واشنطن - رويترز - مع دق المسمار الاخير في نعش نظام الخفض التدريجي للعملة التركية، على رغم بلايين الدولارات من قروض صندوق النقد الدولي التي ضخت الى البلاد خلال الاسابيع القليلة الماضية، فإن الانهيار الأخير لهذا النظام يثير بعض الاسئلة الصعبة: لماذا حصلت تركيا على قروض جديدة بالبلايين في كانون الاول ديسمبر الماضي، ولماذا يساند الصندوق نظاما للصرف كان اعترض عليه علناً في الماضي، والأهم لماذا لم تجبر تركيا على تعويم الليرة بأسرع من ذلك؟ وتطرح الأزمة التركية بعض القضايا المزعجة من ابرزها ما إذا كان الصندوق ينقذ الدول لاعتبارات اقتصادية أم سياسية وما إذا كان الموقف الاميركي من هذه القضايا متأثراً بالمصالح الأمنية. وتخلت انقرة الخميس الماضي عن نظام الصرف الاجنبي القائم لصالح تعويم العملة. وقبل اسابيع فقط زاد الصندوق حجم اقراضه لتركيا إلى ثلاثة امثاله ليبلغ 4،11 بليون دولار. وتدفقت هذه الاموال الجديدة على رغم معارضة الصندوق الصريحة من حيث المبدأ لنظام الربط المحكوم لسعر العملة، وهو نظام يسمح بخفض تدريجي في قيمة العملة لمكافحة الضغوط التضخمية التي خرجت عن نطاق السيطرة منذ الازمة المالية الآسيوية بين عامي 1997 و1999. وقالت مصادر من داخل الصندوق في واشنطن ل"رويترز" إن مسؤولي الصندوق وعلى رأسهم نائب المدير ستانلي فيشر سعوا من وراء الستار لاقناع مجلس صنع القرار في الصندوق في كانون الاول الماضي، بأن على تركيا أن تتخلى عن نظام الربط المحكوم للعملة بسلة تضم الدولار واليورو. واوضح مصدر في الصندوق ان فيشر تمسك بموقفه وأبلغ السلطات التركية المعاندة الاثنين الماضي انه يتعين عليها التخلي عن هذا النظام قبل ان تجبر على ذلك. وأضاف: "قال لهم فيشر مرة اخرى الاثنين: يجب ان تعوموا العملة، لكنهم ردوا بأنهم لا يرغبون في ذلك، وانهم سيناقشون ما إذا كان هذا هو الحل الصحيح لهم". وتابع: "لم يكن الاتراك مستعدين حتى للتفكير في تعويم العملة. إذ كانوا يحظون بدعم الماني لمبدئهم القائل بأن التعويم سيسبب كارثة وانه سيتعذر الوفاء بالمستويات المستهدفة للتضخم". لكن المتحدث باسم الصندوق ديفيد هاولي نفى ان يكون فيشر حض تركيا على التخلي عن نظام تعليق العملة في كانون الاول، ورفض التعليق على نصائح فيشر في الفترة الاخيرة للسلطات التركية. وأكد المصدر ان فيشر كان يخشى ان يؤدي اقل اضطراب سياسي او اقتصادي في تركيا الى تداعيات مروعة على استقرار اسواق المال التركية. لكن المصادر قالت انه عندما تم بحث التمويل الطارئ لتركيا في كانون الاول، اختار الصندوق متأثراً برأي المانيا، ضخ بلايين الدولارات في الاقتصاد التركي، لكن لدوافع سياسية وليست اقتصادية. وفي هذا الصدد اشار مصدر من داخل الصندوق الى "انها تركيا عضو في حلف شمال الاطلسي... نحن لا نتعامل هنا مع تايلاند بل مع عضو في حلف شمال الاطلسي ودولة مرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي، وذات ثقل كبير، لذلك من الصعب ان يملى عليها ما تفعله". وجاء تمويل الصندوق مقابل التزام من تركيا بقيود مالية واصلاحات مصرفية وخطوات لتخصيص بعض المؤسسات. ومضى المشروع قدماً على نحو جيد بعد الأزمة التي شهدتها البلاد العام الماضي، فهبطت أسعار الفائدة واستقر سعر العملة.