طلبت اسبانيا رسمياً تسجيل موضوع الصيد البحري مع المغرب ضمن جدول أعمال اجتماع مجلس وزراء الزراعة في دول الاتحاد الاوروبي الذي سيعقد اليوم في بروكسيل للتوصل الى قرار حاسم في شأن ذلك. رفض وزير الزراعة والصيد الاسباني ميغال ارياس كانيتيه أول أمس اقتراحاً مغربياً بالسماح لنحو 100 قارب صيد اسباني بالعمل في المياه الاقليمية لمدة سنة دون تعويضات من الاتحاد الاوروبي، يهدف الى الحيلولة دون تعثر المفاوضات بين المغرب والاتحاد. وقال الوزير الاسباني ان العرض المغربي غير مقبول ولا ينسجم مع تطلعات الصيادين ولا يعالج مشاكل الصيد في بلاده. وانتقدت مدريد بشدة موقف مفوض الزراعة الاوروبي فرانز فيشلر لفشله في اقناع الجانب المغربي تجديد اتفاق الصيد الذي انتهى العمل به في تشرين الثاني نوفمبر عام 1999 وكان يسمح لنحو 500 سفينة أغلبها اسباني بالعمل في المياه المغربية مقابل تعويضات سنوية بقيمة 125 مليون دولار. وقالت وسائل الاعلام الاسبانية أمس إن فيشلر مفاوض رديء ولا يفهم العقلية المتوسطية، في اشارة الى جذوره الجرمانية. وهددت جمعيات الصيد الاسبانية بسحب ثقتها من المفوض الاوروبي والتوجه مباشرة الى التفاوض مع المغرب الذي قالت عنه انه "يملك ثروات بحرية ضخمة ونحن نملك سوقاً كبيرة ونحتاج الى تعاون دون وسطاء". وكان وزير الصيد المغربي سعيد شباعتو اقترح على الطرف الاوروبي السماح لجزء من الاسطول الاسباني بالعودة الى المياه المغربية دون مقابل كحل وسط لاخراج المفاوضات من "عنق الزجاجة" بعد ان رفض الاتحاد الاوروبي اقتراحات مغربية بافراغ الحمولات في الموانئ المحلية واحتساب التعويض السنوي على اساس 90 مليون يورو 81.9 مليون دولار. وأشار الوزير المغربي في ندوة صحافية ان العرض يهدف الى معالجة بعض الصعوبات الاجتماعية للصيادين الاسبان في اقليم الاندلس ويعتبر رسالة واضحة الى الاتحاد الاوروبي تقول ان الخلاف في شأن تجديد اتفاق الصيد ليس رهين بضعة ملايين من الدولارات. ولم يخف المغاربة تذمرهم من طريقة التفاوض الاوروبية التي قالت عنها اوساط مشاركة في المفاوضات انها على طريقة "القطرة قطرة" ولها احياناً خلفيات استعمارية متجاوزة لا تعكس تطلعات المغرب في الحفاظ على مخزونه السمكي والتحكم في ثرواته البحرية. وقال مشارك في المفاوضات ل"الحياة": "وردت اكثر من مرة فكرة وقف التفاوض لكننا نحافظ على خطوط اتصال حتى لا نتهم بعرقلة المفاوضات". ولم تفلح الجولة الحادية عشرة من المفاوضات المراثونية بين الجانبين الاوروبي والمغربي في التمهيد الى التوصل الى اتفاق جديد للصيد البحري خلال يومين من اجتماعات عقدت في الرباط الاسبوع الماضي في حضور مفوض الزراعة الاوروبي ووزير الصيد المغربي وبدعم سياسي من رئيس الحكومة عبدالرحمن اليوسفي. وكان متوقعاً ان تنتهي تلك المفاوضات التي عقدت في مقر وزارة الصيد البحري الى اعلان صيغة الاتفاق الجديد تمهيداً لفتح ملف الصادرات الزراعية الى الاتحاد التي يأمل المغرب بادراجها في بند الشراكة التجارية التي شرع في تطبيقها. لكن مصادر قالت ان خلافات في شأن قيمة الدعم المالي الذي يطالب به المغرب للسماح لبعض السفن الاوروبية بالعودة الى المياه الاقليمية حالت مرة اخرى دون توصل الطرفان الى اتفاق جديد كان متوقعاً قبل نهاية الشهر الجاري. وحسب المصادر نفسها، يطالب المغرب بمبلغ لا يقل عن 90 مليون دولار سنوياً على الا يتجاوز عمر الاتفاق الجديد ثلاث سنوات. وفي المقابل عرض الاتحاد الاوروبي مبلغ 70 مليون دولار سنوياً من اجل اتفاق مدته اربع سنوات، بينما أبدى الاوروبيون بعض المرونة في مجال امكان افراغ حمولات السفن الاوروبية في بعض مرافئ الصيد المغربية ضمن صيغة قد يتفق الطرفان لاحقاً على تفاصيلها. واقتنع الاتحاد من جهة اخرى بفكرة المراقبة بالاقمار الاصطناعية وتغريم السفن الاوروبية التي تخرق بنود الاتفاق. وقال فيشلر ان بعض الافكار التي وردت في المفاوضات تحتاج الى موافقة "سياسية وادارية" من المفوضية الاوروبية خلال اجتماعها اليوم في بروكسيل وانه غير مخول الحسم فيها لارتباطها بموافقة الدول الاعضاء التي تساهم في موازنة الدعم الخارجي. واضاف فيشلر انه يتفهم المرونة التي ابداها المغرب في الجولة الاخيرة لكنه شخصياً غير مؤهل لاعطاء جواب نهائي في شأنها. وكان الجانب الاوروبي اقترح دعماً في السنة الاولى من الاتفاق بقيمة 70 مليون دولار على ان تنخفض القيمة الى 60 مليون دولار في السنة الثانية وتنحدر الى 40 مليون في السنة الثالثة وهي الفكرة التي رفضها المغرب بقوة. وقال مصدر اوروبي ل"الحياة" إن المغرب يطالب بتقليص حجم الاسطول الاوروبي في مياهه ومن الطبيعي ان يقلص الاتحاد من جهته من قيمة الدعم المالي تماشياً مع عدد السفن العاملة. ويحرص المغرب على تقليص حجم الاسطول الاوروبي الى النصف على الاقل على اعتبار ان السواحل المغربية لم تعد تسمح بالممارسات نفسها التي كانت تنتهجها السفن الاوروبية والتي ادت الى تراجع المخزون السمكي، الذي ينتج منه المغرب نحو مليون طن سنوياً تمثل نحو ستة في المئة من الانتاج العالمي من مصادر الصيد البحري. وقال مسؤول مغربي ان الاتحاد يدرك جيداً ان عودة الاسطول بحجمه السابق امر مرفوض ولن توافق عليه أي حكومة في الرباط، كما ان افراغ الحمولات في الموانئ جزء من السيادة الوطنية. ويضاف الى ذلك ان قيمة الدعم المالي لا تعكس الارباح التي كانت تجنيها الاساطيل الاوروبية من عملها في المغرب، وهو ما تصر عليه الجمعيات المحلية التي تقول ان الاساطيل الاوروبية حققت مبيعات اسماك فاقت قيمتها أربعة بلايين دولار من نشاطها في الاتفاق السابق 1996 - 1999. ويسعى المغرب الى اقناع الاوروبيين بضرورة الشراكة في اعمال الصيد على اليابسة وليس داخل البحر وذلك عبر استثمارات مشتركة للانتاج والمعالجة والتسويق تكون تحت مراقبة الاقمار الاصطناعية وسلطات الحدود والشواطئ. وقال مسؤول مغربي مازحاً إن الاوروبيين يبالغون في الدفاع عن مصالح الجمعيات الاوروبية ويرفضون فكرة وجود جمعيات مغربية معارضة للاتفاق، مشيراً الى انه "اسلوب من التفاوض غير مقبول ولا يخرجنا من النفق". وقال الوزير المغربي ان فيشلر فهم اقتراحنا خطأً، في اشارة الى اقتراح عودة مئة سفينة صيد اسبانية مدة سنة من دون مقابل. واضاف ان هذا زاد في تعقيد الموقف وانه من الافضل احالة الملف من جديد على انظار وزراء الزراعة الاوروبيين الذين يبدو بينهم انقسام في الرأي في شأن العلاقة مع المغرب. يشار الى ان شواطئ المغرب تمتد على 3500 كلم على البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي. وكان المغرب قبل انضمام اسبانيا والبرتغال الى الاتحاد الاوروبي عام 1986 يوقع اتفاقات ثنائية في مجال الصيد تضمنها حكومات الدول الثلاث وهي الصيغة نفسها المطبقة حالياً مع اليابان وروسيا وكوريا الجنوبية. وتعتبر هذه الفكرة اخر الحلول اذا استمرت المفاوضات بين بروكسيلوالرباط على ما كانت عليه خلال السنة الماضية.