في السبعينات من القرن العشرين أخرج الممثل الغنيّ عن التعريف، والذي كان نجماً سينمائياً لأدوار الشاب الساخر والطائش والشقي الممثل حسن يوسف فيلمه الأول: "ولد وبنت وشيطان". وأدى فيه دور البطولة امام نجمة الشاشة الكبيرة الشابة آنذاك نجلاء فتحي. حينها قالت الصحافة ما معناه إن الولد المشاكس والشقي يستعد للشيخوخة. ذلك ان حسن يوسف لم يعد صالحاً لأدوار الشاب الطائش وقد لا تؤهله مورفولوجيا الوجه للعب أدوار اخرى إضافية. وبعيداً عن المسوغات الفنية، فإن اتجاه الممثلين للإخراج تقف وراءه عوامل وأسباب كثيرة، يكمن اهمها في رغبة الممثل نفسه بتحقيق مشروعه الفني الخاص والمتكامل والذي يراه منقوصاً ما دام يؤَطّر برؤيا إخراجية لا يحق له التدخل في توجيهها. ومن هنا تبدأ رغبته بالاستقلال والتمايز والانطلاق... والكسب المادي أيضاً. تستقطب خشبة المسرح في دمشق هذه الأيام عدداً كبيراً من نجوم الدراما السورية بعد ان كانت، ولفترة طويلة، حكراً على بعض الهواة وخريجي المعهد العالي للعلوم المسرحية. والمتابع لخطة المسرح القومي للموسم الحالي يجد الكثير من الممثلين - المخرجين الشباب الذين يخوضون تجربتهم الأولى في الإخراج. نبدأ بالنشاط الذي استقطب نجوم الدراما الى مسرحية "الغزاة" للمخرج هشام كفارنة عن نص ل"أورغون وولف" وسبق عرضها على مسرح نقابات العمال. إذ شاهدنا فيها الفنانَيْن عبدالرحمن ابو قاسم وفيلدا سمور، ثم مسرحية "عيشة" للمخرجة رولا فتّال حيث تألقت الفنانة مها الصالح في عرض متميز من تأليف حكيم مرزوقي. ويُعدُّ الفنان حاتم علي من أبرز الممثلين الشباب الذين استهواهم الإخراج، بل إن أعمال حاتم الإخراجية تكاد تكون بعدد أعماله التي شارك فيها ممثلاً، وهو لم يكتف بالإخراج التلفزيوني فقط، ولكنه قبل ذلك باشر الإخراج المسرحي أولاً، بحكم كونه استاذاً في المعهد العالي للعلوم المسرحية. وبعد حاتم تكررت محاولات الممثلين الشباب، حتى أن بعضهم يكاد يبدأ مشواره الفني بالإخراج أولاً، أو بالإخراج في أول فرصة سانحة قبل ان يطبع بصماته الأولى في عالم التمثيل الذي يُفترض انه مشروعه الاحترافي الأول، مثل: رافي وهبه وقصي الخولي وكمال البني، والآن ينضم للركب الممثل باسم ياخور الذي يستعد في "بروفاته" لإخراج عمل مسرحي كوميدي اجتماعي يناقش بعض الهموم اليومية والعلاقات الإنسانية تحت عنوان: "الرجل المتفجر". حيث قام بإعداد النص عن مسرحيتين قصيرتين لبيير فيراري وروبير بيك وسيلعب أدوار المسرحية الممثلون الشباب: رافي وهبه وسلاف معمار وشكران مرتجى وسوزان سكاف علماً أن ياخور هو المعد والمخرج. ولا بد هنا من الإشارة الى تجربة الممثل الشاب عبدالمنعم عمايري في الإخراج المسرحي، فقد اخرج عرضاً منتصف شهر كانون الثاني يناير المنصرم، تناول فيه إشكالية العلاقات الزوجية الفاترة والباردة بين القرينين بعد سنوات طويلة من الارتباط حيث الملل والسأم والضجر والفاقة، وقام ببطولة المسرحية سلاف معمار، والفنان المخرج غسان مسعود، وقد لاقت "الصدى" إقبالاً منقطع النظير لم تشهده شبابيك تذاكر المسارح لفترات طويلة. هذا الاندفاع الملحوظ نحو خشبة المسرح يدفعنا لطرح السؤال الآتي: هل هذا دافعه الرغبة والحنين الى المسرح واللقاء المباشر مع الجمهور، أم هناك توجه جديد من بعض الغيورين على المسرح لبعث الحياة فيه من جديد؟! ومهما كانت الإجابة يبقى النشاط المسرحي الحالي محط رضا وخطوة موفقة لإعادة السلطة الى أبي الفنون جميعاً.