سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشلالات الهادرة تنفث زبدها في أعماق الأرض وصفحة السماء . "أغواسو" مسطح مائي خرافي في اميركا الجنوبية يجتذب السياح المغرمين بالجمال الطبيعي وصخب المياه
في لغة هنود الغواراني الذين يعيشون في أقصى شمال الأرجنتين يعني تعبير "أغواسو" الذي يعني بالعربية "الماء العظيم". والماء العظيم نهر هائل يبلغ اتساع مداه في نقطة تلتقي فيها حدود البرازيل والارجنتين وباراغواي. وفي تلك المنطقة الحدودية ينتهي النهر الى أكبر شلالات في العالم هي شلالات أغواسو. فور وصولك الى "أغواسو" وهو اسم مدينة سياحية ارجنتينية اقتطعت من الغابة الكثيفة التي تحيط بالنهر، واسم مدينة برازيلية قريبة منها، يستقبلك صوت لا ينقطع حتى مغادرتك للمنطقة، هو صوت الماء الهادر للنهر العظيم القادم من عمق الادغال الكثيفة التي تشكل جزءاً من غابات الامازون، لكن هذا الصوت يأخذ في بعض الاحيان شكل حفيف الشجر واحياناً اخرى يأخذ شكل هدير أو زئير أو أنين عظيم تعبيراً عن ألم لا بد ان يكون عظيماً. في تلك المنطقة الحدودية ما زال يعيش هنود الغواراني موزعين بين الدول الثلاث. وأحفادهم، الذين تقابلهم أينما ذهبت هناك والذين يعمل كثيرون منهم أدلاء سياحيين، ما زالوا قادرين على ان يرووا للسياح حكايات من تاريخهم المليء بالعذاب على أيدي "المبشرين" بالدين المسيحي الذين ارتكبوا المجازر ضدهم في محاولات ل"هداية" أولئك الوثنيين الى الديانة المسيحية، وهو ما سجلته سينما هوليوود في عدد من أفلامها التي ربما كان اشهرها فيلم "البعثة" الذي مثله روبرت دي نيرو عن تلك التجربة القاسية التي تعرض لها هنود الغواراني تحديداً في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وتم التصوير في المنطقة نفسها. صوت الماء الآتي من عمق الادغال يزداد ارتفاعاً كلما توغلت عميقاً في الغابة الكثيفة الاشجار التي تخفي النهر العظيم. لذا أقام كل من البلدان الثلاثة التي ينتشر النهر والشلالات على أرضها ممرات اسمنتية تنتهي مع انتهاء حدود الغابة وبدء تدفق الماء المتساقط من ارتفاعات شاهقة. وقرب هذا الماء المتساقط تمتد الممرات الاسمنتية المحاطة من جانبيها بالحواجز الخشبية أو الحديدية لتحمي السائرين من السقوط. والسقوط هنا يعني الموت المحتم. فالماء الذي يصبح قريباً من المغامرين بالدخول بعيداً والسير فوق الممرات نحو عمق الشلالات ليس رحيماً. انه ماء غاضب يثير الرعب بهديره الشبيه بزئير الاسود الجريحة. والوقوف على بعد مترين أو ثلاثة امتار فقط من الماء المتدفق بقوة هائلة يعطي الناظر شعوراً بضآلة الحياة البشرية التي تعجز عن الوقوف لحظة في وجه هذا التيار المائي العاتي. وعبر الممرات الاسمنتية يمكن التنقل الى مناطق مختلفة من تلك الشلالات الهادرة، لكن ذلك لا يعطي الصورة كاملة لذلك المشهد المهيب للشلالات، فإن كان من الصحيح ان هذه الممرات تمكنك من مشاهدة المياه الهادرة عن قرب لا يزيد في بعض الحالات عن مترين، فإنها في الواقع لا تريك الا جانباً ضئيلاً منها، سواء كان ذلك الجانب من أسفل الشلالات أو من فوقها، اذ يمتد أمام الناظرين نهر هائل المساحة ينطلق محملاً بالطمي من بين أشجار الغابات الكثيفة المتشابكة الاغصان، فيغطي المكان ويواصل سيره حيث يهوي فوق الصخور بقوة هائلة. حنجرة الشيطان ويقود أحد الممرات الاسمنتية الى مكان قريب يشرف على نقطة تلتقي فيها المياه المتساقطة الى الأسفل في ما يشبه الزاوية التي انفرجت قليلاً فاتخذت شكل حنجرة تتجمع فيها المياه لتتهاوى من ارتفاع يصل الى المئة متر، ولكن بسبب ضيق زاوية المثلث فإن جزءاً من المياه يرتد من الأسفل فائراً مرتفعاً أمتاراً عدة الى الأعلى ليغطي برذاذه الزوار الفضوليين الذين أبوا إلا ان يقتربوا من تلك النقطة الخطيرة من الشلال الهادر. وتنبه هنود الغواراني الى وجه الشبه بين تلك النقطة التي يلتقي فيها الماء من كل جانب وبين الحنجرة الضيقة، لكنهم بعقليتهم الاسطورية منحوها مسحة من الخرافة، فقد كان هؤلاء يعتقدون بأن روحاً شيطانية يتلبس المياه في تلك المنطقة، وان تلك النقطة التي تضيق عن استيعاب المياه ما هي إلا حنجرة الشيطان التي تنفث الماء المتجمع فيها كلما تكاثر. لذا فقد اطلقوا على هذه النقطة تحديداً اسم "حنجرة الشيطان". لكن هذه ليست الاسطورة الوحيدة التي حيكت حول المياه الهائلة التي تبدو وكأنها انبثقت من بين الاشجار. وتقول احدى أساطير قبائل الغواراني ان شاباً هندياً أحب فتاة عمياء، وانهما ضلا طريقهما يوماً في الغابة. وبينما هما سائران وصلا الى نقطة انكشفت امامهما المياه فيها بكل جبروتها وعنفوانها. وأمام هذا المشهد الرهيب بدأت الفتاة تبصر وكان أول ما قالته "الماء العظيم". ومن هنا جاء اسم المنطقة "أغواسو". تأتي المياه الى "أغواسو" من البلدان الثلاثة التي ذكرناها عبر نهر حمل الاسم نفسه. وهو نهر يفصل بين تلك البلدان التي توزعت عليها مساقط المياه وعددها نحو 275 مسقطاً. وعلى رغم ان اغلب هذه المساقط موجود في الجزء الأرجنتيني من منطقة الشلالات، فإن الجزء البرازيلي يؤمن للزائر مشهداً اكثر جمالاً وجلالاًَ لتلك الشلالات التي يصل ارتفاعها في بعض الاحيان الى المئة متر كما اسلفنا. وعلى من يود ان يحظى بمشهد باهر الجمال، مشهد يكشف اكبر عدد من مساقط المياه ان يستأجر طائرة هليكوبتر ويطير محلقاً فوق المشهد الرائع ليستمتع بكل تفاصيله، أو ان يعبر الحدود الى البرازيل ومن هناك يشاهد الممرات الاسمنتية وقد تعرجت مخترقة الاشجار حتى كادت تصل الى عمق الشلالات، ومنه يرى الماء المتساقط في حنجرة الشيطان والذي ما يلبث ان تلفظه الهاوية السحيقة بين حين وآخر لتصعد مثل أنفاس شريرة يشق صوتها عنان السماء.