تلاقى تقرير المجموعة العلمية في "هيئة الحكومات لمراقبة المناخ" الذي أصدرته الأممالمتحدة، مطلع الأسبوع الماضي، مع التقرير الأولي الذي صاغته هذه الهيئة وصدر في شنغهاي خلال شهر شباط فبراير الجاري، سوى انه بدا أكثر تشاؤماً بتغييرات المناخ في القرن المقبل، وأشد تركيزاً على دور التلوث الصناعي في هذا الأمر. ذوبان الثلوج في الألب وكليمانجارو، تصحّر واسع في استراليا وافريقيا واميركا الجنوبية، شح في المياه في وسط آسيا وجنوب الصحراء الافريقية الكبرى وجنوب اوروبا، كوارث طبيعية في شبه القارة الهندية والصين وأوروبا وسواحل الأميركتين، تعاظم ظاهرة "النينيو" وآثارها المدمرة في دول أميركا الجنوبية وكندا... أي في اختصار عالم مضطرب بيئياً يهاجر بشره سعياً وراء نقاط الماء وهرباً من الأوبئة المتصاعدة بفعل مناخ مُخَرّب. تلك هي صورة الأرض في القرن المقبل كما رسمتها المجموعة العلمية في "هيئة الحكومات لمراقبة تغيّر المناخ" أو Intergorormental Panel On Climate Change واختصاراً IPCC، في ثنايا تقريرها الذي أصدرته الأممالمتحدة في جنيف في 19 الجاري. وأكد التقرير أن المصدر المشترك لانحدار مناخ الأرض هو الارتفاع المستمر في حرارتها، ما بات يعرف ب"اثر البيت الزجاج" Green House Effect . ومن البديهي ان يلاقي التقرير استنتاجات مشابهة صاغتها "هيئة الحكومات..." في وقت سابق من الشهر نفسه. وشدد التقرير على الوقائع البيئية الآتية: ارتفاع متوسط الحرارة على الأرض بمقدار 6.0 درجات بعد العام 1861، أي منذ بداية الثورة الصناعية. عرف القرن العشرون أشد درجات حرارة مسجلة خلال الف عام، وكانت الذروة عام 1998. ذوبان الكتل الجليد بمقدار عشرة في المئة منذ العام 1960. ارتفاع مستوى مياه البحار بمقدار 20 سنتيمتراً خلال القرن العشرين. اشتداد ظاهرة "النينيو" El-Nino وثباتها فوق المحيط الهادئ، أكبر محيطات العالم، مع آثار مدمرة، في الحياة الانسانية والبحرية في دول أميركا الجنوبية. وخلص التقرير الى ملاحظة "ارتباط قوي جداً" بين اضطراب المناخ والزيادة المضطردة في تراكم غاز ثاني أوكسيد الكربون، مؤشر عوادم الصناعة. وارتفع مستوى غاز ثاني أوكسيد الكربون، وكذلك الميثين المرافق له، بنسبة 31 في المئة منذ العام 1750، وبزيادة ثابتة مقدارها 5.1 جزء في المليون، كل عشرين عاماً. الرد الأميركي: اضطراب رأيناه سابقاً! وتُقّر وجهة النظر الأميركية الرسمية بكل ما يقال عن تغيّر البيئة، لكن علماءها يخالفون بقية علماء الأرض في قراءة التغيرات وتفسيرها. ويناقش موقع "وكالة المحيطات والغلاف الجوي" أو "ناووا"، تلك القراءة استناداً الى تحليل طبقات الجليد في القطبين، وهي سجل ما كانته حال طبقات الهواء منذ آلاف السنين، والى تحليل مستوى ذوبان غاز ثاني أوكسيد الكربون في مياه الأطلسي والهادئ، وهي من مؤشرات قدرة الأرض على التعامل مع الغازات وتراكمها. ويشدد علماء "ناووا" على الأمور الآتية: ان استخدام مصطلح "اثر البيت الزجاج" يجب أخذه على معنى وصف الظاهرة، ولا يحمل بالضرورة تفسيراً لها. ان الأرض شهدت حقباً من تغييرات مماثلة، بل أشد عمقاً من الحال الراهنة. فخلال ال 12 الف سنة الأخيرة تقلب مناخ جزيرة "غروينلاند" القطبية الفخمة مرتين، وازدادت دفئاً بمعدل تفاوت بين خمس درجات مئوية وعشر ثم عادت الى برودتها المعهودة. قبل عشرة آلاف سنة، ارتفع مستوى مياه البحار والمحيطات بمقدار عشرة أمتار، من دون وجود الصناعة، ثم عادت الى الانحسار تدريجاً. مرت الأرض بمرحلة ارتفاع حرارة مع زيادة في غاز ثاني أوكسيد الكربون والغبار قبل 130 الف سنة، ودامت وانتهت بعصر جليدٍ تبعه العصر الدافئ الحالي الذي يبدو مستقراً منذ 12 الف سنة. والخلاصة، هنا، هي غياب الربط بين هذه المتغيرات وعوادم الصناعة والتلوث، ما يرجح وجود عوامل اخرى وازنة ومؤثرة في بيئة الأرض. لا ترابط بين معدل امتصاص المحيطات لغاز ثاني أوكسيد الكربون ومعدل تراكمه في الطبقات القريبة من سطح الأرض، ما يسمح بالتفكير في أسباب غير معروفة لظاهرة تراكم هذه الغازات. لا تدل حرارة الطبقات العليا والبعيدة في الغلاف الجوي الى برودة توازي ارتفاع حرارة الطبقات القريبة من الأرض. ويناقش بعض العلماء ضد القراءة الأميركية لسجلات الطبقات العليا من الهواء. وعلى العموم، تبدو بيئة الأرض غامضة ومتنازعاً عليها، كما هو شأن جمع من المعارف الانسانية عن العالم. ألم يَبْدُ الجينوم أشد غموضاً مما كان متوقعاً؟ أولا تبدو القوى الاساسية في الكون ومسارات الكواكب موضع غموض متزايد؟ ويقود هذا القول الى أمكنة حساسة لنقاش علاقة العلم مع العالم، لكنه أمر يفيض عن هذا المقام.