توقع الشاب اشرف محمد 22 عاماً من مدينة رام الله في الضفة الغربية ان ينجح في الحصول على وظيفة بعد ان انهى دراسة المحاسبة والادارة العامة من احد المعاهد الفلسطينية في العام 9819، الا انه وبعد مضي ثلاثة سنوات لم يجد تلك الوظيفة التي حلم بها، بل ولم يجد لغاية الآن أي عمل. وكل يوم جمعة يحرص اشرف على التواجد، للنظر لا للمشاركة امام المدخل الشمالي لمدينة البيرة حيث ساحة المواجهة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال الاسرائيلي منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية اواخر ايلول سبتمبر الماضي. يمضي يومه كاملاً في البحث عن عمل في احدى المؤسسات، ويمضي بعد ذلك وقتاً طويلاً في احدى مقاهي الانترنت المنتشرة في رام الله في محاولة منه لقتل الفراغ الذي يعيشه. فيقول: "احاول ان اجد اصدقاء من العالم الخارجي" قال اشرف وهو يجلس خلف جهاز الكمبيوتر في احدى مقاهي الانترنت في رام الله. وتكتظ مقاهي الانترنت في رام الله، بالشبان، عند ساعات المساء خاصة في الايام التي لا يوجد فيها تصعيد او مواجهة مع قوات الاحتلال، حيث قال احد اصحاب هذه المقاهي ان اقبال الشبان على محله زاد خلال انتفاضة الحرم. كان اشرف خلال سنوات دراسته يحلم بأن يجد عملاً في احدى المؤسسات الفلسطينية. ويقول: "الآن ما اريده هو السفر فقط". ويضيف: "الوضع الآن لم يعد يقتصر على فقدان القدرة على ايجاد عمل، والزواج وبناء بيت، بل القضية اصبحت عدم توافر الأمن والامان للشاب الذي بات بقاؤه على قيد الحياة هو الحال الاستثنائية... لذلك فإن السفر الى الخارج بات الأمل الوحيد للبحث عن حياة كريمة". وفي الوقت الذي يحتشد فيه عشرات الشبان على الحواجز لالقاء الحجارة، يلاحظ هذه الأيام وجود مواز لشبان لم يسبق ان شاركوا في أي نشاط سياسي ضد الاحتلال في السابق، وهم اليوم يعتقدون ان مجرد وجودهم في جوار المتظاهرين مشاركة". واذا كان اشرف يحلم في السفر الى الخارج فان الشاب نمر ابو طيور 17 عاماً من قطاع غزة اعتبر ان سفره من غزة الى الضفة الغربية من الممكن ان يحقق اماله في بناء مستقبله، على اعتبار ان امكان العمل في الضفة افضل منه في غزة. وقبل ثمانية شهور نجح ابو طيور في تجاوز حاجز ايرز الذي يفصل بين الضفة الغربية والقطاع ووصل الى مدينة رام الله، الا انه لم يستطع تحقيق حلمه بعد ان اصابته رصاصة في قدمه اليسرى اطلقها باتجاهه جنود اسرائىليون عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، خلال انتفاضة الحرم، ويقول: "لا اعتقد انني سأحقق ما حلمت به". وبات ابو طيور الآن بعيداً من اهله لا يستطيع العودة الى غزة، وفي الوقت نفسه لا يستطيع العمل لتوفير لقمة عيشه بسبب الاصابة. وكان لانتشار وسائل الاعلام المختلفة في الاراضي الفلسطينية، خلال احداث انتفاضة الحرم الاثر الابرز في ادخال الانتفاضة الى كل بيت فلسطيني وبالتالي الى ذهنية الشبان وافكارهم. ريما 20 عاماً ويبدو انها من عائلة غنية، قالت ان ما تشاهده كل يوم على التلفزيون، دفعها الى الخروج من منزلها البعيد من والقدوم الى ساحة المواجهة "لأنه بات شيئاً مخجلاً ان يموت اطفال كل يوم في حين نبقى نحن في البيوت". وتشير الى "ان العدوان الاسرائيلي المتواصل ضدنا وعمليات القتل اليومي لنا، لم يترك مجالاً للتفكير بحياتنا وآمالنا الخاصة". وتقول: "كل شيء في حياتنا ارتبط بالاحتلال، ونحن نعرف ان أي شيء نرغب في تحقيقه في الوطن على الصعيد الشخصي، لا يمكن ان يتحقق، الا برحيل الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق الامان اولاً، ثم البحث عن الأحلام الشخصية". وبدت الشابة ث س 20 عاماً من احدى قرى رام الله، سعيدة بعض الشيء، لأن حلمها سيتحقق حينما تزف الى عريسها بعد ايام. وتقول: "اعتقد ان حلم الفتاة الفلسطينية مثل حلم أي فتاة اخرى أي الزواج والعيش في بيت هادئ وجميل. لكن مراسم الافراح لا تخلو اجواؤها من تلك الضغوط التي يسببها الاحتلال. فالعرس يتم في اجواء اشبه ب"العزاء" كما يقول الشاب عمر من قرية عين سينيا الذي تزوج في تشرين الاول اكتوبر الماضي عندما قصفت رام الله بصواريخ من الطائرات. ويقول: "امي بكت لحظة دخولي بعروسي الى البيت، لانها لم تفرح بي كما كانت تحلم...". وعن استعدادات الشابة ث ليوم فرحها قالت: "اتفقت وعريسي على ان لا يكون هناك أي مظهر من مظاهر الفرح". وأضافت: "اعتقد ان فرحتنا لا تساوي دمعة ام ذرفتها على ابنها الشهيد... وهذه هي حالنا ويجب ان نعيشها". وفرض الاسرائيليون على الاراضي الفلسطينية وعلى فئة الشبان في المجتمع الفلسطيني تحديداً، الانخراط في الواقع السياسي، فمن الشبان من عبّر عن رفضه للاحتلال من خلال المشاركة اليومية في المواجهات عند الحواجز العسكرية، ومن الشبان من لم يشارك في هذه المواجهات وبقي بعيداً من الانخراط في العمل السياسي الا انهم لا يستطيعون التفكير في مستقبلهم بعيداً من واقع الاحتلال، اذ يتعاملون ويعيشون حياتهم الشخصية على انها جزء لا يتجزأ من هذا الواقع. بعض الشبان الذين لم يتجاوزوا ال20 عاماً، يعدون انفسهم لتمضية يومهم كاملاً في مواجهة قوات الاحتلال، وبالتالي يتوقعون الشهادة او الاصابة، الا ان عدداً كبير من الشبان اصيبوا برصاص قوات الاحتلال على رغم انهم لم يتوقعوا هذه الاصابة نهائياً. فلم يستطع الشاب عبدالقادر سعيد 18 عاماً الذي اصيب قبل ايام بطلقة مطاطية في الفم، فقد على اثرها عدداً من اسنانه، الاجابة على سؤال: لماذا توجهت الى ساحة المواجهة؟ واكتفى بالقول: "خرجت من المدرسة بعد انتهاء الدوام، ولم أكن أنوي التوجه الى ساحة المواجهة، الا انني لم اجد نفسي الا وانا في منطقة المواجهة، واصبت وانا اقف بعيداً". اسعد فرحات 17 عاماً قال: "نحن نعرف ان قوات الاحتلال تريد ابادة جيلنا بالكامل، حينما توجه الرصاص الى فئة الشبان، وقوات الاحتلال تقوم بذلك لأنها تعرف ان هذا الجيل هو الذي سيقف شوكة في حلقها". وأضاف: "انا جئت الى هنا متمنياً الشهادة، وحلمي الوحيد هو طرد الاحتلال عن ارضي وبعد ذلك نفكر في الاحلام الشخصية". وبحسب مصادر طبية فلسطينية، فان حوالى 80 في المئة من الشهداء الذين سقطوا خلال انتفاضة الحرم لا تتجاوز اعمارهم ال20 عاماً، النسبة نفسها في الجرحى والمعاقين.