المحلية. وهذا الأمر يستدعي مضاعفة الاهتمام بالبحث والتطوير من قبل منتجي البتروكيماويات السعوديين وفي مقدمهم "سابك". اذ ان تلك الاستثمارات لا تزال محدودة ولا توازي ما تنفقه شركات البتروكيماويات العالمية المنافسة. وعلى رغم عدم وجود بيانات رسمية تحدد حجم موازنة البحث والتطوير لدى "سابك" إلا أن مقارنة بسيطة لما تمثله كلفة إقامة مركز الأبحاث الرئيسي في الرياض، والتي بلغت نحو 67 مليون دولار، بصافي أرباح الشركة عام 1997 توضح حجم الاستثمار في هذا الميدان. اذ مثّل مجمل ذلك الإستثمار نحو خمسة في المئة من صافي أرباح الشركة عام 1997 فقط. ومع توسع الشركة في إنشاء مراكز للبحث والتطوير في كل من الجبيل وهيوستن والهند، فمن المؤكد أن ما سيرصد للبحث والتطوير سيأخذ مساراً تصاعدياً. لكن توجه الشركة لخفض النفقات يرجح ألا تكون الأولويات لرفع موازنة البحث والتطوير بصورة كبيرة، بل قد تكون منصبة على تحسين اداء مؤسسات البحث والتطوير باستخدام الموارد المتاحة في الوقت الحاضر مع زيادتها في المستقبل القريب للحاق بمنافسيها من الدول المتقدمة في مجال تطوير التقنيات. * مدير ادارة التنسيق الصناعي، منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، الدوحة.