يبدو ان تلفزيون الشباب "زين" الذي أطلقته قبل أكثر من أسبوع كل من محطة تلفزيون المستقبل في بيروت، والمدينة الإعلامية الحرة في دبي، قد أثار في الشباب العرب، الذي من المفترض ان يكون قد توجه اليهم، عدداً من الانفعالات المتفاوتة، والتي يجمع معظمها على مغالاة برامجه في تقديم أذواقٍ جديدة. ولكن المفارقة أن آراء معظم من سألتهم "الحياة" من الشباب في دولهم، وان جاءت متشابهة، لجهة امتعاضهم من غربنة البرامج ومن مبالغة المذيعين والمذيعات في تضمين كلامهم عبارات أجنبية، وارتدائهم لثياب متطرفة في تعبيرها عن الاستلاب، فإن هذه الآراء حملت في مقلبها الآخر رغبة في "التلصص" على هذه الشاشة، واستراق "أنظار" فيها اعجاب وتوجس في آن. كثر ممن لم يعجبهم ميل المحطة الى تقديم نموذج واحد أو صورة واحدة للشباب، أتبعوا آراءهم هذه بالقول انهم يعتقدون ان المحطة ستنجح في جذب المشاهدين الشباب. وآخرون قالوا انه حتى أولئك المتذمرين، سيواصلون اختبار تذمرهم عبر مشاهدتها. هذه المعطيات تطرح تساؤلات عدة، فما هو معيار نجاح المحطة؟ هل هو نسبة المشاهدين والعائد الإعلاني؟ أم انه قدرتها على عكس ومحاكاة أكبر عدد ممكن من الشرائح الشبابية في المجتمعات العديدة التي تتوجه اليها. فتصنيف "شباب" أمر بالغ التعقيد والتركيب في المجتمع الواحد، فما بالك والمحطة تتوجه الى عددٍ من الدول وبالتالي عدد كبير من الشرائح الشبابية. هذا ما يتطلب طبعاً قدرة على قبول الآخرين، وعلى تفهم طموحات وأحلام الشاب المختلف، خصوصاً اننا في زمن أصبح للاختلاف فيه امكان التحقق، ووسائل الاتصال المتاحة والكثيرة بقدر ما تشكل آلية دمج للأذواق هي أيضاً مساحة للاختلاف وللقبول. ما ان باشر تلفزيون زين بثه حتى انهالت أقلام كثيرة للكتابة، ومعظمها للإدانة، وبما ان الأمر يعني الشباب قبل غيرهم فقد ارتأت "الحياة" سؤالهم في دولهم فكانت هذه الإجابات من المملكة العربية السعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة وسورية. المملكة العربية السعودية السعودية هي السوق الأكبر لجهة المشاهدين والأوسع لجهة المعلنين، وتبدو الصورة فيها "مشوشة" في أذهان الشباب. فعلى رغم ان اعمارهم يتخللها بعض المرح و"الفرفشة" الا ان هناك رفضاً عاماً لما أسموه "تقليل" أو "تسطيح" اهتماماتهم وهمومهم وحصرها في الرقص والغناء، والأزياء، في تلفزيون "زين". الطالبة الجامعية ابتسام المانع تقول انها لا تجد في قناة مثل "زين" حصلت على كل هذا الترويج الإعلامي والإعلاني ما له علاقة بالشباب العربي! وتتساءل: أين هي مشكلات الفتاة العربية المسلمة، أين هم الشباب المحافظون؟ وتضيف، في الإجمال لا يسمح لنا في المنزل بمتابعة "السخافات العربية في الفضائيات وأنا وأخوتي مقتنعون بقرار العائلة"، ونكتفي بمشاهدة بعض القنوات المفيدة والمحتشمة. ويوافقها الطالب سعدي الغامدي 22 سنة، الذي قال: "منذ فترة بسيطة، اجتاحنا سيل من الإعلانات عن قرب ظهور قناة عربية تدعى "زين"، للشباب من عمر 15 الى 35 سنة، ولكن الحقيقة ان ما رأيناه في يوم الجمعة كان عرضاً لقناة غربية مئة في المئة، ذلك لأن المضمون الموجه لا يمت الى الشباب العربي بصلة، بل لا يمت الى المجتمع العربي بصلة، وخصوصاً برنامج الحوار الذي سيقدم تحت اسم "كلمن" والذي يتبنى ضمن حلقاته موضوعاً بعنوان "الحرية الجنسية" لا أدري ماذا يقصدون بذلك؟! هل هو حرية المعاشرة الجنسية خارج مجال الزواج الشرعي؟!! أم يقصدون عملية تحويل الرجل الى امرأة أو العكس؟؟! والمشكلة الكبرى تكمن في ان الاحتمالين السابقين لا يقبلان النقاش لأن فيهما آراءً ثابتة. ويعتقد الشاب ممدوح البداح 21 سنة ان قناة "زين" الفضائية لا تصلح ان تكون ضمن باقة القمرين "عربسات" و"نايل سات" لأن هذه القناة هدفها ربحي - كالغالب - ولا تستطيع ان تحقق هذا الربح إلا من خلال الشباب الذين يمثلون شريحة مهمة في أي أمة، والهدف الثاني هو عرض برامج "....." تتستر تحت عباءة حرية الفكر ومواكبة الحضارة والتطور. ويضيف: "ولكن السؤال المهم هنا هو: هل وجودها على القمرين "عربسات" و"نايل سات"، يعني وجودها في كل بيت عربي؟!! وهل هذه القناة ستربي جيلاً يعوّل عليه الكثير من الآمال في نفض الغبار الذي طمس حضارتنا القوية؟!! وهل مشاهدتها من قبل الفتيات العربيات - وأقول العربيات - سيكون من صالح ثقافتهن وترابطهن بمجتمعهن، ومن صالح المجتمع العربي؟!!". ومن جانبها ترى عهود الشعيبي ان القائمين على القنوات العربية الشبابية لا يقومون باستقصاء رأي الشريحة المستهدفة قبل الشروع في البث. وتضيف: "لماذا لا يسألون شرائح مختلفة من الشباب عن حاجاتهم قبل أن يقدموا لهم البرامج"، وتلفت الى ان قناة مثل "زين أو غيرها" تستهدف الانتشار بأفكار وطريقة القنوات الأخرى نفسها عبر الفتيات الجميلات "غير المحتشمات، وهذا أمر عفَّى عليه الزمن". اليمن في اليمن ومع عدم الانتشار الواسع لتقنية ديجتال الرقمية التي يتطلبها التقاط بث قناة زين شباب المستقبل عبر عربسات أو النيل سات، الا ان القناة استطاعت في غضون أيام قليلة من بث برامجها ان تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الشبابية والطالبية. وتباينت ردود فعل الشباب في اليمن ما بين التأييد والحماس للقناة الشبابية التي رأى البعض فيها ترجمة لحياته وأمنياته وتطلعاته، وما بين الرفض لمحتواها الذي رآه البعض الآخر ساذجاً وسطحياً وينظر الى قطاع الشباب على انهم أطفال مراهقون غير جديرين بالتعامل بجدية مع مستقبلهم. ويقول عبدالقدوس الخاشب: ان القناة الجديدة حققت بالفعل طموح الشباب العربي في حقهم بالحصول على وسيلة خاصة بهم تعبر عن أحلامهم وتجسد عالمهم وتترجم رؤاهم الخاصة. ومن خلال مشاهدتي لبعض ما بثته الى الآن أستطيع القول انها بدأت بداية صحيحة وقوية وأتوقع أن تتمكن من جذب قطاع واسع من الشباب من الجنسين، على رغم ان الكثر حاولوا الحصول على رقم ترددها من دون جدوى لأنها تبث على الديجتال الرقمي فقط. أما خضر وهي طالبة بجامعة صنعاء فشنت هجوماً كبيراً على قناة زين وقالت انها من خلال متابعتها اعطتها انطباعاً بأنها قناة انفتاحية أكثر من اللازم وليس فيها مواد جذابة وعميقة تجسد وعي الشباب بهمومهم وعلاقتهم بالعالم المحيط بهم. وقالت خضر انها شاهدت برنامج دردشات ولحظت ان الجمل غامضة والحوار شبه ميت فتوقفت عن المتابعة لأنها على حد تعبيرها طالبة جامعية وليس لديها الوقت الكافي لمتابعة قضايا سطحية وهامشية تُعالج بأسلوب بدائي وتقليدي. أما الطالبة أسماء عبداللطيف من جامعة صنعاء فتؤيد ما قالته زميلتها هبة، وتضيف بأن قناة زين استحوذت على جدل حاد داخل الأوساط الشبابية والطالبية لكن للأسف كان أنصارها قليلين وموقفهم ضعيفاً لأن القناة تضمنت برامج تستهين بعقل الشباب وتصورهم في حالة غير جادة. ومع كل هذه الانتقادات يؤكد أحمد مجاهد سالم - موظف انه من الطبيعي ان يكتسب أي عمل في بدايته أنصاراً وخصوماً، مؤيدين ومعارضين، والنجاح لا يمكن قياسه في فترة أسبوع من البث، انه يحتاج الى شهور وسنة على الأقل لتقديم حكم عملي ومحايد على القناة أو معها لكنها تبقى في كل الأحوال مبادرة جيدة وممتازة تحسب للقائمين على قناة المستقبل. وأرى ان الجدل يعبر عن نسبة مشاهدة عالية لها كما ان الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. الامارات العربية المتحدة لقي اطلاق قناة زين الشبابية ردود فعل متباينة في الشارع الإماراتي، فيما تحفّظ الكثر عن اعطاء رأي واضح وأخير بهذه القناة الجديدة الى ما بعد انتهاء فترة البث التجريبي، والبدء في البث الدائم في العاشر من شباط فبراير القادم. غير ان حفل الافتتاح الكبير الذي أقيم بمناسبة اطلاق هذه القناة كون فكرة واضحة لدى شريحة واسعة من الشباب والمهتمين خصوصاً في الإمارات التي تنطلق منها القناة بالمشاركة مع بيروت. وقد انقسمت الآراء بين مرحب ومشجع للقناة التلفزيونية الفضائية "الشابة" ولخصوا موقفهم بالتعبير الخليجي "كلش زين" أي بمعنى "كل شيء زين"، في حين ذهب آخرون من الشباب الخليجي لأعطاء رأي مضاد والتأكيد ان المحطة "مو بزين" أي غير زين، أو ليست زين أي غير جيدة. ويرى الكاتب الشاب عبدالله رشيد ان المحطة في اليوم الأول من بثها التجريبي صدمت الجميع، وقال: "لم يصدق أحد ان هذه القناة عربية، حيث يفترض أن تتمتع بالحد الأدنى من المبادئ والأخلاقيات والأعراف الاجتماعية والدينية". ويؤكد ان ما عرضته القناة الموجهة الى الشباب من فئة 16 الى 35 سنة يهدف الى تدمير الشباب من هذه الفئة وتحطيم ما بداخلهم من الأسس التربوية والأخلاقية. فهي، بحسب قوله: تتفنن في الدعوة للتفسخ والعري، ويروي جزءاً من الفقرات والمشاهد التي عرضتها القناة في حفل الافتتاح. وحتى عارضة الأزياء الشابة ربيعة الحراب 20 سنة تتفق مع رشيد بأن قناة "زين" تهدد جيل الشباب ولا تتفق مع تطلعاتهم وهمومهم وقضاياهم. وتقول: نحن عرب وشرقيون وكل ما عرضته القناة في بثها التجريبي يجرنا نحو تقليد الغرب، ويقودنا الى الاغتراب داخل أوطاننا، ويؤدي بنا الى مستقبل مخيف ومجهول. وتشير عارضة الأزياء الشابة الى ان المذيعات والمذيعين تناسوا أو تجاهلوا اللغة العربية الأم، وراحوا يقدمون برامجهم بلغة خليط بين العربية والانكليزية والفرنسية. ويرى جاك حايك 27 سنة مصور فوتوغرافي، ان المحطة "زين" فكرة جميلة خصوصاً ان جميع العاملين فيها من الشباب، وهي قادرة على تقديم برامج وأفكار خاصة بالشباب وبحرية من دون قيد أو رقيب. ويقول: نحن بحاجة الى مزيد من الوقت للحكم على "زين" ونأمل بأن تركز على قضايا الشباب. غير ان عادل المرزوقي طالب جامعي 24 عاماً يؤكد ان البث التجريبي وحفل افتتاح "زين" يؤكدان ان القناة بعيدة كل البعد عن الشباب العربي، ومحاولة لتغريبه وابعاده عن قضاياه الفعلية وهمومه اليومية. سورية "صرعة جديدة" و"عرض لأذواق مبالغ في تطرفها" "أقرب الى الشباب اللبناني" بهذه الكلمات يصف عدد من الشباب السوري "محطة زين الفصائية". وعلى رغم اختلاف الآراء واتهام البعض لها ب"السطحية"، فهم يجمعون على انها "قناة مسلية بأسلوب مختلف عما اعتدنا على مشاهدته ولكنها لا تمثلنا". وتقول ضحى: "شدتنا في البداية كل ما فيها جديد لم نره من قبل. طريقة ارتداء الملابس المكياج، الشعر، طريقة الكلام، وادخال المفردات الأجنبية والتخاطب بعيداً عن الرسميات"، ولكن اعطاء هذه الصورة البعيدة عن البيئة العربية قد تؤدي الى رد فعل عكسي لدى الشباب"، وتضيف ميرنا ديب 27 سنة "يتحاور مقدمو برامجها بمفردات لم نعتد سماعها على شاشات التلفزيون". تقول سهى الحاج ابراهيم 21 سنة لم أشاهد المحطة سوى لمدة قصيرة "هي أقرب للمحطة المحلية اللبنانية، بعيدة عن الشباب السوري بشكل عام، ربما تخاطب فئة ضئيلة ولكن لا تمت الى القاعدة العريضة من المجتمع الشبابي السوري". وتضيف: "أخاف على جيلنا من مشاهدة المحطة كي لا يتأثروا بالعقلية السطحية التي تروج لها المحطة خصوصاً أن بعض المذيعات يتحدث بلغة عربية ركيكة. لا أعتقد اننا نحتاج الى ركاكة اضافية". "ان المحطة تقدم صورة للشباب المتحرر الأكثر انفتاحاً" بحسب سمير نحاس، ويضيف: "لكن كم تمثل هذه الشريحة من المجتمع السوري، لا أعتقد ان نسبتهم تزيد علي واحد في الألف"، ويضيف صديقه "هؤلاء يشكلون جزءاً صغيراً من المجتمع والاحتكاك بهم يعطيك الانطباع بأن تحولاً كبيراً يلوح في الأفق، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك فالشاب السوري ما يزال يشبه الآباء والأجداد الى حد كبير ومشهد هؤلاء الشبان والشابات المتطرفين في أزيائهم ما زال غير مقبول في المجتمع السوري المنفتح لكن بهدوء على المجتمع الغربي". ويوضح نحاس: "اذا كانت المحطة تحاول الوصول الى الشرائح الشبابية المختلفة في أرجاء الوطن العربي كافة فلا أعتقد انها نجحت، ولكن إذا كان الهدف تقديم صورة جديدة مطلوب من الشباب أن يقلدوها فهذا أمر آخر"، أما سمر كيالي فتدعو الى التريث قبل الحكم على المحطة إذ "لا أريد أن أظلم المحطة وهي ما تزال جديدة، ولكن من النظرة الأولى أظن انها "صرعة"، موضحة ان "محطة للشباب العربي من الضروري أن تمثل الشريحة الأوسع وان يكون هدفها رفع مستوى الشباب من حيث طريقة التفكير والقيم التي تطرحها". وينتقد البعض المواضيع التي تتناولها برامج المحطة. تقول سهى: طريقة المواضيع فيها الكثير من السطحية وبعيدة من الشاب السوري ومشكلاته ومعاناته. ويجمع الشباب على ان الحكم الأولي على المحطة "ليس ايجابياً" ولكنه ليس الحكم النهائي والمحطة ما تزال في أيامها الأولى، ومن الممكن ان تتغير وتتطور بصورة تكون أقرب الى مخاطبة الشباب العربي.