احتفلت مصر والولاياتالمتحدة في 22 كانون الثاني يناير الماضي بمرور 25 عاماً على بدء برنامج المعونة الاميركية لمصر، في ظل مناخ مغاير تماماً لما كان عليه الوضع في كانون الثاني عام 1976 عند اقرار البرنامج، إذ تسعى مصر إلى التحول من دولة متلقية للمساعدات الى دور الشريك التجاري والصناعي خصوصاً مع الولاياتالمتحدة. بدأت مصر تنفيذ خطط لتخفيض المعونة الاميركية للبلاد بنسبة 10 في المئة تدريجاً حتى سنة 2010 لتصل إلى صفر في المئة. وتعتبر هذه الخطط دلالة على ان الاقتصاد المصري بات نشطاً وان الحكومة تبذل جهوداً للتغلب على المشاكل الطارئة لاستكمال مشاريع حالية وبدء مشاريع اخرى، اضافة الى زيادة حقيقية في اجمالي الناتج المحلي. وقال خبراء انه اذا كانت هناك نية أن تتحول العلاقات المصرية - الاميركية الى شراكة حقيقية، فلا بد من علاج الخلل في الاستثمار وقطاع التجارة بين البلدين، فالصادرات المصرية للولايات المتحدة بلغت قيمتها عام 1999 نحو 720 مليون دولار ما يشكل 14 في المئة من اجمالي الصادرات المصرية، في حين بلغت قيمة الواردات من الولاياتالمتحدة في العام نفسه نحو 416،3 بليون دولار، أي ما يشكل 7.15 في المئة من اجمالي الواردات المصرية. وتعتبر الولاياتالمتحدة أهم شريك تجاري منفرد لمصر، وان كان من الضروري الاشارة إلى دول الاتحاد الاوروبي التي تحتل مكانة أكثر أهمية كشريك تجاري لمصر، لكن ليس من بينها دولة منفردة يمكنها منافسة الولاياتالمتحدة على مكانة الشريك التجاري الأول لمصر في ظل الحجم الكبير للواردات المصرية من الولاياتالمتحدة والتي يرتبط جانب منها ببرنامج المساعدات الاميركية لمصر. وفي المقابل لا تشكل الواردات الاميركية من مصر سوى 1.0 في المئة من اجمالي الواردات الاميركية من العالم. وتأتي مصر في المرتبة الخامسة والستين بين الدول المصدرة للسلع الى واشنطن، كما أن الصادرات الاميركية لمصر لا تشكل سوى 5.0 في المئة من اجمالي الصادرات الاميركية للعالم، وتأتي مصر في المرتبة الخامسة والثلاثين بين الاسواق المستقبلة للصادرات الاميركية. وتتسم التجارة المتبادلة بخلل شديد لمصلحة الولاياتالمتحدة، إذ بلغ العجز التجاري المصري معها نحو 696،2 بليون دولار العام الماضي، في حين بلغ العجز المتراكم منذ عام 1995 نحو ثمانية بلايين دولار. ويعتبر الخبراء هذا العجز ضخماً بالنسبة للاقتصاد المصري ولقيمة التجارة الخارجية المصرية، ما يعكس عدم عدالة او توازن التجارة بين مصر والولاياتالمتحدة، ويشيرون الى ان مصر في حاجة إلى مبدأ التجارة العادلة والمتوازنة الذي استندت اليه الولاياتالمتحدة في حل خلافها التجاري مع دول عدة والذي يؤكد ضرورة عدالة التجارة وتوازنها كأسس لتطوير التجارة بين البلدين. العلاقات المصرية - الاميركية وبدأت العلاقات المصرية - الاميركية بالفعل في السادس من تشرين الثاني نوفمبر عام 1973 عندما زار القاهرة وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر، مستأنفاً العلاقات المقطوعة منذ عام 1967 والمتوترة من قبل. وشهدت فترة السبعينات تطوراً خصوصاً بعد توقيع مصر واسرائيل اتفاقية كامب ديفيد وإقرار الادارة الاميركية مساعدات الى الدولتين ساهمت بشكل ما في اصلاح بعض ما دمرته الحروب المتعاقبة، وفي العقدين الماضيين شهدت العلاقات تطوراً أدى الى تغيير استراتيجية هائلة كانت لها تأثيرات بعيدة المدى، خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط. وعلى رغم التطور البطيء والمستمر لعملية السلام ونجاحها مرة واخفاقها مرات، إلا أن المساعدات الاميركية لم تتأثر بذلك، وقدمت واشنطن الى القاهرة نحو 40 بليون دولار معونات عسكرية واقتصادية لحماية الاقتصاد من آثار الحروب التي خاضتها ولإنشاء البنية التحتية التي كانت تآكلت، اضافة الى إلغاء نصف الديون المصرية المتراكمة عبر سنوات. وسعى الرئيس مبارك، على رغم بعض التوتر، الى جعل العلاقة مع الولاياتالمتحدة مصلحة مشتركة للتعاون الاقتصادي يأخذ فيه كل طرف ويعطي ويكسب كلاهما في النهاية. ويرى خبراء أن نظرة الولاياتالمتحدة إلى الشرق الاوسط عموماً تغيرت خصوصاً بعد اتفاقات اوسلو عام 1993 عندما رأى العالم الشرق الاوسط في حُلة جديدة كساحة ممكنة للتعاون الاقتصادي تتنافس عليه اميركا وبقية الدول. فبعدما كان نفطاً وغازاً بات جائزة اقتصادية كبرى للشركات الاميركية في حال حل السلام، ومن بين تلك الدول مصر. ويؤكد الخبراء ان العائد الاقتصادي من العلاقة المشتركة لم يكن مصرياً فقط، بل كان اميركياً ايضاً، فمن ناحية فإن الانفتاح المصري على الولاياتالمتحدة كان بوابة مهمة للانفتاح العربي عليها، ومن جهة اخرى فإن العلاقة الثنائية شكلت ربحاً صافياً لأميركا، في اشارة الى أن السوق المصرية الى جانب اسواق السعودية وتركيا واسرائيل تعد أهم الاسواق المستقبلة للسلع الاميركية، لكن مصر تتميز بأن الولاياتالمتحدة - التي تعاني من عجز دائم في ميزانها التجاري - تحقق مع مصر أكبر فائض تجاري مقابل أي دولة في المنطقة. الاستثمارات الاميركية وبالنسبة الى الاستثمارات الاميركية في مصر يتوقع ان تشهد في الفترة المقبلة دفعات كبيرة وذلك في إطار المؤشرات الايجابية التي حققها برنامج الاصلاح الاقتصادي، مما يساهم في جذب الاستثمارات ونقل التكنولوجيا، خصوصاً بعد دخول مصر عصر المشاريع الكبيرة العملاقة في توشكى وجنوب اسوان وشرق التفريعة وخليج السويس. كما كان للزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين مردود ايجابي على زيادة الاستثمارات في مصر. ويبلغ حجم الاستثمارات الاميركية في البلاد نحو بليوني دولار تمثل 33 في المئة من اجمالي الاستثمارات الاميركية المباشرة في منطقة الشرق الاوسط، منها استثمارات في قطاعات الانتاج والخدمات تقدر بنحو 700 مليون دولار واستثمارات في قطاع البترول بنحو 3.2 بليون. وتعد الشراكة المصرية - الاميركية ومبادرة مبارك - غور، التي وقعت في ايلول سبتمبر 1994، من أهم مجالات التعاون، وتهدف الى وضع إطار لتطوير علاقات التعاون خصوصاً في مجال دعم قدرات الاقتصاد المصري وعملية النمو والتنمية الاقتصادية بما يحقق المصلحة المشتركة بين البلدين. وحقق التعاون بين البلدين في إطار الشراكة نتائج ملموسة خلال الفترة الماضية وسيتركز العمل مستقبلاً سواء من خلال لجان الشراكة أو المجلس الرئاسي المصري - الاميركي على عدد من المجالات اهمها جذب الاستثمارات ودعم تطوير الصناعات الصغيرة. ويرى المختصون أن هناك اتجاهات عدة لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين منها تكرار زيارات "بعثة طرق الابواب" التي تنظمها الغرفة التجارية الاميركية في القاهرة لتكون أكثر من مرة كل عام، ثم تعاون رجال الأعمال المصريين في إقامة معارض دائمة للمنتجات المصرية في الولايات الاميركية المتمتعة بالأهمية والكثافة، الى جانب دعم مشاركة الشركات المصرية في المعارض الدولية المتخصصة التي تقام على مدار العام هناك، والاستفادة من اطار الشراكة المصرية - الاميركية في وضع برامج محددة تساهم في رفع القدرة التنافسية للإنتاج المصري في الاسواق الاميركية.