الأرجح ان الاجتماعات الوزارية المغاربية المقررة للشهرين الجاري والمقبل لن تؤدي إلى انعاش "الإتحاد المغاربي"، فهي من باب رفع العتب لا أكثر في ذكرى مرور اثنتي عشرة سنة على ميلاد المشروع الاقليمي الاهم في شمال افريقيا 17 شباط/ فبراير العام 1989 والذي انهار بعد اعوام فقط من تأسيسه بسبب تغليب المصالح الذاتية على المصالح الجماعية. وعلى رغم الخطاب المتفائل الذي يتردد في غير عاصمة مغاربية تعليقا لآمال كبيرة على الاجتماعات المرتقبة، فالظاهر ان الدماء لن تعاود التدفق في شرايين الجسد المشلول منذ العام 1995 رسمياً في الأقل بسبب الخلاف المستحكم بين الجزائر والمغرب. صحيح ان ازمة "لوكربي" وما اعقبها من فرض عقوبات قاسية على ليبيا زادت اوضاع الاتحاد تعقيداً وحالت دون تسلم الليبيين دورهم في الرئاسة من الجزائر في أواسط التسعينات، لكن العقدة لم تكن هناك بدليل ان الإتحاد لم يستعد عافيته بعد تعليق العقوبات وتطبيع "الحالة الليبية". تكمن العقدة في النزاع المغربي - الجزائري على الصحراء الذي يعكس في الواقع اصراراً على تحجيم الآخر أملاً بكسب نفوذ اقليمي أكبر مع ان النتيجة هي اضعاف الخصمين، او بالأحرى الشقيقين في آن معاً. لا خلاف على ان معاودة الاجتماعات الوزارية المغاربية بعد جمود استمر خمسة اعوام خطوة ايجابية، اذ اجتمعت اللجنة المتخصصة بالأمن الغذائي في الرباط أخيرا، وستجتمع لجنة البنية التحتية في تونس واللجنة الاقتصادية والمالية في طرابلس ولجنة الموارد البشرية في نواكشوط، على ان يتوج المسار باجتماع لوزراء الخارجية الشهر المقبل في الجزائر. لكن الارادة غير متوافرة لإعطاء دفعة حقيقية للمشروع، فما لم تختف ذهنية الصراع والإرتياب من الجار لتحل محلها ذهنية البناء المشترك، التي كانت وقود الوحدة الاوروبية، لن يكون هناك تقدم. اللافت ان مشروع الإندماج المغاربي لم يعد مطلباً لحكومات المنطقة بقدر ما هو اليوم مطلب ملح يرفعه الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، على أمل اقامة شراكة اقليمية مع سوق قوامها ثمانين مليون مستهلك. وبداً واضحاً من محادثات رئيس المفوضية الاوروبية رومانو برودي خلال جولته الاخيرة على عواصم المنطقة، ان هناك ضغطاً من بروكسيل مثلما كان هناك ضغط غير خفي من واشنطن للدفع في اتجاه تكريس مشروع التكامل الاقليمي. أكثر من ذلك، يوجد لدى القطاع الخاص في البلدان المغاربية تحفز شامل للاستفادة من تحرير الاسواق في اقامة علاقات تبادل وشراكة على صعيد المنطقة، إلا أن الموانع السياسية تقف حائلاً امام هذا النزوع الطبيعي. كذلك تسعى مكونات المجتمع المدني الى اقامة جسور متعددة الاتجاهات لتكريس التعاون على نحو يخرج المشروع المغاربي من طابعه الفوقي والرسمي ويمنحه بعداً عملياً في الحياة اليومية للناس، لكن هذا المطلب ما زال يعتبر اقتراباً من الخط الاحمر، خصوصاً من قبل الحكومات المتنابذة. ولن تلمس آثار تأخير انطلاق قطار الاندماج المغاربي في المستقبل فقط، وانما هي حاصلة الآن لأنها تنعكس سلباً على وضع كل بلد وتتضاعف "الفاتورة" يوما بعد يوم مثلما اثبتت ذلك الدراسات التي اعدها خبراء اقتصاديون عن كلفة تأخير اقامة سوق اقليمية. مع ذلك هناك من يقول "اننا استكملنا انشاء المؤسسات المغاربية والمطلوب هو فقط تفعيلها". لكن هذه المؤسسات مجرد هياكل خاوية، فيما غدت الاتفاقات الثلاثون الموقعة في اطار الاتحاد عبارة عن معلقات. وعليه يفترض ان تبحث الاجتماعات الوزارية المغاربية في بند واحد هو فتح الحدود وتحرير المبادلات تدريجاً بين بلدان الاتحاد تمهيداً لإزالة الحواجز الجمركية، فتلك هي الخطوة الاولى لوضع قدم ثابتة على طريق البناء الاقليمي.