ما بين وجود المسرح السوري الجاد واختفائه وحالة الركود التي يعاني منها وجملة الأزمات، التي لوحظت بدءًا من أزمة المشاهد والتمويل والدعم، مرورًا بالإرباك الإداري الذي حصل خلال الأربع سنوات الأخيرة حيث تبدل على مديرية المسارح في وزارة الثقافة السورية عدة مديرين، إضافة إلى البيروقراطية المستترة والأنظمة الإدارية والمالية التي تحكم العمل المسرحي والتي كبّلت طموحات المسرحيين، فخسر بسببها المسرح في سوريا الكثير من مقوماته الفنية والجمالية مقابل خلفية أيديولوجية سيطرت على النص وعلى طريقة العرض، وأوشك المسرح أن ينتهي كفنّ جماهيري كما كان في فترة ستينيات وسبعينات القرن الماضي، وطبعًا لا ننسى أثر الفضائيات التي باتت هي الرائد الأول في استقطاب الجماهير بدل المسرح والسينما. في ظل كل هذه المعوقات والأزمات انطلقت وانتهت فعاليات مهرجان دمشق المسرحي في دورته 15. ويعتبر هذا المهرجان هو أول مهرجان مسرحي عربي؛ فقد بدأت أولى دوراته عام 1969 على يد المسرحي الراحل سعد الله ونوس، واستمر سنويًا ثلاث دورات، ثم تبادل سنويًا مع مهرجان قرطاج المسرحي إلى أن توقف عام 1990 وعاد عام 1996 إلى سابق عهده. وقد حاول القيّمون عليه إعادة الأهمية له واستقطاب المسرح العربي خلاله منذ عام 2006، كما حاولوا في الدورة الأخيرة تقديم تميز فيه من خلال استقطاب عروض كثيرة، حيث قدم على مدى ثمانية أيام 13 عرضًا مسرحيًّا سوريًا و19 عرضًا عربيًا وأجنبيًا تفاوتت بالأهمية وحاولت أن تعرف الجمهور السوري بالمسرح العربي من هذه العروض من سوريا «إناس الليل» لباسم قهار، و«راجعين» لأيمن زيدان، و«حكاية بلا نهاية» للؤي شانا، و«حكاية علاء الدين» لأسامة حلال، و«كلاكيت» لتامر العربيد، و“قصة حديقة الحيوان” لرأفت الزاقوت، و“ليلة القتلة” لمأمون الخطيب، و«بيت بلا شرفات» لهشام كفارنة، و“الآلية” لمانويل جيجي، و“سينما” لرغدة شعراني، و“حب بلا أجنحة”، و“راشامون” لحازم زيدان؛ إضافة إلى عرض حفل الافتتاح بعنوان الإلياذة الكنعانية لفرقة أورنينا الاستعراضية، وعرض الختام لفرقة سمه. أما العروض العربية فهي «كنا صديقين» من السعودية، و«أنا أنت الإنسان» من قطر، و«دراما الشحادين» من الكويت، و«جمهورية الموز» من الأردن، و«فليسقط شكسبير» من ليبيا، و«حقائب» من تونس، و“طعم الطين” من المغرب، و«أحلام شقية» من الأردن، و“كامب” و“صدى” من العراق، و“شظايا” من الجزائر، و«مساحات أخرى» من لبنان، و“الرقصة الأخيرة” من السودان، و“صحوة ربيع” من مصر، و“هبوط اضطراري” من فلسطين. وكان المهرجان قد تضمن تظاهرة المنصة المسرحية لحوض البحر الأبيض المتوسط، التي تستضيف سوريا الدورة الأولى لها عروض مسرحية بعنوان «نيجاتيف» لنضال سيجري و«حتى إلى يعود» من فرنساوتونس و“مكان ما في منتصف العالم” من تركيا و«ماشي أون لاين» من لبنان و«باش» من قبرص. كما تم في حفل افتتاح المهرجان وحفل الاختتام تكريم 20 شخصية من المبدعين السوريين والعرب ممن عملوا للمسرح وهم: الكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله، والممثل السوري أيمن زيدان، والدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون في مصر، والفنانة السورية فايزة شاويش، والممثل اللبناني رفيق علي أحمد، والممثل السوري نضال سيجري، والفنان التونسي عبدالغني بن طارة، والفنانة السورية ندى الحمصي، والمبدع الراحل ناجي جبر المخرج مانويل جيجي، والفنانتان ثراء دبسي وأميمة طاهر، والدكتور عزالدين قنون من تونس، والمخرج عصام السيد من مصر، والدكتور عبدالرحمن بن زيدان من المغرب، والدكتور شفيق المهدي من العراق، والدكتور يوسف عيدابي من السودان، والفنانة اللبنانية ميريل معلوف، والمخرج الجزائري محمد بن قطاف. كما أقيمت على هامش المهرجان ندوات يومية حول المسرح والشباب ومن بينها ندوة فكرية لاتحاد الكتاب العرب، إضافة إلى ندوات نقدية تطبيقية بعد كل عرض مسرحي عربي كانت جميعها تهدف لرصد الإشكاليات المسرحية وتقديم نقد وتقارير بغية رفع سوية المسرح الجاد في ظل الإشكاليات الناشئة في هذا الموضوع. وعلى الرغم من الاستعدادات التي سبقت المهرجان بفترة، والحرص على الوصول به للأفضل لا يمكن أن نصف الجمهور المسرحي الذي حضره رغم عدده أنه كبير أو أنه مشجع والواقع أن الموضوع مثار جدال والأزمة قائمة. مقايضة فكرية وزير الثقافة السورية دكتور رياض عصمت وهو من المهتمين بالفن المسرحي تحدث عن أهمية المسرح وبتفاؤل رغم الظروف الغائمة التي تخيم عليه منذ فترة فقال: إن المسرح ليس بمتحف للتراث ولا مختبرًا للتجارب بل هو التوازن بين الحداثة والأصالة يعيد إنتاج تراث الماضي برؤية معاصرة، ويعالج الراهن بجرأة ومصداقية، لذا فالمسرح هو أمل المستقبل. إنه التكامل الذي يهب دفاعًا عن هويتنا القومية في عصر العولمة منفتحًا على ثقافات العالم الإنسانية، متلقفًا إياها بمبدأ الحوار مع الآخر، والمهرجان لدينا يحتفي بالنصوص العربية ومبدعيها، والمسرح هو التعددية والتنوع التي تشكل لوحة فسيفسائية عالمية. فالمسرح بعصرنا مقايضة فكرية بين شعوب العالم، فنأخذ من مختلف ثقافات العالم لنعطي من ثقافتنا وذائقتنا العربية. فهو عناية بالمبنى والمعنى وتكامل إنه رئة الشعوب تتنفس به وتحيا من خلاله، وهو العطاء المرهون بإرادة الشباب وسيبقى»المسرح هو أبو الفنون. دورة متميزة وعن المهرجان، قال مدير المسارح والموسيقى ومدير المهرجان عماد جلول: إن هذا المهرجان لم يكن لولا دعم القائمين عليه وإيمانهم بأهمية المسرح ودوره الفعال في المجتمع والتأثير على الشعوب والتخاطب معهم، وهذه الدورة كانت استثنائية في كل شيء، فقد حظيت بالكثير من الاستعدادات المبكرة لا سيما في ظل كثرة الراغبين في المشاركة بالمهرجان. كما أننا حرصنا في هذه الدورة أن تكون مفتوحة على كل الأشقاء العرب بحيث تتضمن عروضًا من معظم الأقطار العربية بغاية التواصل وإتاحة الفرص للشباب كي يجدوا خشبة يقدمون عليها نتاجاتهم المسرحية. وأضاف جلول عن جديد في هذا المهرجان: إن الجديد فيه هو انطلاق مشروع تظاهرة المنصة المسرحية لحوض البحر الأبيض المتوسط، واستضافة سوريا للدورة الأولى لها كذلك قدمت خلال المهرجان منحًا لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التقنيات المسرحية لاتباع دورات تخصصية من قبل جان بيير دوماس مدير تقنيات المسرح في أفينيون بفرنسا الذي تم استضافته كضيف شرف في المهرجان، كذلك تم تكريم عدد كبير من المسرحيين الذين استطاعوا تحقيق حضورهم على صعيد مختلف مجالات الإبداع المسرحية وذلك تشجيعًا للعمل المسرحي. وعن هدف المهرجان يقول جلول: إن غاية المهرجان في دورته الخامسة هو التواصل وإتاحة الفرص للشباب كي يجدوا خشبة يقدمون لأننا نشعر بثقل المسؤولية لأننا نتابع جهودًا بدأت منذ عشرات السنوات ونأمل أن نحسن حمل الراية لنكون امتدادًا طبيعيًا لمن سبقنا. المهرجانات لا تصنع مسرحًا وبيّن الوضع الراهن للمسرح السوري وتفاؤل أهل الفن بعودته أو تشاؤمهم تفاوتت الآراء حول المهرجان لكن الإجماع كان هو الأمل بمستقبل أفضل فقد أكد الفنان دريد لحام بقوله: إن المهرجان يقدم فعاليات تبعث النشاط وتبعث على التفاؤل لتحمس الآخرين ليعملوا بجدٍ أكثر ويقدموا أعمالًا أكثر قوة والمسرح السوري موجود إلا أنه قليل، باعتبار أن الدراما السورية التلفزيونية خطفت الممثلين، غير أنّ العروض ما تزال موجودة من خلال طلاب وطالبات المعهد العالي للفنون المسرحية. ويضيف لحام: إنّ المهرجانات لا تصنع مسرحًا، فمهرجان القطن لا يزرع قطن ومهرجان المسرح لا ينتج مسرح، غير أنّ المهرجان يحتفي بالإنجازات الموجودة، وينشط هذه المسألة، وليس من مهمته أن ينتج عملًا مسرحيًّا. بدوره يقول الفنان وائل رمضان: إن المسرح السوري بخير، حيث يقدم العديد من الفنانين أعمالًا لها قيمتها على مستوى سوريا والعالم عمومًا. لكنها بحاجة لتسليط الضوء عليها على مدار العام وليس خلال فترة المهرجان فقط، فهناك تجارب مهمة وتحتاج لدعم مالي ومعنوي من الحكومة ومن الشركات الكبرى. كما تحدث الفنان عمر حجو وهو أحد مؤسسي الحركة المسرحية في سوريا عن المهرجان قائلًا: أتمنى أن يكون المهرجان دائمًا وليس مجرد أيام قليلة تنتهي بانتهاء المهرجان لتكون الحركة المسرحية مستمرة ليس في دمشق فقط وإنما في جميع المحافظات، ففي السبعينيات عندما قدمنا (مسرح الشوك، وغربة، وكاسك يا وطن) الناس كانوا يأتون من كل المحافظات ويحجزون بطاقاتهم قبل شهر ونصف؛ أما اليوم فلقد نسينا المسرح للأسف، ويجب أن نعيد ثقة الناس بالمسرح وأن يكون هناك ديمومة في المسرح ويتم تقديم عروض جديدة وإعادة عرضها أكثر من مرة لتتاح فرصة مشاهدتها لأكبر شريحة من الجمهور. أعرق المهرجانات وقالت نقيبة الفنانين السوريين الفنانة فادية خطاب: إن مهرجان دمشق المسرحي يعتبر من أعرق المهرجانات العربية المسرحية منذ بداية تأسيسه وحتى يومنا هذا، حيث استطاع المهرجان أن يضم خلال جميع دوراته السابقة أشخاص مهمين سواء على مستوى النقد أو الإخراج أو الممثلين المسرحيين، وأهم المسرحيين العرب وقفوا على خشبات مسارح دمشق، كما أن المهرجان يفتح باب السجال والحوار والنقاش والاختلاف في الرأي وهذه حالة صحية وجميلة جدًا قد لا تتوفر في فرص أخرى خلال الأيام العادية. منافسة غير نزيهة أما الفنان المسرحي غسان مسعود فقال: أعتبر المهرجانات ومنها مهرجان المسرح هو شكل من أشكال التذكير للمسؤول وللمواطن والناشط المسرحي على أن هذا الفن المسرحي ينبغي أن يعيش ويتطور، وسيكون من الصعب جدًّا أن يتطور إن لم نتعتن به بشكل مضاعف لأننا اليوم في عالم الصورة وعالم الصورة تستفيد منه كل الفنون أكثر من المسرح ربما، وبالتالي المنافسة غير نزيهة ونخشى أن تكون على حساب المسرح، فاليوم هناك العديد من الأسماء المسرحية الشابة في سوريا، التي تنتج عروضًا هامة وتبشر بالخير في المستقبل القريب.