المملكة تحقق الاكتفاء الذاتي من البطيخ بنسبة (98%)    وزراء خارجية مجموعة السبع يشيدون بالاجتماع الذي عُقد بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في المملكة    347 مليون ريال لمشاريع صناعية في الأحساء    823.9 ريالا فارقا سعريا بين أسعار الغرف الفندقية بالمملكة    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان القضايا الإقليمية والدولية    هل تتعرض أمريكا للهجرة العكسية    ربط حي السفارات بشبكة النقل العام عبر حافلات الرياض    الاتحاد بطلًا للدوري الممتاز لكرة السلة    جمعية «صواب» تطلق مشروع «العزيمة» للتعافي من الإدمان بجازان    اختصاصي شؤون طلابية: احموا المدارس من العدوى    الهجمات الأمريكية استهدفت منازل قياديين حوثيين في صنعاء    جبل أم القصص وبئر الصداقة!    فتاوى الحوثيين تصدم اليمنيين    جهود مستمرة للمفاوضات في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية للهدنة    انفجار العماليق الكبار    وغابت الابتسامة    الاقتصاد السعودي يتجاوز مرحلة الانكماش بنمو 1.3% في عام 2024    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الأخدود    جيسوس: هدفنا الاستفادة من فترة التوقف    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم مشاركته في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص تورين 2025    الذهب يكسر حاجز ثلاثة آلاف دولار لأول مرة في موجة صعود تاريخية    إطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية" بالواجهة البحرية بالدمام    جمعية "شفيعاً" تنظّم رحلة عمرة مجانية لذوي الإعاقة والمرضى وكبار السن والفئات الاجتماعية برفقة أهاليهم    انطلاق مبادرة "بسطة خير ".. لتمكين الباعة الجائلين في جميع مناطق المملكة    مؤسسة العنود تعقد ندوة «الأمير محمد بن فهد: المآثر والإرث»    بدعم المملكة.. غينيا تحتفي بالفائزين في مسابقة القرآن    مسجد الجامع في ضباء ينضم للمرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان ضباء - واس ضمّت المرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية مسجد الجامع في مدينة ضباء بمنطقة تبوك، نظرًا لكونه أحد أقدم المساجد التاريخية ورمزًا تراثيًا في ا    مراكيز الأحياء.. أيقونة رمضانية تجذب أهالي جازان    كعب أخيل الأصالة والاستقلال الحضاري 1-2    دعم مبادرات السلام    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    الأذان.. تنوعت الأصوات فيه وتوحدت المعاني    خلافة هشام بن عبدالملك    ملامح السياسة الخارجية السعودية تجاه سورية    الصحة تجدد التزامها بحماية حقوق المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يستأصل ورماً كبيراً بمحجر العين بعملية منظار متقدمة    القسوة ملامح ضعف متخف    محمد السندي يُرزق بمولود أسماه "عبدالمحسن"    الأخضر يستعد للتنين بالأسماء الواعدة    ودية تعيد نجم الاتحاد للملاعب    «سلمان للإغاثة» يوزّع 1.390 سلة غذائية في محافظتين بالصومال    273 طالب في حلقات تحفيظ القرآن بالمجاردة    الدفاع المدني يكثف جولاته بالمدينة المنورة    1200 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية خلال أسبوع    تركي بن محمد بن فهد يطلق عددًا من المبادرات الإنسانية والتنموية    2 مليار خطوة في 5 أيام    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : بئير    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    برنامج "نظرة إعلامية" يستضيف إعلاميين مؤثرين في مهرجان ليالي كفو بالأحساء    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    عَلَم التوحيد    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب في الجاهلية عرفت خواص الحيوانات بالتجارب . البغدادي يتهم أرسطو بسرقة كتاب الحيوان من حكماء العرب
نشر في الحياة يوم 03 - 02 - 2001

من السجالات النظرية التي وقعت في القرون الخمسة الأولى بين الفقهاء والعلماء من جهة والمتكلمة والفلاسفة من جهة أخرى كان حول موضوع المعرفة ومصادرها. وتركز النقاش على السبب والمسبب والعلة الأولى وهل يكتفي الإنسان بما أُنزل ام أنه بحاجة الى معارف عقلية تعتمد التجربة للبرهان على الخطأ والصواب.
وقبل هذا السجال تسربت الفلسفة من طريق الترجمة فاستخدم الفلاسفة نظريات اليونان الإغريق للدلالة على صحة توجهاتهم بينما ساجل الفقهاء ضدها للتأكيد على تعارض نصوصها مع الوحي.
إلا أن النقاش تطور بعد القرنين الهجريين الأول والثاني وحصل ما يشبه التداخل بين حقل الفقه وحقول الفلسفة، فاتجه فريق الى تغليب الشريعة لاحتواء نظريات الفلاسفة بينما اتجه الفريق الآخر الى التشديد على التعارض بينهما. واتفق الطرفان على تحديد معايير واقعية للنقاش تعتمد على فكرة التجربة المعرفة التجريبية ودورها في توسيع الدراية وتثبيت الرواية. واتجه فريق من المعتزلة الجاحظ مثلاً الى تقليد كتب اليونان كتاب الحيوان نموذجاً وإضافة بعض معارفه الحسية التي اعتمدت التجربة للبرهان على صحة الأمر أو انحرافه عن الصواب.
الى الجاحظ قام البيروني المؤرخ بسلسلة تجارب للتأكد من صواب بعض الروايات والأساطير عن بعض المعادن والجواهر والحيوانات والنباتات. إضافة الى المتكلم الجاحظ والمؤرخ البيروني حصلت عشرات التجارب الكيماوية قام بها كبار الفلاسفة والعلماء الرازي الطبيب مثلاً حاولت التقريب بين العقلي والعلمي معتمداً التجربة كمقياس برهاني على صحة النظري. وعلى خلفية التطور العقلي - العلمي تجددت النقاشات وأعيد صوغ الكثير من المفاهيم لتناسب التقدم الفكري الذي أفرزته الاختراعات والاكتشافات. واستغلت الفرق الإسلامية تلك التطورات واستقوت بالفلسفة لتسجل النقاط في مرمى الخصم الأمر الذي دفع الفقهاء والعلماء الى شن هجوم معاكس لكسر تطرف تلك الفرق وتحديداً الاتجاهات الباطنية التي اعتمدت بعض نظريات الفلسفة الإغريقية وتفرعاتها للتشكيك بالتوحيد ونفي الصانع والقول بقدم العالم وليس حدوثه.
تركز الهجوم المعاكس على أكثر من حقل معرفي وجبهة سياسية وانتقل لاحقاً الى الفلسفة عينها ليس لكونها بدعة ضارة بل لأنها مسروقة أصلاً عن العرب وحضارتهم قبل نزول الدعوة الإسلامية. فالهجوم انتقل من رفض مقولات الفلسفة عينها الى القبول بصحة بعض نظرياتها انطلاقاً من كونها منحولة أولاً ولا جديد عقلياً فيها ثانياً وأنها تمت بالتجربة ثالثاً.
وأبرز العلماء الذي أشار الى هذه المسألة الجديدة فعلاً كان الإمام عبدالقاهر البغدادي القرن الخامس الهجري حين اتهم فلاسفة اليونان بسرقة أفكارهم عن عرب الجاهلية وأن معظم مقولاتهم العقلية توصل إليها العرب قبلهم من طريق التجربة والمعاينة والبرهان. وبذريعة أنها ليست جديدة على العرب فإنه يمكن الاستغناء عن مدارسها اليونانية واستبدالها بأمثلة العرب وحكمهم وشعرهم الذي ورد فيه ما يعتبره الفلاسفة "خصوصية" يونانية.
وهنا نص مقال البغدادي الذي ورد في كتاب "الفَرق بين الفِرق" مؤكداً فيه على أسبقية العرب وأهمية المعرفة التجارب.
... كيف يكون زعماء الباطنية مخصوصين بمعرفة علل ذلك. وقد ذكرته الأطباء والفلاسفة في كتبهم وصنف أرسطاطاليس في طبائع الحيوان كتاباً وما ذكرت الفلاسفة من هذا النوع شيئاً إلا مسروقاً من حكماء العرب الذين كانوا قبل زمان الفلاسفة من العرب القحطانية والجرهمية والطسمية وسائر الأصناف الحميرية. وقد ذكرت العرب في أشعارها وأمثالها جميع طبائع الحيوان ولم يكن في زمانها باطني ولا زعيم للباطنية. وإنما أخذ أرسطاطاليس الفرق بين ما يلد وما يبيض من قول العرب في أمثالها: كل شرقاء ولودٌ وكل صكاء بيوضٌ: ولهذا كان الخفاش من الطير ولوداً لا بيوضاً لأن لها أذناً شرقاء. وكل ذات أذن صكاء بيوضٌ كالحية والضب فرخ التمساح والطيور البائضة. وذكر ابو عبيدة معمر بنُ المثنى وعبدالملك بن قريب الأصمعي أن العرب قالت بتحريمها في الجاهلية. أن كل حيوان لعينيه أهداف على الجفن الأعلى دون الأسفل إلا الإنسان فإن أهدابه على الجفن الأعلى الأسفل. وقالوا كل حيوان ألقي في الماء يسبح فيه إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر فإنه يغرق فيه إلا أن يتعلم الإنسان السباحة. وقالوا في الإنسان إنه إذا قطع رأسه وألقي في الماء انتصب قائماً في وسط الماء. وقالوا كل طائر كفه في رجليه وكف الإنسان والقرد في اليد. وكل ذي أربع ركبتُه في يده. وركبتا الإنسان في رجليه. وقالوا ليس للفرس غُددٌ ولا كرشٌ ولا طحال ولا كعب. وليس للبعير مرارة. وليس للظليم مخٌ. وكذلك طيرُ الماء وحيتان البحر ليس لها ألسنٌ ولا أدمغة. وقد يكون حوت النهر ذات لسان ودماغ. وقالوا إن السموك كلها لا رئة لها كذلك ولا تتنفس. وقالت العرب من تجاربها أن الضأن تضع في السنة مرّة وتفرد ولا تتيمُ. والماعز تضع في السنة مرتين وتضع الواحدة والاثنتين والثلاثة. والعدد والنماء والبركة في الضأن أكثر منها في الماعز. وقالوا أيضاً إذا رعت الضأن نبتاً وفصيلاً نبت ولا ينبت ما يأكله الماعز لأن الضأن تقرضه بأسنانها والماعز تقلعه من أصله. وقالوا إن الماعز إذا حملت أنزلت اللبن في أول الحمل الى الضرع والضائنية لا تنزل اللبن إلا عند الولادة. وقالوا إن أصوات الذكور من كل جنس أجهر من أصوات الإناث إلا المعزى فإن أصوات إناثها أجهر من أصوات ذكورها. ومن أمثال العرب في الحيوان فهو لهم كل ثور أفطس وكل بعير أعلم وكل ذي ناب أفرج. وقالوا بالتجربة إن الأسد لا يأكل شيئاً حامضاً ولا يدنو من النار ولا يدنو من الحامض وقالوا إن حمل الكلب ستون يوماً فإن وضعت حملها لأقل من ذلك لم تكد أولادها تعيش. وقالوا إن إناث الكلاب يحضنَ لسبعة أشهر. ثم إن الكلبة تحيض في كل سبعة أيام. وعلامة حيضها ورَم أثغارها أسنانها وقالوا في الكلب إنه لا يلقي من أسنانه شيئاً إلا الثامن. وقالوا في الذئب إنه ينام بإحدى عينيه ويحترس بالأخرى. ولذلك قال فيه حميد بن ثور:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقى
بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
والأرنب تنام مفتوحة العينين. وقالوا ليس في الحيوان ما لسانه مقلوب إلا الفيل. وليس في ذوات الأربع ما ثديه على صدره إلا الفيل. وقالوا إن الفيل تضع لسبع سنين والحمار لسنة والبقرة في ذلك كالمرأة. وقالوا في قضيب الأرنب والثعلب إنه عظم. وقالوا كل ذي رجلين إذا انكسرت إحداهما قام على الأخرى وعرج إلا الظّليم الذكر من النعام فإنه إذا انكسرت إحدى رجليه جثم في مكانه. ولهذا قال الشاعر في نفسه وأخيه:
فانى وإياه كرجليْ نعامة
على ما بنا من ذي غنىً وذي فقر
يريد أنه لا غنىً لأحدهما عن صاحبه. وقالوا في النعامة إنها تبيض من ثلاثين بيضة الى أربعين لكنها تخرج ثلاثين منها تحضن عليها كخيط ممدود على الاستواء. وربما تركت بيضها وحضنت بيض غيرها. وهذا قال فيها ابن هرمة:
كتاركةٍ بيضها بالعراء
وملبسةٍ بيض أخرى جناحاً
وقالوا في الفرج والفروج إنهما يخلقان من البياض والصفرة غذاؤهما. وقالوا في القطا إنها لا تضع إلا فرداً. وفي العقاب أنها تضع ثلاث بيضات فتخرج بيضتين وتطرح واحدة فيخرجها الطير المعروف بكاسي العظام. ولهذا قيل في المثل: أبر من كاسي العظام: وقالوا في الضب أنها تضع سبعين بيضة. ولكنها تأكل ما خرج من الحسولة عن البيض إلاّ الحسل ولد الضب الذي يعدو ويهرب منها. ولهذا قالوا في المثل: أعقُّ من ضب: والضب لا يرد الماء ولهذا قالوا في المثل: أروى من ضبٍ: وقالوا في الضب إنه ذو ذكرين، وللأنثى من الضباب فرجان من قبل. وقالوا في الحية لها لسانان ولسانها أسود على اختلاف ألوان قشرها والحيات كلها تكره ريح السذاب نبات والبنفسج وتعجب بريح التفاح والبطيخ والجرو والخردل واللبن والخمر. وقالوا في الضفادع إنها لا تصيح إلاّ وفي أفواهها الماء ولا تصيح في دجلة بحال وإن صاحت في الفرات وسائر الأنهار.وقال الشاعر في الضفدع:
يدخل في الأشداق ما ينضفه
حتى ينق والنقيق يتلفه
يعنى ان نقيقها يدل عليها الحية فتصيدها فتأكلها. وقالوا إن الضفادع لا عظام لها وقالوا في الجُعَل نوع من الخنافس إنه إذا دفن في الورد سكن كالميت فإذا أعيد الى الروث زبل الفرس تحرك.
فهذا وما جرى مجراه من خواص الحيوانات وغيرها قد عرفته العرب في جاهليتها بالتجارب من غير رجوع منها الى زعماء الباطنية. بل عرفوها قبل وجود الباطنية في الدنيا بأحقاب كثيرة ...
* من كتاب "الفَرق بين الفِرق وبيان الفرقة الناجية منهم" للإمام عبدالقاهر بن طاهر البغدادي توفي 429ه/ 1037م. تحقيق لجنة إحياء التراث العربي إصدار دار الجيل، ودار الآفاق الجديدة، بيروت صفحات 294- 299.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.