تأتي أهمية كتاب "الحركات الاسلامية والديموقراطية" - دار قرطاس، الكويت سنة 2000 من ثلاثة أبعاد: أولها ما يتعلق بالموضوع نفسه. فهو يتطرق الى بعد من أبعاد ثوابت الأمة المتمثل في الاسلام وموقفه من الديموقراطية من خلال رصد مواقف الحركات الاسلامية وفهمها للديموقراطية كمنهج للعصر وما يترتب على هذا الفهم من امكانات للنهوض أو تراجع وانكفاء على النفس. البعد الثاني، يتمثل في الهدف الذي يسمو الى تحقيقه وهو كما يشير محرر الكتاب علي خليفة الكواري في التوطئة له ايجاد الأرضية الصالحة لامكانات اقامة التسوية التاريخية في المجتمعات العربية على قاعدة الديموقراطية لتجاوز العقبات اذ لا بد من نقطة التقاء بين القوى التي تنشد التغيير من ناحية وبينها وبين الحكومات من ناحية أخرى. وهذا يتطلب وجود قاسم مشترك بينهما مهما كان ذلك صغيراً أو محدداً يمكن من خلاله تحقيق هذه التسوية التاريخية. البعد الأخير الذي يبرز هذه الأهمية يتمثل في كونه حصيلة منتدى فكري اللقاء السادس لمشروع دراسات الديموقراطية في البلدان العربية، اكسفورد - بريطانيا، التقت فيه مختلف الآراء قرباً أو بعداً في نظرتها من امكان تحقيق مثل هذه التسوية التاريخية اعتماداً على رؤيتها وتصوراتها حول مفهوم الديموقراطية وملاءمته للالتصاق بالمنظور الاسلامي من عدمه. وتأتي مقدمة الكتاب التي كتبها المفكر والوزير البحريني السابق علي محمد فخرو لتضفي جانباً من الأهمية على طريقة معالجة مثل هذا الموضوع الشائك، حين يشير الى نقطة مهمة موضوعية يجب التركيز عليها بعيداً من المعالجة الفكرية لمسألة الديموقراطية التي أشبعت بحثاً، وتتمثل في السؤال الآتي: هل تحمل الديموقراطية حلولاً أساسية وفاعلية لمشكلات المجتمع العربي؟ ويشير كذلك الى عدم أهمية المسمى، ولكن يجب الاتفاق على الأقل على حد أدنى للعلاقات ضمن أي نظام يتمثل في اعتبار الفرد مواطناً لا مرعياً وحقوق العدل والمساواة وحق الناس في اختيار حكامهم وايجاد دستور واستقلال القضاء وتداول السلطة... الخ. ويؤكد كذلك ومن خلال تجربته الشخصية وجود مشكلات في معالجة موضوع الديموقراطية ولا سيما لدى النخب. فهناك الموقف "الثقافوي" الذي يتعامل مع المجتمع من خلال ثقافته وليس من خلال حاجته كالإشارة الى عدل أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند الحديث عن الديموقراطية. وتتبنى هذا الموقف النخب التقليدية من قبيلة وعائلة حيث الحديث عن السلف الصالح. أما الموقف الآخر فهو موقف انفصامي ونكوصي وغير اخلاقي حينما ترفض النخب العربية افرازات الديموقراطية حين تكون النتيجة تسلم الاسلاميين الحكم عن طريق الانتخاب كما حصل في الجزائر وهو موقف يتبناه أصحاب الانقلابات والرتب العسكرية، ويحدد فخرو أن الخطوة العملية ربما تكون في قيام جبهة عريضة من مختلف التيارات داخل المجتمع تتفق في ما بينها على تبني قضيتين أو ثلاث من قضايا المجتمع المحورية لايقاف سرعة هذا التدهور الذي يشهده الوضع العربي الحالي. وتأتي بعد ذلك فصول الكتاب والمناقشات التي دارت على اطروحات اللقاء. ويتناول الفصل الأول: أولاً: الاسلاميون والدولة والمسألة الديموقراطية لوليد نويهض من صفحة 25- 134. يقرر هذا الفصل صعوبة حصر مواقف الحركة الاسلامية العربية من مسألة الديموقراطية لأسباب عدة منها: تنوع التنظيمات الاسلامية واختلاف ظروفها المكانية والزمانية وكذلك تاريخ كل تنظيم وتطور أفكاره وتوجهه السياسي بين فترة وأخرى وأيضاً صعوبة الحصول على وثائق مختلف التنظيمات نظراً لتنوعها من جهة ولجوء بعضها الى العمل السري من جهة أخرى وكذلك انقسام التنظيم الواحد وتعدد مصادر كل طرف سواء الفكرية أو الثقافية أو الاجتماعية. لذلك قام الباحث بتوزيع عمل الجبهات الاسلامية الى فريقين حتى يمكن حصر البحث، الأول هو ذلك الذي يشارك وبنسب متفاوتة في بعض البرلمانات العربية وحكوماتها، والثاني هو ذلك الذي يناهض الأنظمة العربية ويحاربها سياسياً في بعض المناطق وعسكرياً في مناطق أخرى. ثم يتطرق الباحث الى أهمية وضع اطار عام لحدود الاشكالية المعرفية المتعلقة بفكرة الديموقراطية. فهناك فارق كبير بين أن تكون الديموقراطية فكرة ايديولوجية جاهزة بمعنى معطى نهائي يقدم كنموذج سحري للشعوب والأمم وبين أن تكون صيغة تاريخية قابلة للتعديل والاضافة والتطور، لذلك فهي تختلف من مجتمع متجانس عنها في مجتمع آخر غير متجانس كما لاحظ ذلك بعض علماء الاجتماع، فهي في الأول تعزز الوحدة وتطورها سليماً بينما في الثاني لا بد من أن تكون توافقية تحترم حقوق الأقليات المختلفة عن الأكثرية. وأدى الخلط بين المصطلحات الى سجالات فكرية لا تنتهي ولم يساعد على ايجاد مقاربة فعلية بين الاسلام والديموقراطية، فالخلط بين الديموقراطية كآلية لتنظيم الخلاف وبين المفاهيم الايديولوجية المتعلقة بالعلمانية والليبرالية زاد من ارباك المواقف. وأشار الباحث الى ضرورة التمييز بين خطين اسلاميين كبيرين يتنافسان على تأكيد شرعية التمثيل ومشروعية الفكر والمنهج وهما، تيارات الأخوان المسلمين وتوجهها العقلاني وتيارات الجماعات الاسلامية ومنظمات الجهاد التي ترفض الأسلوب السلمي والفرق بين التيارين يتمثل في أسلوب المكاشفة لدى الأخوان في مقابل أسلوب العمل السري لدى التيارات الأخرى. ويكشف عن تغير موقف الأخوان ايجابياً تجاه فكرة الديموقراطية بعد تعرضها للحل إبان الحكم الناصري وهي التي كانت تدعو الى حل جميع الأحزاب قبل عام 1952 في حين ان الجماعات الاسلامية ترى ان الديموقراطية تنبع من تعدد الايديولوجيات، وهذا أمر مناهض ومرفوض مع الاسلام، فكان التباين واضحاً. ونتيجة هذا التطور في فكر الأخوان أصدروا ثلاث وثائق مهمة، بل الأهم في تاريخهم يوضحون فيها مواقفهم الايجابية من قضايا هي في صميم الديموقراطية كالمواطنة ودحض العنف وضرورة اختيار الحكام عن طريق رضا المحكومين ومشاركة المرأة ومساواتها بالرجل وحقها في الممارسة السياسية. ولكن الانتكاسة كانت في موقف السلطة من هذا التحول حيث قامت بحملة اعتقالات كبيرة واعتقل الكثيرون عام 1995. بعد ذلك يتحدث الباحث عن تجارب محددة كنماذج على صلة الدولة بالمجتمع ومواقف السلطات من الاسلاميين كالسودان والجزائروتونسوفلسطين وتركيا. المخاوف وتناول زياد احمد بهاء الدين في الفصل الثاني "مخاوف وتحفظات من مشاركة التيار الاسلامي في التنافس الديموقراطي صفحة 151-177، فقدم عرضاً لآراء القطاعات الواسعة من الجماهير العربية بصرف النظر عن موقفها الايماني في الدين الاسلامي كعقيدة الا انها ليست مؤيدة للتيار الاسلامي كقوة سياسية تنافس على الحكم. وتعرض هذه الورقة كذلك لمبررات السماح بتكوين أحزاب اسلامية وهي كما تراها القطاعات الواسعة من الجماهير العربية في ان جوهر الديموقراطية يعني تمكين الشعب من اختيار ممثليه وكذلك الاعتبار السياسي لثقل تيار المعارضة الاسلامية حيث هي القوة المتبقية في مواجهة السلطة. وأشار الى المخاوف التي يثيرها اشتراك التيار الاسلامي في العمل السياسي، وهي تتمحور حول خطورة الادعاء بوجود ممثل وحيد للاسلام دون غيره وكذلك الخوف من لجوئها الى العنف كخيار دائم كلما ضاقت السبل والاعتقاد كذلك لدى قطاع كبير من ان موقف التيار الاسلامي من الديموقراطية موقف انتهازي للوصول الى السلطة ومن ثم الانقلاب على غيره من التيارات. وهناك أيضاً التباين الواضح بين الفكر والممارسة في موقف التيار الاسلامي من قضايا كقضية المرأة وحقوق الأقليات. ودعا بهاء الدين الى الوصول الى حد أدنى من الاتفاق ، فلم يعد استبعاد التيار الاسلامي مقبولاً ويجب الاّ تتحول التحفظات على اشتراكه الى رفض تام وانما موقتة حتى لا يتحقق للنظم الحاكمة ما تتمناه. وكذلك أهمية الوصول الى صيغة تتفق فيها القوى الوطنية كافة تتضمن قبول التيار الاسلامي في مقابل التزامه بمواقف محددة ومقبولة وملزمة. وأضافت المناقشات صفحة 189-221 جديداً الى موضوع الورقتين، اذ تناول الحوار جوانب كثيرة أثرت وواجهت بالنقد بعض ما قدمته الورقتان. وأكدت هذه المناقشات في فحواها أهمية التحدي الذي تواجهه الأمة وضرورة ايجاد نوع من التوافق بين الاسلام والديموقراطية من خلال فهم أعم وأشمل لأنهما يلتقيان على الأقل في نبذ العنف وحقن الدماء والأخذ بالرأي الآخر، ولعل أهم ما دار في هذه المناقشة الحوار الذي تم بين محمد محمود السودان - الولاياتالمتحدة وراشد الغنوشي بريطانيا - تونس حينما تطرق السيد محمود الى حقيقة ثابتة يعتقدها ويحاول الاسلاميون طمسها وهي مركزية العلاقة بين الديموقراطية والعلمانية واحتفاظ العلمانية باستقلالها. ويؤكد الشيخ راشد الغنوشي تونس - بريطانيا أنه لا يمكن العالم العربي بالذات أن ينتقل الى الديموقراطية ما لم يسلم بالمرجعية الاسلامية وبعد ذلك يمكن الاختلاف. بغير هذا التسليم لا يمكن حصول الانتقال الديموقراطي لأن الاسلام هو المكون الثقافي للأمة، والتسليم بهذه المرجعية اليوم أمر مهم للنخبة اذ يعيد تواصلها مع الجماهير. في اتجاه آخر يعتقد بشير نافع فلسطين - بريطانيا "ان الدولة الحديثة في العالم الاسلامي مسكونة بالعنف منذ القرن التاسع عشر حين بدأت عملية طويلة من ضرب قوى المجتمع المدني وتقويضها ويشبه هنا ما سيشدد راشد الغنوشي على خطورته عندما تمحى البنى التقليدية في المجتمع دونما وجود بديل آخر يزداد تسلط الدولة وطغيانها". ويتصور شويري ان قيام الحربين العالميتين هما نتيجتان لعصر التنوير بينما يرى محمد جابر الأنصاري البحرين انهما بسبب هزيمة فكر التنوير لأن التنوير يدعو الى التعامل العقلاني والسلمي. ويؤكد معرفة القاع السوسيولوجي للمجتمعات العربية لأنه العامل الحاسم في عملية الانتقال الديموقراطي وليس السقف الايديولوجي. * كاتب قطري.