أخيراً، وبعد انتظار طويل، بدأ المخرج غسان شميط تصوير فيلمه "زهر الرمان" ليكون أول شريط سوري يصوّر في القرن الجديد. وهو الثاني له بعد "شيء ما يحترق" وفيه يعالج العادات والتقاليد في منتصف القرن الماضي وما حملته الطبيعة من امتهان للمشاعر الإنسانية والوقوف في وجه حرية المرأة وتطورها وحرمانها حقها في الحب والحياة، من خلال قصة حب تدور بين أرملة وأحد شبان القرية، فيقف الأهالي في وجههما، وتتداخل الأحداث وتتشابك خطوط العمل لتخرج عن إطار البطل الواحد ويعبر في النهاية عن تخلف البيئة الريفية في تلك المرحلة من الزمن. الفيلم كتبه غسان شميط بنفسه، ويجسد شخصياته، كل من أسعد فضة وعبدالرحمن ابو القاسم ومها الصالح وفيلدا سمور ومانيا النبواني ورافي وهبة ونضال سيجري... وآخرين. ويقول المخرج عن فيلمه "زهر الرمان يتحدث عن حقبة مهمة من تاريخ سورية، أي مرحلة ما بعد الاستقلال، من خلال قصة اجتماعية تبحث في علاقات اجتماعية، وقد تجلى ذلك في التغييرات التي حدثت ليس على الصعيد السياسي فقط بل وفي الجانب الاجتماعي والثقافي. فاهتمامنا ينصب على هذا الجانب وتحديداً البيئة التحتية للمجتمع السوري. حاولنا التعمق في البيئة والمكان والعادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية". شخصيات العمل مختلفة ومتنوعة وغنية. إذ نجد "أبو سلمان" الرجل الأرمل في سن السبعين، ومع ذلك هو قوي البنية والإرادة، ويعمل في معصرة زيتون، ولا يسكت عن الخطأ، لذلك يصطدم مع الآغا المتسلط في القرية. و"أبو سلمان" من الشخصيات الإيجابية والمدافعة عن قيم الحق والجمال في الفيلم ويجسد شخصيته الفنان عبدالرحمن ابو القاسم الذي شارك قبل عشر سنوات في فيلم سينمائي للمخرج ماهر كرو بعنوان "صهيل الجهات"، وقبل 25 سنة، في فيلم للمخرج صلاح دهني. هناك شخصية محورية ثابتة هي الأرملة العاشقة نجمة، ولديها طفل في الثانية عشرة من عمره، تعيش مع عمها والد زوجها المتوفى، في ظل حياة ريفية رتيبة وهادئة، تتخللها مظاهر شقاء وتعب وألم من خلال العمل في الحقل ومعصرة الزيتون وتربية الماشية. وهذه الشخصية ليست أحادية الجانب فهي صفيفة وقوية، أم وعاشقة، وفي الوقت نفسه كنّة متفهمة لوالد زوجها وتعيش قصة حب مع الشاب "صقر" وتنكشف علاقتهما من طريق المختار الذي يحاول مساعدتهما، لكن رد فعل أهل الضيعة من هذه العلاقة يتبدى سلبياً وعنيفاً، فيطوفونهما على الحمار في كل أرجاء الضيعة، وينبذونهما. وتجسد هذه الشخصية الفنانة الشابة مانيا بنواني. وهناك أيضاً شخصية رجل ريفي يمثل السلطة التنفيذية ل"أبو جبر" وهو يده اليمنى التي ينفذ من خلالها تسلطه. ويجسد هذه الشخصية الفنان واصف الحلبي. التصوير لا يزال في بدايته، وفيلم "زهر الرمان" يحاول أن يركز على مقولة أن الإنسان الفقير البسيط لا يحصل أبداً على ثمرة جهده، وأن النتيجة النهائية يحصل عليها أشخاص لم يقدموا ما قدم هذا الإنسان الذي بني تطور المجتمعات على جهد أمثاله. لكنهم يبقون على الهامش ولا ينالون حقهم.