مع تزايد انتشار الإنترنت واتساع استخداماتها، يتزايد الاهتمام بالبعد اللغوي في ما يتعلق بتطبيقاتها المختلفة وأدوات استخدامها. ولكن ماذا عن المستقبل؟ وهل تظل الإنترنت حبيسة ما يعرف بالاحتكار اللغوي؟ تتشعب علاقة اللغة العربية بشبكة الإنترنت الى اتجاهات عدة، بعضها لغوي عام، وبعضها خاص بالعربية، وبعضها الآخر "حوسبي" خاص بالتقنية. وتتداخل لتشكل معاً الصورة الكلية ذات الطابع الرمادي. بدأت علاقة العربية بالإنترنت مع المتصفح "تانغو" الذي أطلقته شركة "أليس" الكندية عام 1995، ولم ينل نجاحاً يذكر، في وقت تجاهل متصفحا الانترنت""نتسكيب" و"اكسبلورر" اللغة العربية. واتجه الراغبون في تعريب الفضاء الا فتراضي إلى الصور، و حولوا النصوص العربية اما إلى رسوم مباشرة على صيغة jpg أوGIF، أو غير مباشرة على شكل وثائق محمولة pdf تحتاج الى برنامج "ادوب أكروبات ريدر" ADOBE ACROBAT READER لقراءتها. ووقع المستخدمون العرب ضحية بطء معيق، وغياب القدرة على البحث والمعالجة النصية. لكن الامور تطورت نسبياً، وصولاً إلى الوضع الراهن، إذ تستطيع الآن أن تقدم نصوصاً عربية، قابلة للبحث والفهرسة والمعالجة والترجمة أيضاً. وحال اللغة العربية، رقمياً، أبعد ما تكون عن الكمال، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بسلاسة التعامل اللغوي، والكثير من الجوانب التطبيقية المرتبطة باللغة، وبالتقنية أيضا. محركات البحث لا تزال حائرة! نبدأ من النصوص التي يعتمد تقديمها إلى شبكة الإنترنت عنصرين: برامج تحرير صفحات"ويب"، ببعديها البرمجي والتصميمي، وبرامج تصفح الإنترنت. وتنبع مشكلة النص العربي من معضلة تعدد صفحات المحارف التي تسمح للكومبيوتر بالتعرف الى حروف لغتنا العربية. أما في الإنكليزية فهناك صفحة محارف واحدة متعددة النسخ، فيما عندنا ثمة صفحات محارف شتى بحسب كل شركة عربت برنامجاً أو نظام تشغيل. وفي السنوات الأخيرة، حاولت الشركات حل هذه المعضلة بأن جعلت برامج التصفح وكذلك برامج التحرير تفحص صفحة "ويب" للتعرف الى ما هو مستخدم من المحارف، ثم تعرضها على الشاشة. ولا يخلو هذا الحل من مشكلات، فبرنامج "فرونت بيج 2000" الذي عربته مايكروسوفت جزئياً، لا يدرك أن في اللغة العربية علامات ترقيم، لذا فالويل لنصوصك إذا وضعت فيها اي علامة ترقيم كالفاصلة أو نقطة آخر الجملة، إذ تنقلب لتصبح من اليسار إلى اليمين، وستجد الكلام الذي يلي الفاصلة يصبح قبلها وهلم جراً. ويحضر الى الذهن فوراً برنامج "ناشر نت" الذي تنتجه شركة "صخر" لبرامج الحاسوب العربية، ويحتوي "محرراً" مضمناً يتعرف إلى النص العربي نصاً متكاملاً، ويتيح مجموعة من الأدوات اللغوية االمتكاملة الوظائف، كالمدقق الإملائي والمعالجة الفنية للنصوص وخطوط الجواهر وغيرها. وبدا طرح صفحة المحارف العالمية الموحدة "يونيكود" واعداً، لكن التطبيق العملي لم يكن مثالياً. وتحار المتصفحات في اختيار هذه الصفحة، وتضطر احياناً الى اختيارها يدوياً. وثمة مشكلة معلقة في نظم التشغيل. فمتصفحات ويندوز لا تزال عمليا تفشل في قراءة صفحات ماكنتوش العربية، والعكس صحيح، ما لم تتدخل يدوياً لتعريفها بصفحة المحارف المعنية. و يبشر اعتماد تطبيقات "جافا"، اساساً لبرمجة صفحة "ويب"، مع اللجوء الى "يونيكود"، باقتراب الحل المنشود. وفي التجربة العملية، نجحت تجربة شركة "ديوان" في طرح نسخة من القرآن الكريم، كتطبيق محمول عمل في مختلف نظم التشغيل من دون إشكالات، وبرسم عثماني لا خلل فيه. مشكلات البحث عن النصوص وتبرز أهمية وظيفة التحليل اللغوي التي يتميز فيها التحليل الصرفي عن التحليل النحوي، بالنسبة الى البرامج الرقمية. ويتيح الصرفي البحث عن مشتقات الجذر، فإذا بحثت عن "قارئ" تعثر أيضاً على "قراءة" و"قراء". ويضيف التحليل النحوي مرحلة إضافية تسمح بتمييز الحالات النحوية للمفردة، وبالتالي يمهد الطريق أمام مرحلة بحثية لا تزال غائبة هي البحث الدلالي. وهو نوع البحث الذي نحتاج اليه لكي يستوعب محرك البحث سؤال "من هو طه حسين؟". لا نقصد البحث عن "من" أو "هو" أو "طه" أو "حسين"، وإنما عن "طه حسين". وهناك جهود جادة للتوصل الى البحث الدلالي وتأسيس قاعدة التحليل النحوي، كما في جهود شركة "صخر" في الكويت، و"دار حوسبة النص العربي" في الاردن و"المركز الهندسي للبحوث التطبيقية" في مصر. وثمة نمط من البحث يستحق الإشارة إليه، وهو البحث في الترجمة حيث تبحث عن "اقتصاد"، وتحصل على نتائج تحتوي "اقتصاد" وeconomy، باستخدام محرك ترجمة مدمج تروج له شركة "ابتك" APTECH، ومطبق في محرك البحث الموجود في www.arabvista.com وكذلك في الإنترانت الخاصة بالبرلمان اللبناني. ويقتصر البحث على المفردات فقط، لتتم مقابلتها بيسر مع قاموس الترجمة. لكن المعضلة العملية التي تواجه محركات البحث العربية هنا هي الفهرسة الآلية. فالمحركات لا تزال تعمل بمفهوم دليل المواقع، وتنتظر الناس ليسجلوا مواقعهم فيها وبعضها ليس فيه مثل هذه الخدمة اصلاً. والنتيجة تكمن في المفاجأة التي تنتابك عندما تقارن نتيجة بحثك عن "الاقتصاد اللبناني" مثلا في محرك مثل "التافيستا" altavista ونظيره العربي "ارابفيستا" arabvista . فالاول يفهرس المواقع آلياً، حتى لو لم تسجلها لديه، والثاني لا يفعل. ويعد موضوع الترجمة من أهم الموضوعات في علاقة اللغة بالإنترنت. ويرى البعض أن توفير خدمات ترجمة فاعلة على "ويب" أهم من توفير صفحات عربية، على أنه يسمح بتلاقي الثقافات والاطلاع على ما هو مكتوب باللغات المختلفة. وثمة أربع خدمات لترجمة مواقع "ويب" إلى اللغة العربية، هي: أداة شركة "أبتيك" وبرنامج "عجيب" من شركة "صخر" وبرنامج "المسبار" وبرنامج "الفراهيدي". ويهمنا هنا أن نذكر بحقيقتين تنطبقان على كل محركات الترجمة عموماً، الأولى أن "الترجمة بمساعدة الكومبيوتر" ربما كان الوصف الأصح لهذه الترجمات، والثانية أن هذه المواقع تقدم ترجمة عامة، لا ترجمة متخصصة. و تروج شركات عدة مثل "صن" SUN MICRO SYSTEMS و"مايكروسوفت"، لأن يكون محرك الترجمة متوافراً على الشبكة، إما لدى موفر خدمة الانترنت وإما لدى مؤجر تطبيقات، إذ يميز اختياراتك اللغوية مسبقاً، ويقدم إليك "ويب" بلغتك، وبغض النظر عن اللغة الاصلية للنص. أي أن تكون الترجمة تلقائية لا بحسب الطلب.