لم يمر "عيد الرئيس" الذي احتفلت به الولاياتالمتحدة امس، على الرئيس السابق بيل كلينتون وهو في أوج تألقه الاعلامي. بل على العكس تزامن هذا العيد الاول، منذ خروجه من البيت الابيض قبل شهر، مع اولى انتكاساته الاعلامية. والسبب يكمن في الشكوك التي اثارها قراره العفو عن البليونير اليهودي مارك ريتش الهارب من وجه العدالة لتهربه من دفع الضرائب. وغدا هذا القرار احدى فضائحه اللاجنسية القليلة، والأهم الاكثر سلبية على شعبيته. فخلال التحقيقات في مسلسل مغامراته الجنسية اثناء وجوده في البيت الابيض، وعلى رغم نيلها من سمعته الشخصية، حافظ كلينتون على تأييد غالبية الشعب الاميركي، لأن الوضع الاقتصادي كان مزدهراً ولأن معظم هذه الفضائح كان متعلقاً بحياته الشخصية. ولكن قرار العفو عن ريتش في الساعات الاخيرة قبل انتهاء ولايته اثار استياء عارماً لدى الرأي العام الاميركي بعدما اثيرت شكوك بأن مساعدات مالية لحملة عائلة كلينتون مصدرها ريتش كانت وراء العفو الذي اصدره كلينتون. واشارت استطلاعات للرأي العام ان اكثر من نصف الشعب الاميركي لا ينظر "بايجابية" الى الرئيس السابق، للمرة الاولى منذ سنوات عديدة، بسبب قرار العفو عن ريتش. قضية العفو تشبه افلام هوليوود وتنطوي على عناصر لفيلم ناجح جماهيرياً. اذ تخللت الطريق الى قرار العفو محطات ملأى بالمآدب والحفلات التي تقيمها دنيز، الزوجة السابقة لريتش وتستضيف فيها نجوم السينما والمشاهير، امثال سيلين ديون ومايكل جاكسون ومايكل دوغلاس الذي تقدم بطلب الزواج من زوجته الحالية كاترين زيتا جونز في منزل دنيز ريتش، وأيضاً ميخائيل غورباتشوف وروبرت دو نيرو. وحيث يوجد المال والجمال تدخل السياسة وكيف اذا كان بيل كلينتون هو سيد البيت الابيض. واستمرت دنيز تحشد التأييد للضغط على الادارة الديموقراطية لاستصدار قرار العفو عن وزجها السابق، الذي تركها من اجل امراة اصغر سناً، في كل مناسبة وازمة مرّ بها كلينتون وساهمت دنيز في دعم الحزب الديموقراطي. واضطر الكونغرس، بعد الانتقادات الشديدة لقرار العفو عن ريتش، الى عقد جلسات استماع لمعرفة ما اذا كان قرار كلينتون يخرق القوانين، كما باشر مكتب التحقيقات الفيديرالي ومكتب المدعي العام في نيويورك تحقيقاتلب الاخير الاطلاع على كل الحوالات المالية الصادرة عن دنيز ليقرر ما اذا كان لديه سبب لإدانة الرئيس السابق. وتركز التحقيقات الحالية على الدور الاساسي الذي اضطلعت به مطلقة ريتش في قيادتها حملة الضغط لكسب قرار العفو. ويسعى المحققون الفيديراليون الى معرفة اذا ما كانت تبرعات دنيز لمشروع مكتبة كلينتون، كذلك تبرعها بأكثر من 1.4 مليون دولار لدعم الحزب الديموقراطي ساعدت في تأمين العفو عن زوجها السابق. وكان كلينتون لجأ الى دنيز عام 1988 اثناء التحقيقات في موضوع مونيكا لوينسكي لجمع التبرعات، فأقامت حفلة عشاء في شقتها الفخمة المطلة على سنترال بارك في مانهاتن وجمعت ما يقارب 3 مليون دولار للحزب الديموقراطي. وشارك كلينتون في الحفلة. ونفى كلينتون، مدركاً الضرر الذي لحق به نتيجة قرار العفو، الاتهامات الموجهة اليه مكرراً أنه لم يخرق القوانين بل اتخذ القرار من خلال الصلاحيات المعطاة لرئيس السلطة التنفيذية وفقاً للدستور الاميركي. ثم كتب في "نيويورك تايمز" شارحاً الظروف والاسباب التي دفعته الى اصدار القرار. ولم يتردد في القول بأن بين "اهم الاسباب" دعوات قادة اسرائيليين سابقين وحاليين، اضافة الى زعماء يهود في الولاياتالمتحدة واوروبا، الى العفو عن ريتش. وعدّد كلينتون "مآثر" قام بها ريتش واستدعت هذا التأييد للعفو عنه، ومنها دعمه جهاز "موساد" الاسرائيلي للقيام بعمليات انقاذ لليهود من دول معادية، اضافة الى دعم عملية السلام من خلال المساهمة ببعض الاعمال الخيرية في الضفة الغربية وغزة. وكان البيت الابيض في عهد كلينتون قد كشف ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك طلب من كلينتون الافراج عن ريتش، كما ان شيمون بيريز وعدداً من المسؤولين الاسرائيليين ساهموا في اقناع كلينتون. وعلى رغم ان ريتش يهودي فإن قرار العفو عنه وعدم الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد يثير نقمة اليمين اليهودي في الولاياتالمتحدة واسرائيل خصوصاً ان معظم علاقات ريتش هي مع جماعات حزب العمل. وكشفت صحيفة "لوس انجليس تايمز" ان تبرعات ريتش داخل اسرائيل قاربت 30 مليون دولار. ويشكك المراقبون في قدرة السطات القضائية الاميركية على الحصول على ادلة كافية لاصدار قرار اتهامي في حق الرئيس السابق، ولكن التحقيقات مستمرة والاهتمام الاعلامي يتزايد، وبذلك يكون الجمهوريون نجحوا في قلب التغطية الاعلامية التي يحظى بها كلينتون على رغم مغادرته البيت الابيض الى تغطية سلبية.