يقول الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور عن المثقف: "انه الشخص الذي يأخذ من الكلام أكثر من اللازم، ليقول بعدها أكثر مما يعرف". قيل هذا الكلام منذ نصف قرن تقريباً، ابان الحملة العشواء التي قادها السيناتور الأميركي جوزف ماكارثي 1950-1954 على المثقفين الذين اتهمهم بالانحياز الى المعسكر الشيوعي. فمنذ ذلك الحين، تبدل دور المثقفين في أميركا، فراحوا يشاركون في الحياة السياسية عن قرب، وحتى في الأمور العسكرية. فبعد النووي الذي افتقرت الى تجاربه وتراكماته المكتبة العسكرية التقليدية، خسر العسكر مكانهم في عملية صنع القرار السياسي. وحلّ مكانهم المنظرون المدنيون الذين يضعون السيناريوات والاستراتيجيات للحروب المحتملة. فكان مفهوم "الرد الشامل" مع ايزنهاور، و"الرد المرن" مع كيندي. وظهر الكثر من المفكرين، كبرنارد برودي، وهيرمان كان، وأخيراً وليس آخراً، هنري كيسنجر. هذا لجهة تبدل وضع المثقف الأميركي. فماذا عن المثقف العربي، تجاه الوضع القائم من الصراع العربي - الإسرائيلي؟ وماذا عن دور المثقف الإسرائيلي في عملية اتخاذ القرار، أو التأثير عليه؟ يبدو المثقف اليهودي الصهيوني، أكثر قرباً وتأثيراً في عملية صنع القرار السياسي في بلده، من المثقف العربي. اذ يكفي مثلاً الدخول الى أية شبكة انترنت، لأي معهد استراتيجي اسرائيلي بهدف الاطلاع على الافكار أو الاقتراحات المطروحة، من قبل الدارسين في ما خص السلم أو الحرب، فلحظ تقريباً التماهي بين هذه الأفكار، وبين السلوك السياسي الإسرائيلي الرسمي. أما المثقف العربي، فتبدو عليه الدهشة كلما صدر تقرير عن أي معهد، يتناول الصراع العربي - الإسرائيلي. آخره كان تقرير "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى". وسبقه منذ عامين، تقرير "معهد جافي" حول موازين القوى بين إسرائيل والعرب، وعلاقته بالعملية السلمية. وقد يعود هذا الأمر الى عدم قدرة المثقف العربي المفكر الاستراتيجي في التأثير، أو المشاركة في عملية اتخاذ القرارات، وليس لعدم كفايته. ويعود هذا السبب الى احتكار الحاكم العربي السلطة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، من دون سواه من عناصر المجتمع باستثناء البطانة المقربة. تبدو الدهشة الحالية والخوف إذا صح التعبير، من امكان وصول زعيم اليمين الاسرائيلي ارييل شارون الى السلطة في إسرائيل، خصوصاً وانه يتقدم على منافسه رئيس الحكومة ايهود باراك بحوالى 20 نقطة. ما المخيف في وصول شارون؟ يتمثل الخوف لدى العرب وبعض دول العالم من وصول شارون الى السلطة، بأمرين مهميّن. الأول، في تاريخه وسيرة حياته، التي قضاها تقريباً في قتال العرب. الثاني، في نظرته الى الصراع العربي - الإسرائيلي، وكيف يرى الحلّ المستقبلي لصراع القرن؟ ولد شارون في العام 1928. انضم الى الهاغانا في العام 1945. قاتل خلال حرب الاستقلال 1948-1949 كآمر فصيلة. عُيّن قائداً للوحدة 101 عام 1953، التي هاجمت قرية قبية في الضفة الغربية، ودمرت 45 منزلاً وقتلت 69 فلسطينياً نصفهم من الأطفال والنساء. خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، اقترف خطأً عسكرياً في ممر متلا في سيناء، أنّب عليه. تابع دورة أركان عام 1957 في انكلترا. عام 1967 شارك في حرب الأيام الستة، نال الثناء على اثرها، وعُيّن قائداً للجبهة الجنوبية، فاهتم بتحصين خط بارليف. في العام 1973، وعندما تيقن ان لا حظ له في مركز رئيس الاركان، استقال وتعاطى السياسة، وكان له الأثر الكبير في تأسيس حزب الليكود. استدعي للخدمة عقب اندلاع حرب تشرين الأول اكتوبر، وعُيّن قائداً لفرقة مدرعة في سيناء. ويعود له الفضل الكبير في تطويق الجيش المصري الثالث الدفرسوار، الوضع الذي قلب موازين القوى لصالح إسرائيل. انتخب عضواً في الكنيست عقب انتهاء الحرب، استقال بعد سنة فقط. ومن العام 1975 حتى آذار مارس 1976 عمل مستشاراً خاصاً لرئيس الوزراء في حينه اسحق رابين، عينه مناحيم بيغن وزيراً للدفاع في حكومته الثانية عام 1981. بعد تعيينه بشهرين، أعطى أوامره للاركان باعداد خطط الاجتياح للبنان. في 6 حزيران يونيو 1982، بدأت عملية "سلامة الجليل"، ودخل العاصمة بيروت، على رغم ممانعة حكومته التي اعتبرت ان الهدف من العملية العسكرية كان في ابعاد الفلسطينيين مسافة 45 كلم عن الحدود. بعد مقتل الرئيس المنتخب بشير الجميل، وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا، واعتبر مسؤولاً عنها من قبل لجنة التحقيق كاهان. في شباط فبراير 1983، نزعت منه حقيبة الدفاع وأصبح وزيراً من دون حقيبة. وهو الآن مرشح حزب الليكود لمنصب رئيس مجلس الوزراء. انها بالفعل مسيرة مليئة بالدم. لكن المثير في الموضوع هو في موقعه كمرشح لرئاسة الوزراء، على رغم هذه السيرة التي تناقض كل الاعراف القانونية والانسانية. انه لا يصافح عرفات. ولا يتصل بشريك السلام الرئيس حسني مبارك، مع انه ضمن فوزه تقريباً في الانتخابات. لا بل يوجه الى مصر تهديدات عبر حليفه افيغدور ليبرمان، بضرب سد اسوان في حال وقوع حرب في المنطقة. وطبعاً فهو لن يستدير نحو الشمال الجولان فهو الضمانة لأمن اسرائيل، على المديين القريب والبعيد. لذلك علينا أن نتوقع رئيساً لوزراء اسرائيل، لا يجيد الا لغة الحرب، أما الديبلوماسية فهي من خصال الضعفاء كما يقول. انه البولدوزر الذي فقد ابنه عندما كان يلهو بمسدس والده، فراح ينتقم من أطفال الغير. في نظرته للسلم، لا يمكن فهم نظرة شارون للسلم في المنطقة، الا اذا استعرضنا تاريخ المشاريع السلمية في المنطقة. فهي أي المشاريع كانت دائماً متشابهة في المضمون، مع بعض التعديلات كي تتناسب مع المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة، ومع ما تكون توصلت اليه التكنولوجيا في المجال العسكري. أتى مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول عام 1965، عندما اعتبر انه لا يوجد شريك للسلام سوى الأردن. فقام المشروع على: الاحترام المتبادل بين الافرقاء، الانطلاق من هدنة 1949 كنقطة أساس للتفاوض المباشر بين الموقّعين عليها، لا تعديل في الوضع الجغرافي لإسرائيل، لا تعديل ديموغرافي، الفلسطينيون حيث هم، وتستوعب إسرائيل اليهود الذين هُجروا من الدول العربية، تحتفظ إسرائيل بمنطقة عازلة على طول خط وادي الأردن بعرض 10- 15 كلم، مدينة غزة هي المرفأ الفلسطيني، السماح بحرية التنقل، وفتح الأماكن المقدسة.بعد مشروع أشكول، وعقب حرب 1967، قدم نائب رئيس مجلس الوزراء ايغال آلون مشروعه عام 1967. ويعتبر آلون من المفكرين العسكريين المميزين. ركز آلون على أهمية "الحدود الآمنة"، فاقترح ضم ثلث الأراضي في الضفة، وغزة، اضافة الى كل القدس، وكل الجولان، لا دولة فلسطينية، بمعنى الدولة، والمفاوضات تجرى مع الأردن، لا عودة للاجئين. فالمشروع وضع عندما كانت الجيوش العربية صغيرة، ولم يكن هناك صواريخ بالستية، وأسلحة دمار شامل. بعد آلون، أتى مشروع رابين للسلم في المنطقة مستنداً الى المتغيرات على الصعيدين العالمي والاقليمي. فعلى الصعيد العالمي، كان انهيار الاتحاد السوفياتي الحدث الأكبر الذي جعل العرب من دون شريك دولي يحميهم. أما على الصعيد الاقليمي فكانت حرب الخليج، التي أدت الى خروج العراق من ساحة المواجهة، بعد ان سبقه كل من مصر والأردن. اضافة الى الخلل في موازين القوى في شكل كبير لصالح اسرائيل. اعتبر رابين ان هناك "نافذة" يمكن ان تؤدي الى سلام مقبول من كل الافرقاء في المنطقة. فكان اتفاق أوسلو، الذي هو في المضمون نسخة مطابقة في الجوهر لكل المشاريع التي سبقته. أما المتغيرات فهي شكلية، وحل شعار "الأرض مقابل المال"، بدلاً من شعار "الأرض مقابل السلام". ولكن الجديد في هذا المشروع، هو قبول إسرائيل بمشروع دولة فلسطينية، مع تأجيل البحث بوضع القدس واللاجئين، الى مفاوضات الوضع النهائي. استكمالاً لأوسلو، أتى مشروع نتانياهو "آلون - زائد" Allon-Plus، وقام على الآتي: الاحتفاظ بالقطاع الأمني على ضفاف نهر الأردن بعرض 15 كلم، توسيع حاضرة القدس لتشمل المستوطنات المحيطة بها التي تشكل حاجزاً دفاعياً إذا لزم الأمر، تقطيع الوجود الفلسطيني في الضفة عبر زرع المستوطنات، وانشاء أربع طرق رئيسة باتجاه غرب - شرق تربط إسرائيل بوادي الأردن، عزل فلسطينيي 1948 عن عرب الضفة عبر توسيع السيادة الإسرائيلية داخل الخط الأخضر، لا عودة للاجئين، والقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. حتى الآن، نلاحظ التشابه الكبير في المشاريع الإسرائيلية المقدمة كمدخل لحل النزاع. لكن الخرق اذا صح التعبير من وجهة النظر الإسرائيلية أتى مع باراك ومقترحات كلينتون. فهي للمرة الأولى تتناول تقسيم القدس، وترفع نسبة التخلي عن الأراضي في الضفة الى 95 في المئة بدلاً من النسب السابقة التي لم تتجاوز في أحسن الأحوال ال50 في المئة. أما عدا ذلك، فإن المقترحات كلينتون اسقطت حق العودة، وركزت على الأمور الأمنية كما في السابق. فكان ان تراجعت اسهم باراك نتيجة للانتفاضة ولهذه الاقتراحات، الوضع الذي أدى الى الاستقالة، ومن ثم الدعوة الى الانتخاب 6 شباط، على رغم سحب باراك جيشه من المستنقع اللبناني. هذا بالنسبة لما سبق، فماذا عن نظرة شارون للصراع العربي - الإسرائيلي؟ ينطلق مفهوم شارون للصراع العربي - الإسرائيلي من نظرة شمولية Holistic تتعدى الإطار الجغرافي الذي دارت فيه رحى الحروب السابقة. فالخطر على الكيان الإسرائيلي هو من اتجاهات ومصادر عدة، فهناك الخارج، وهناك الداخل، أي التهديد الأمني الناتج من المحيط وما بعده، والتهديد الذي يتأتى من الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل. ماذا عن التهديد الخارجي؟ يرى شارون ان الاخطار المحدقة بالكيان يمكن أن تأتي من ثلاث دوائر جغرافية تعج بالكره لليهود، وهي: الأولى، المتمثلة بدول المحيط سورية، لبنان، الأردن ومصر. الثانية، وهي الدول الواقعة ما وراء دول المواجهة الموجودة في الدائرة الأولى. ويمكن لهذه الدول ان تزيد القدرات العسكرية لدول الصف الأول في حال المواجهة، كذلك الأمر تأمين العمق الاستراتيجي. وهذا ما حدث فعلاً مع العراق خلال الحروب العربية - الإسرائيلية حين كان يحشد قواته لدعم السوريين، أو حين قصف اسرائيل بالصواريخ خلال حرب الخليج. الدائرة الثالثة، وهي الدول التي تقع خارج اطار العالم العربي ويمكن ان تؤثر في شكل ما على مجرى الصراع. ولا بد لإسرائيل من توسيع اهتمامها الاستراتيجي، ليشمل دولاً مثل تركيا، ايران وباكستان وحتى الهند التي تعتبر الشاري الأول للسلاح الإسرائيلي. وتحقيقاً لهذه الأهداف، تبدو المشاريع الإسرائيلية المستقبلية التي تهدف الى تكريس التفوق النوعي ضمن الدوائر الثلاث تجري، على قدم وساق. ويبدو التفوق البحري الذي تكرس بشراء ثلاث غواصات من صنع الماني، ذات قدرات نووية من العوامل المهمة. فهو يسمح لها أي إسرائيل بالسيطرة على المجاري المائية، الوضع الذي يؤمن حرية المناورة اثناء الحرب، كذلك تأمين خطوط التموين اذا دعا الأمر. يضاف الى هذا، امكان الردّ بضربة ثانية على من يتجرأ الى قصفها بأسلحة الدمار الشامل من أية دائرة كانت، فالغواصات عامل ردع مهم. ومن البحر الى الجو، تستمر اسرائيل في سعيها الى تثبيت تفوقها الجوي، ومدّ ذراعها الجوية لتطال من تشاء، وفي أية دائرة كان. وركّز في هذا السعي على زيادة الحجم، القوة، والمدى. فانطلاقاً من اسرائيل كنقطة ارتكاز، وعلى دائرة شعاعها 1000 كلم، يسعى سلاح الجو الإسرائيلي الى فرض نفسه كرادع يمكنه التدخل في أي مكان وزمان، خصوصاً ضد الصواريخ البالستية. وتبدو الشبكة المضادة للصواريخ مؤلفة على الشكل الآتي: صواريخ آرو مضادة للصواريخ المقبلة. طائرات من دون طيار UAV، توجه لضرب قواعد الصواريخ قبل الاطلاق. ولحسن سير العمل، هناك طائرات الانذار المبكر التي تحدد مكان وزمان الاطلاق، والموصولة الى الاقمار الاصطناعية. الى هذه الشبكة المتقدمة، هناك طائرات متطورة جداً ذات مدى بعيد يطاول الدوائر الثلاث، تستطيع التدخل بسرعة. ويبدو وعد كلينتون قبيل مغادرته البيت الأبيض ببيع إسرائيل طائرات جد متطورة أف - 22 خير مثال على ذلك. واستكمالاً للسيطرة الجوية، تسعى اسرائيل الى السيطرة الفضائية عبر اطلاقها اقمارها الاصطناعية 8 اقمار تجسس خلال 4 سنوات الخاصة بها اتفاق مع اوكرانيا، بهدف التخلي عن الاتكال على الولاياتالمتحدة في هذا المجال. ويقال، ان اسرائيل موردخاي غور اتهمت اميركا بحجب معلومات مهمة عنها قبيل الهجوم المصري عليها خلال حرب 1973. هذا عن الخارج، ماذا عن الداخل؟ يحتل أمن الداخل أعلى سلم الأولويات في الاستراتيجية الإسرائيلية. فمن دون الاستقرار الداخلي، لا وجود للكيان. لذلك نرى ان المسار الفلسطيني يأتي في طليعة المسارات، بعكس ما كان يشاع عن تلاعب اسرائيل في هذا المجال. وينبع القلق الإسرائيلي على أمن الداخل، من لا وعي المجتمع اليهودي، الذي عاش الجزء الأكبر من تاريخه معزولاً ضمن "الغيتو" محاطاً بالاعداء كما يدّعي. فهو برع في ادارة مجتمعه داخلياً عندما كان يهودياً صرفاً. لكنه يفشل الآن مع الفلسطينيين، لأنها المرة الأولى التي يوجد فيها عنصر غريب داخل مجتمعه. فهو لم يتعود على هذا الوضع، لذلك لجأ الى العنف والإلغاء وسيلة لفرض نفسه. ما هو مخطط شارون في حال فاز في الانتخابات؟ مخططه ينفذ على مراحل من دون تحديد مواقيت واستحقاقات، وهو مشروع ينفذ على فترات طويلة الأمد تستند على بناء حال من اللاعدائية بين الاثنين بصورة تدريجية. وتقوم اهم النقاط على الآتي: لا لتفكيك المستوطنات مع الاحتفاظ بطرق آمنة للوصول اليها، الحفاظ على الستاتيكو في القدس تحت السيطرة الإسرائيلية، وتسيطر اسرائيل على قطاعين امنيين في الشرق وادي الأردن، وفي الغرب ضمن الخط الأخطر مع السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مصادر المياه الجوفية، ستناقش إسرائيل مع الفلسطينيين مسألة تواصل الأراضي الفلسطينية مع بعضها البعض، لا بد من التعاون بين الطرفين للقضاء على الارهاب، والتشديد على التعاون في المشاريع المشتركة، كتحلية المياه، مع العمل على تعميم ثقافة السلام. في حال قبل الفلسطينيون، ستسعى اسرائيل الى التخفيف من الاجراءات الأمنية تدريجياً. ولكنه في حال اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، ستعمد اسرائيل الى الآتي: نشر الجيش الإسرائيلي في كل الضفة الغربية لمنع السلطة الفلسطينية من السيطرة على الوضع ونشر قوات دولية مثلاً. ان اعلان الدولة من جانب واحد، يُعفي اسرائيل من التزاماتها التي وقعت عليها في أوسلو وواي ريفر. أين يكمن خطر شارون؟ يكمن خطره في انه، ومن خلال تاريخه، يسعى الى نسف الأسس التي قامت عليها المنظومة السلمية في المنطقة، من مدريد الى أوسلو، الى مقترحات كلينتون. فهي أي المنظومة، حتى ولو كانت غير عادلة، فإنها تبقى نظاماً يرعى ويسيّر العملية بنزع الألغام من امامها، ونزع فتيل الانفجارات. والخطير في الأمر انه لا يوجد البديل الجاهز ليحل مكان القديم. فالأنظمة تولد نتيجة للزلازل الأمنية خصوصاً في الشرق الأوسط. فالتسلل السلمي في المنطقة قطع أشواطاً بعيدة على رغم الانتفاضة الحالية وتأثيرها السلبي، وغدا مؤسسة بطريقة ما، لها تراكماتها، وأصبحت مرجعية. فهو أي شارون، يقدم للفلسطينيين أقل بكثير مما قدمه سلفه، وهم رفضوه. فكيف سيقبلون بهذا القليل؟ لذلك يبدو التصعيد السبيل الوحيد. هل الخوف من شارون في محله؟ نعم، وكلا. نعم لأننا نحكم عليه من خلال تاريخه وما نعرفه عنه، أي بالمماثلة. وكلا، لأن التحليل العملي العقلاني للأوضاع، يجعلنا نعتقد انه لا بد لأميركا من وضع يدها بسرعة لضبط الأوضاع، لأن العكس يعني الفوضى. وهذا ليس مقبولاً في أهم منطقة حيوية لأميركا في العالم. يقول جويل بارلو في مقال كتبه عام 1792، ان ما يفرق العبد عن الحر هو في "طريقة التفكير". فالعبد تعود الرضوخ، والسيد الحر، تعود القيادة. أما نحن فنقول، ان ما يجعلنا نخاف شارون هو في طريقة تفكيرنا التي عودنا هو عليها، نتيجة التجارب المتكررة معه. لذلك يبدو ضرورياً العمل على تغيير طريقة التفكير، لمن يرغب. * كاتب لبناني. عميد ركن متقاعد.