مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جردة حساب لأعمال حزب "كوادر البناء" الايراني في المرحلة السابقة . عطريانفر : كان تحركنا استشهادياً في فضاء يسيطر عليه المحافظون
نشر في الحياة يوم 11 - 02 - 2001

في المرحلة التاريخية السابقة للعام 1995، كانت كل القوى الاصلاحية التي تسعى الى كسر احتكار السلطة وتمركزها في الجناح المحافظ أو اليمين الايراني، تجمعت خلف رئاسة آية الله الشيخ هاشمي رفسنجاني وحكومته تحت اسم مستعار هو "كوادر البناء".
وقد أتى الاسم من كون معظم الذين نشطوا تحت لوائه كانوا من موظفي الدولة في عهد رفسنجاني، ولم يحملوا بذور نشأة حزبية، لذلك لم يقدموا مانيفستاً سياسياً يشكل ورقة عمل أو تصوراً حزبياً. ولكن وبحكم انتمائهم الى الطبقة الموظفة، وبتعبير أدق الى الطبقة الوسطى في المجتمع الايراني، جذبتهم الشعارات الاقتصادية للمرحلة الرفسنجانية المرتكزة على اعادة البناء والاصلاح الاقتصادي واعادة توزيع الثروة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ولعل العنوان الأخير، العدالة الاجتماعية، شكل الجاذب والدافع لهؤلاء الى التحرك والعمل والتجمع، خصوصاً أن التقسيم الطبقي للمجتمع الايراني، ضمن الموازين والاعتبارات الداخلية، تشكل فيه الطبقة الوسطى نحو 70 في المئة، فيما لا تتعدى نسبة الطبقة الغنية 5 في المئة والطبقة الفقيرة 25 في المئة. أما في منظار الشاخص الاقتصادي العالمي، فإن نسبة من هم دون خط الفقر تتسع في شكل كبير.
هذا البعد في تركيب "كوادر البناء"، كان العامل الأساس في أن تنضوي كل القوى الاجتماعية الأخرى تحت هذا اللواء لاشتراكها في الحد الأدنى من الأهداف في ما بينها، وبعدما تحقق تقدم على صعيد انفتاح الفضاءات السياسية الداخلية، وانزاحت العوائق أمام التعدد والتنوع الحزبي، أخذت كل القوى صفتها الحقيقية وتحول كل المؤيدين والمتعاونين والمساعدين لكوادر البناء في المرحلة السابقة، تشكيلات حزبية مستقلة ذات برامج محددة ومتنوعة.
ويمكن تشبيه هذه المرحلة من تاريخ الثورة والدولة الاسلامية، بالمرحلة التي سبقت وتلت مباشرة قيامها وانتصارها، قبل نحو 20 عاماً على رغم اتفاق كل القوى آنذاك على القضاء على نظام الشاه، فوضعت اختلافها وتنوعها جانباً من أجل تحقيق هذا الهدف. ولكن بعد الانتصار عادت الى مكوناتها الأولى، فانفصلت كل من حركة تحرير ايران ومجاهدي الشعب منافقي الشعب وحزب الأمة، بعضها عن بعض، وبدأ صراع مرير بينها. وبعد مدة حدثت انشقاقات داخل هذه المجموعات حتى أن عدوى الانشقاق طاولت المجموعة الأكثر انسجاماً كما هو مفترض، وهي رجال الدين. وظهرت مجموعة "مجمع علماء الدين المجاهدين" وكذلك "جماعة علماء الدين المناضلين".
ولاحقاً، وبعد وصول السيد محمد خاتمي الى رئاسة الجمهورية، انفصلت قوى كثيرة كانت تعمل تحت لواء كوادر البناء، حتى ان وزير الخارجية السابق الدكتور علي ولايتي الذي يشغل الآن منصب المستشار السياسي الأول لقائد الثورة، كان جزءاً منها لكنه انفصل بعد معركة المجلس النيابي السابق والانتصار النسبي الذي حققته.
واذا أردنا اليوم تقويم الحركة الانقلابية التي قام بها كوادر البناء في تلك المرحلة من تاريخ ايران، أي قبل نحو خمس سنوات، يمكن القول إن الدور التاريخي لهذا التحرك، وحتى التجمع، انتهى، وهم محكومون بإعادة بلورة تجمعهم من جديد، وتحديد مكوناتهم وأهدافهم السياسية والاجتماعية ضمن مانيفست حزبي محدد.
عن كل هذه الأمور وعن التحديات التي يواجهها كوادر البناء على الساحة الايرانية والحياة السياسية، كان هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لكوادر البناء المهندس محمد عطريانفر، والعضو في مجلس بلدية طهران ورئيس تحرير صحيفة "همشهري" المواطن التي تصدر عن البلدية.
عمل عطريانفر سابقاً عضواً في هيئة تحرير صحيفة "كيهان" حين كان السيد خاتمي رئيساً لتحريرها، وأيضاً مساعداً سياسياً لوزير الداخلية.
قبل أن يأخذ تجمع كوادر البناء شكلاً حزبياً ويحمل لواء إطار لمجموعة سياسية نخبوية ذات خبرة ومنسجمة، يمكن اعتبار التحرك الذي قام به عام 1995 أشبه بنهضة أو ثورة داخل النظام، أو كتعبير عن موقف بعض القوى في مقابل بعض التغيرات والتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها ايران. اما منشأ هذا التحرك فكان كرد فعل على سيطرة القوى المحافظة على كل مقدرات ايران، من دون رعاية للحاجات العامة أو القوى المنتجة والطبقة الاجتماعية الوسطى على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن السيطرة على مراكز القوى الأخرى، وبالتالي على النظام السياسي، فوجهت الدولة والهرم الاداري نحو الدولة التوتاليتارية، من دون أن يقف في وجهها عائق.
ويرى محمد عطريانفر، في رده على سؤال عن الظروف الموضوعية والدوافع التي انتهت الى ضرورة تشكيل حزب كوادر البناء، أن "ثمة كوادر عملوا في حكومة الشيخ هاشمي رفسنجاني في تلك المرحلة، ومن أجل اعادة البناء والتنمية، كانت لهم مواقف معارضة لتحركات القوى المحافظة التي كانت ترتكز على مراكز قوى داخل النظام، ساعية الى تحقيق اهدافها الخاصة من خلال اتباع المواقف المتطرفة، اضافة الى أن مجلس النواب الأسبق الرابع الذي يسيطر عليه المحافظون شكل سداً منيعاً أمام تحقيق سياسة الشيخ رفسنجاني القائمة على التنمية الاقتصادية. وهي السياسة التي بعثت الأمل في المجتمع الايراني بنقل ايران من نقطة اللاتوازن بعد انتهاء الحرب مع العراق، الى الأمل بتحولها بلداً قادراً وقوياً وثرياً". ويضيف: "في مقابل ذلك، وبعد استشارات موسعة، اتفقت مجموعة من الكوادر العاملين في الدولة على البدء بتحرك من أجل كسر هذا الاحتكار، يمكن تسميته بالمقاومة السلبية أو الاعتراض على الاتجاه الافراطي والمتطرف للجناح المحافظ. فواجه هذا التحرك معارضة وضغوطاً كثيرة من المحفاظين وبأشكال مختلفة. وبعد الدعم الذي تلقته هذه المجموعة من قائد الثورة والموقف الايجابي الذي أبدته القيادة منها، وكان بمثابة دفع للقوى العاملة من أجل اعادة بناء ايران، ترسخ لديها اعتقاد أن قوى الجناح المحافظ تعمل على ايجاد أجواء توهم بأن تحركها هو بدعم من القيادة". ويتابع: "لذلك كانت الخطوة الأولى بعد موقف القيادة، اعلان الحضور السياسي لكوادر البناء، الذي لم يكن مبنياً على أساس مانيفست سياسي، بل لمواجهة تطرف الجناح المحافظ واحتكاره. لذلك شكلوا محوراً تجمعت حوله كل القوى السياسية المعارضة والمختلفة في الرؤية السياسية مع الجناح المحافظ. ويمكن القول إنهم أصبحوا عملياً الاسم المستعار لكل القوى المعارضة للتفرد والمطالبة بتساوي الفرص في الادارة والحكم. لذلك كان أول من أظهر موقفاً سلبياً مجلس صيانة الدستور الذي فرض على كوادر البناء اطلاق اسم الحزب على تجمعهم ضمن الشروط السياسية والحقوقية، اضافة الى معارضته الاسم الأول للتجمع الذي كان "تجمع خُدام البناء" في شكل قاطع، بحجة أن ليس لنا الحق في اسم "خدام". وانطلاقاً من أن الهم الأساس الذي كان يحكم التحرك من البداية هو إحداث ثورة داخل النظام، لم يكن لدينا مشكلة مع الاسم بل مع المسمى الذي كان يسعى الى عبور حقل ألغام سياسي في ليل السياسة اليومية وظلامها. وفي الواقع استطاع هذا الحزب فتح الطريق والوصول الى فجر الجهة الثانية، إذ عبرت خلفنا كل القوى الأخرى، وبالتالي استطعنا الوصول الى قسم من الأهداف التي وضعناها نصب أعيننا".
وعن كون كوادر البناء رواد الأحزاب الاصلاحية في ايران، قال عطريانفر "انهم في الواقع شكلوا حركة استشهادية ونقطة عطف تاريخية في التحرك السياسي داخل التشكيلات التنفيذية للدولة، انطلاقاً من الشروط الموضوعية الحاكمة في مرحلة كانت كل مراكز القوى والسلطة في تصرف المحافظين الذين كانوا يعملون على تشديد قبضتهم يوماً بعد يوم، حتى انهم أي كوادر البناء لم يكونوا يعرفون ماذا يمكن أن يحل بهم أو أي تعاط سيواجهونه، ومثال ذلك ما حدث للسيد غلام حسين كرباسجي الذي حاكمه المحافظون لأنه قام بتحرك سياسي".
وعما جناه كوادر البناء من دعم رفسنجاني على رأس السلطة التنفيذية، قال عطريانفر ان "كوادر البناء في بداية تشكلهم عندما أرادوا الشروع في أولى خطواتهم، لم يكن لديهم شعور بالثبات أو القدرة على مواجهة طوفان السلطة والقدرة المتنامية للمحافظين، لذلك رأوا انهم يحتاجون الى قطب سياسي قادر يستندون اليه، وانطلاقاً من رؤية موضوعية للظروف الداخلية وسعي الى انجاح التجربة كانوا في حاجة الى شخصية من صلبهم ومن النوع الاصلاحي تدرك الأهداف التي دفعتهم الى التحرك وتفهمها، وتستطيع أن تؤدي دور الملجأ القادر والقوي في حمايتهم. لذلك كان اختيار الشيخ رفسنجاني لاعتبارات عدة، أولها انه رئيس الجمهورية، وثانيها انهم تشاوروا معه قبل بدء تحركهم، وثالثها ان تجربته السياسية والنضالية تجعله من المدافعين عن التنمية السياسية وتفعيل المشاركة الجماعية".
وأضاف عطريانفر ان رفسنجاني "لم يكن علة وجود كوادر البناء، واذا اعتبرناه كذلك لا نتجاوز الحقيقة، لكنه كان فقط عنصر اعتماد وسند لهذا التجمع في مواجهة المحافظين. ولولا دعمه لتعرضت المجموعة للخنق في مهدها على يد المحافظين ولما كان يمكن احداث تغيير في موازين القوى داخل المجلس النيابي الخامس السابق وتحولها من غالبية في يد الجناح المحافظ الى غالبية اصلاحية، وكذلك لما كان حدث تحول الثاني من خرداد نيسان 1997 وانتخاب السيد خاتمي. وعليه يمكن الاعتبار أن دوره كان تاريخياً سيذكر بالخير مستقبلاً".
وعن المواجهة التي حدثت بين رفسنجاني و90 من المفكرين والمثقفين الايرانيين، حيال رأيهم في الخطة الخمسية الأولى، وأدت الى سجنهم، اعتبر عطريانفر ان "الأمر لم يكن يتعلق بسياسة الاصلاح الاقتصادي ولا برئاسة الشيخ رفسنجاني، لأن اتهامهم له يأتي من قراءة غير موضوعية للظروف التي مرت بها رئاسته الثانية للجمهورية، إذ لم يكن يتمتع بسلطات واسعة، كانت سلبت منه بذرائع مختلفة. وانطلاقاً من انه كان يعتقد بضرورة التحرك السلمي لم يقدم على رد فعل عنيف، فعمد المحافظون الى سلبه مواقع في السلطة بالقوة. فأجبروه على التخلي عن وزير الداخلية الشيخ عبدالله نوري، وعن وزير التعليم العالي الدكتور معين والاتيان بهاشمي كلبايكاني، وأصر على عودة الشيخ ري شهري الى وزارة المخابرات، لكنهم أجبروه على ابقاء الشيخ فلاحيان، وأجبروه أيضاً على التخلي عن وزير الثقافة والارشاد السيد محمد خاتمي والاتيان بالسيد مير سليم". وأضاف "إن ما يأخذه هؤلاء المفكرون والمثقفون على الشيخ رفسنجاني ويعترضون عليه فيه، هو في الواقع بسبب ما كانوا يتعرضون له من هذه المواقع الوزارية ذات السلطات الواسعة والقادرة، والتي من المفترض بها أن تشكل المدافع عن التحركات والمواقع السياسية والفكرية والثقافية، أو على الأقل لا تشكل عائقاً. فهؤلاء لم يروا ان الشيخ رفسنجاني أصبح نفسه ضحية للمحافظين، وقد سحبت منه هذه المجموعة من المواقع والسلطات، ولم تُترك له حرية في التصرف. ولم يكن أمامه سوى التراجع أمامهم، تماماً، كما هو الوضع الراهن، بل ان الشيخ رفسنجاني في رئاسته الثانية كان أضعف من السيد خاتمي الآن. ثمة محاذير وعوائق في تركيب النظام السياسي تجعل من شخص مثل رئيس الجمهورية مقيداً وخاضعاً للسيطرة. هؤلاء المفكرون والمثقفون ينتقدون الشيخ رفسنجاني بعيداً من الواقعية وبكثير من المبالغة والتضخيم وهو الذي كان من المدافعين عنهم في تلك المرحلة. فهل يرضيهم أن يقوم بحركة أو تحرك استشهادي حتى يرضوا عنه خلافاً لما تفرضه أولويات العمل الاصلاحي في التدرج والتدبير والحكمة، لم يكن أمامه حتى يرضيهم الا أن يقف ويقول للآخرين: "أنا هكذا، إما ان يكون ما أريد أو لا أكون. عند ذلك يكون جوابهم بكل بساطة، إذاً لا تكن".
وعن الجانب الاقتصادي في المعارضة قال عطريانفر ان "الخلاف يكمن في خلفية فهم الضرورات الاقتصادية لإيران في تلك المرحلة. ففي حين كان الشيخ رفسنجاني يرى أن لا مجال أمام ايران الا السعي الى استعادة مكانتها في الاقتصادات العالمية، من خلال اعادة تحديد الموقع الاقتصادي في السياق العالمي، وإلا فلا يمكنها البقاء والاستمرار، كانت مكونات سياسته الاقتصادية تعتمد سياسة الاصلاح والاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق، لقدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية، ولأن سياسة الاقتصاد الموجه احدثت اختلالات ومجالات افادت منها طبقة على حساب طبقات. فهؤلاء، وبينهم المهندس عزت الله سحابي كانوا لا يرون ضرورة اتباع سياسة الاصلاح الاقتصادي، بتأثير من الفكر الاشتراكي والمعسكر اليساري. وهؤلاء موجودون الآن حول السيد خاتمي الذي هو نفسه يعتقد بهذه السياسة ومن الموافقين على سياسة رفسنجاني الاقتصادية مذ كان في حكومته". وأعرب عطريانفر عن اعتقاده ان البحث في السياسة الاقتصادية "يجب أن يأخذ في الاعتبار ظروف الزمان والمكان، إذ لا يمكن أحداً ان يفرض على بلد ما، أن يتبع سياسة التعديل الى آخر العمر، لذا يجب العمل في اطار ما تفرضه المصلحة الوطنية".
وعن الخلفيات التي أدت الى دخول الأمين العام لحزب كوادر البناء غلام حسين كرباسجي السجن، قال عطريانفر: "بعد الانتصار الذي حققه الحزب في انتخابات المجلس الخامس وحصوله على الغالبية النسبية فيه، أحس المحافظون بوقع الهزيمة عليهم، خصوصاً أنهم لم يتوانوا عن استعمال كل الأوراق التي في حوزتهم لمنع كوادر البناء من تحقيق انتصار كبير، فلو كانت هذه الانتخابات صحيحة وسليمة مئة في المئة، لكان الحزب حقق انتصاراً أكبر وسيطر على الغالبية المطلقة، الا ان الجناح المحافظ لجأ في المرحلة الثانية من الانتخابات الى اعتماد اسلوب التحايل على الأمور، مستفيداً من نفوذه في بعض المواقع كرفض أهلية بعض المرشحين أو التدخل في بعض الصناديق وخلط الأصوات في بعض المناطق، ومن ضمنها طهران، لإقامة سد في وجه تحقيق الحزب هذا الانتصار. هذه التعبئة القوية والتحرك الواسع للجناح المحافظ مكناه من تغيير التركيب المفترض لنواب طهران مثلاً، من 23 للحزب و7 للمحافظين الى عكسه، ما أدى الى خسارة الحزب الغالبية المطلقة وتحول وجوده غالبية نسبية، أي أصبح التركيب 115 لكوادر البناء بدلاً من الرقم المتوقع 160، أي أقل من 135، أي نصف عدد النواب في تلك الدورة 270. وبالتالي شكلوا سداً أمام وصول الشيخ عبدالله نوري الى رئاسة المجلس. هذه النتائج دفعت المحافظين الى البدء بملاحقة كرباسجي، ووضعه في السجن بعذر واهٍ، واستدعوا معه أكثر من 170 من موظفي بلدية طهران أوقف منهم نحو 60، وخضعوا للتحقيق، عشرات آلاف الساعات، بلا جدوى، لينتهي الأمر بتبرئة الجميع. والوحيد الذي أرادوا محاكمته وادانته وسجنه هو كرباسجي، وقد فعلوا ذلك. في النتيجة، كان انتصار كوادر البناء في المجلس السابق وحضور كرباسجي الفاعل في انتخابات السيد خاتمي، السبب في سجنه وادانته".
وعن الرسالة التي وجهها كرباسجي من السجن الى قائد الثورة وأدت الى اطلاقه، وهل يمكن اعتبارها اعترافاً منه بالتهم التي وجهت اليه، علل عطريانفر هذا الأمر بالقول: "كان من الصعب على كرباسجي دخول سجن نظام الجمهورية الاسلامية، لأنه من المعتقدين والمؤمنين بهذا النظام، وجزء منه. ولم يكن لديه استعداد لتقبل سجنه، وله الحق. في حين انه دخل سجن الشاه ثلاث سنوات، حتى ان اخباره انقطعت 14 شهراً داخل السجن، وصمد وقاوم والسبب في ذلك عدم ايمانه بالنظام الملكي. وعندما دخل سجن النظام الذي يثق به ويحترمه، سعى الى متابعة قضيته بمختلف الوسائل القانونية والحقوقية. وكلما اقترب من اثبات براءته وحقه، كانوا يقفون في وجهه. كان من الممكن أن تبرئه السلطة القضائية، لكن المحافظين - الذين أدخلوه السجن - وبتدخل سياسي من خارج النظام القضائي، وقفوا في وجه ذلك". وأضاف عطريانفر انه تحدث شخصياً مع قاضي الاستئناف الذي قال إنه حكم على كرباسجي بلا ذنب أو سبب، "لقد مارسوا عليه ضغوطاً سياسية حتى قام بذلك".
على من مارسوا الضغط؟
- على السلطة القضائية.
وهل يستطيعون ذلك؟
- نعم، يستطيعون.
من خارج النظام أم من داخله؟
- هم موجودون داخل النظام وجزء من الجناح المحافظ. لنتصور أن أحد القضاة يدعي الاستقلال، لكن كل مقدراته في يد شخص أعلى منه، لنقل، رئيس العدلية، ورئيس العدلية هذا مصالحه المستقبلية يحددها موقع سياسي من داخل فضاء المحافظين، فيضغطون على ذاك القاضي لاصدار الحكم الذي يريدونه، والقاضي ليس معصوماً.
فرئيس السلطة القضائية آية الله الشيخ محمد يزدي من الأشخاص الذين يرون ان هذا الملف مرتبط بالسياسة، واقتناعه كان ببراءة كرباسجي لكنهم أجبروه على العمل خلافاً لذلك. وهنا يجب عدم النظر الى من له الحق أو يعين رئيس السلطة القضائية، لأن هناك فضاءات سياسية عدة محيطة بمركز القرار، تستطيع ضمن ظروف وشروط معينة، وضع عوائق وممارسة ضغوط على الذي يعين رئيس السلطة القضائية.
وبعض هذه "الكولونيات" السياسية تستطيع ايجاد ظروف تكون مصداق قول علي بن أبي طالب ع "لا رأي لمن لا يطاع". وهؤلاء الذين يعدون أنفسهم تابعين للقيادة، يعملون على خيانة القيادة ويعصونها ويعصون القانون. فقد قال القائد السيد الخامنئي ألاّ يظلم كرباسجي، لكنهم ألحقوا به الظلم، وعملوا خلافاً لرأي القائد.
ألم يكن في استطاعة القائد منع وقوع هذه الأمور؟
- لم يكن في استطاعته ذلك، لأن هؤلاء خطرون، ويمكنهم احداث المشكلات خلف الكواليس، حتى للقيادة، واستطاعوا الوصول الى اهدافهم عبر الكولسة وأساليب سياسية. وفي اعتقادي ان هذا ما يحدث في ايران، ويجب ألا نغفل عنه.
وفي ما يتعلق بموضوع مشاركة رفسنجاني في الانتخابات النيابية ودور الحزب في ذلك، اعتبر عطريانفر "ان الشيخ رفسنجاني ارتكب خطأ استراتيجياً في المشاركة. فأنا شخصياً وكثر من الذين يوافقونني الرأي، نعتقد انه لم يملك أي دليل لمشاركته. أما لماذا؟ فلأنه كان شغل منصب رئاسة المجلس ثماني سنوات، ومثلها أيضاً منصب رئاسة الجمهورية، وفي بداية الثورة كان محوراً لكل التحولات. هذه الشخصية القادرة والمعتبرة شغلت كل العناوين الحقيقية، وليس لديها أي دليل للعودة ثانية الى احدها، ويجب أن تدور عجلة تناوب السلطة وتداولها بين النخبة، من أجل اخراج النظام من الضعف وحصره في عدة قليلة، خصوصاً بعد استقرار الثورة". وأضاف "ان عودة الشيخ رفسنجاني الى دخول الدور، ثانية، ولَّد لدى الناس رفضاً، فحملوه مسؤولية كل الأخطاء التي حدثت زمن رئاسته. وقد قر الرأي على عدم مشاركته، وطرحت معه الموضوع شخصياً في حوار استمر 45 دقيقة ولم يعارض، بل كان موافقاً ورأيه أن الشخص المناسب لتولي رئاسة المجلس هو الشيخ عبدالله نوري. إلا أن ضغوطاً مورست عليه، وكان رأي القائد آية الله خامنئي ضرورة عودته الى المجلس، وفي مقابل قولي له، ان في استطاعته القول للقائد ان هذا الأمر من باب "التكليف بما لا يطاق"، كان رأي كبار النظام أن هناك تياراً يسعى الى تخريب اركان النظام وزلزلتها من أساسها تحت اسم الاصلاح، وأن الظرف يحتاج الى رجل وزعيم من مثل رفسنجاني لمواجهة ذلك. وفي الواقع، ان هذا الموقف هو الذي أوقعه في الخطأ وجعله يتلقى مثل هذه الصدمة أو الضربة".
أما عن أسباب الاستقالة، فقال عطريانفر: "طرحنا الموضوع معه، وأظهرنا له أن مشاركته في الانتخابات لم تكن في مصلحته، وان البقاء والاستمرار يعدان أيضاً، خطأ. ولحسن الحظ، كنا موفقين في اقناعه بالاستقالة وكان ذلك منه ضرباً من الذكاء وخطوة صحيحة، لأن المجلس الجديد، وفي حال أصبح رفسنجاني رئيساً له، لا يمكنه أن يوفر أرضية للتوافق الفكري والتعاون. والقائد لم يتدخل في هذا القرار، وقد ثبت له أيضاً ان المجلس المنتخب ليس بالصورة التي قدمها اليه كبار النظام، على انه مجلس خطر يسعى الى تحطيم اركانه".
وعمن قدم هذا التصور الى القائد، قال: "الجهة نفسها، أي الأجنحة والأيدي الخفية التي ذكرتها سابقاً، والتي ادخلت كرباسجي السجن، وتقود البلاد نحو الشعب، تقلب الوقائع. طبعاً نحن مسرورون جداً بأن القائد يتحرك في شكل ذكي. وببعد النظر الذي يتحلى به، استطاع الوقوف في وجه شحن الأجواء وإبطالها".
أما عن موضوع وجود خلافات في وجهات النظر داخل اللجنة المركزية للحزب خصوصاً بين رئيس المكتب السياسي محمد هاشمي والأمين العام كرباسجي في شأن الموقف من حزب المشاركة، اعتبر عطريانفر ان "الخلافات التي يشهدها الحزب، بالأصالة أو بالذات، متأتية من أن أشخاصاً، مثل السيد محمد هاشمي أو الدكتور عطاء الله مهاجراني، تأخروا في تعريف أنفسهم حزبياً من جديد، وهم محكومون بهذا التعريف في يوم من الأيام. وإذا لم يحدث ذلك أرى أنهم أدوا دورهم داخل الحزب في صورة جيدة وعالية في مرحلة ما، وان مهمتهم انتهت ونشاطهم توزعته مجموعات فاعلة اخرى".
وعن احتمال ان تقود هذه الاختلافات الى انشقاق داخل الحزب، أكد عطريانفر ان "كوادر البناء نوع واحد، ولا يمكن أن يكونوا نوعين. واذا كانت لأحد من كوادر البناء ميول خاصة ويرغب في الانفصال عن الجسد الحزبي، فإن هناك مجموعات اخرى ومتنوعة قد تتوافق مع هذه الميول. ولكن اذا أراد كوادر البناء الاستمرار كحزب ضمن شروط جديدة، ينبغي لهم أن يعرفوا بأنفسهم من جديد من خلال مبان جديدة. واذا فعلوا ذلك، يمكن أن يكون لديهم حياة سياسية مشتركة. وإلا وفي نظرة واقعية، اذا وضعنا حزب كوادر البناء وحزب المشاركة جانباً، فإن المجتمع سيستمر في حركته، لأن المحرك الأساس هو الشباب المتحفز".
وعن موقع وزير الارشاد والثقافة الدكتور مهاجراني داخل الحزب وعضو اللجنة المركزية والهيئة التأسيسية للحزب، في ظل الضغوط التي يتعرض لها والساعية الى اجباره على الاستقالة، قال عطريانفر ان "مهاجراني من الشخصيات البارزة في كوادر البناء، ومن المجموعة الأساسية المقررة. أما ما يقوم به الجناح المقابل المحافظون فليس موجهاً ضد مهاجراني، بل هو، واقعاً، ضد السيد خاتمي. الضغوط لا علاقة لها بشخص مهاجراني، وأعتقد ان هذا التوجه انهزم ولم يحالفه التوفيق. وعليه فإن مهاجراني سيبقى في الوزارة، ويمكنه أن يبقى شخصية نافذة داخل الحزب، شأن شخصيات أخرى مثل السيد نجفي نائب رئيس الحزب والسيد نور بخش رئيس البنك المركزي وكرباسجي الأمين العام، والسيد جهافكيري وزير المعادن، شرط ان يعرفوا الحزب من جديد. وعليه، إذا قرروا البقاء، عليهم اتباع الآلة الحزبية، واذا قرروا الرحيل فلهم ذلك.
هل ترى امكاناً لأن يستقيل مهاجراني؟
- استبعد أن يحدث ذلك حتى نهاية رئاسة السيد خاتمي.
هل يرشحه الحزب الى رئاسة الجمهورية؟
- لا. ففي حال استمرار السيد خاتمي مرشحاً، فإنه لن يدخل الساحة.
وإذا لم يدخل السيد خاتمي؟
- استبعد أن يسمحوا لمهاجراني بدخول الساحة. أما الحزب وبسبب عدم التوازن الذي يمر به، وعدم معاودة تعريف نفسه، لا يمكنه ابداء رأي في هذا الأمر.
وعن حصة حزب كوادر البناء في المجلس النيابي الحالي، بعدما خاض الانتخابات ب70 مرشحاً، قال عطريانفر ان "كوادر البناء لم يكن لديهم أي مرشح منذ البداية. والآن كذلك ليس لديهم أي نائب بهذه الصفة، الا أن الترشيحات كلها كانت تحت لواء جبهة الثاني من خرداد. قدم كوادر البناء لائحة مشتركة مع 17 حزباً، ولم يكونوا حزباً حتى يكون لهم مرشحون حزبيون، بل كان تحركهم من أجل تقوية تيار الثاني من خرداد وحركة السيد خاتمي. وأعتقد ان التقسيم الانتمائي والحزبي للنواب هو تقسيم مجازي، لأن حزب المشاركة الآن يتمتع بالوضع نفسه الذي كان لكوادر البناء في المجلس السابق، وعلى افتراض انهم حققوا تقدماً على المستوى الفكري، فإن عدداً من هؤلاء النواب سيميل اليهم، في حين أنهم الآن يرغبون في التقرب من حزب المشاركة بأي شكل. هناك نواب يقفون في منطقة عدم التوازن، وهم يعيشون بحسب ظروف اليوم وعلى حساب الغد".
وعلى صعيد آخر يتعلق بالأزمة التي تعانيها الصحافة الايرانية، وبصفته رئيس تحرير احدى أهم الصحف الايرانية همشهري، تحدث عطريانفر عن مشكلات السلطة القضائية، مقارناً بين رئاسة الشيخ محمد يزدي ورئاسة السيد محمود هاشمي الشاهرودي، فأكد "ان المؤسسة القضائية من المؤسسات التي تعرضت لضرر كبير في ايران، على رغم انها تحتل مكانة متقدمة في الاستراتيجية والنظرة الكلية الاسلامية". وأضاف "ان عمل القاضي يدور بين الحلال والحرام، والتعاطي مع كرامة الناس. والمؤسف ان هذا الأمر مغفول عنه في السلطة القضائية، وأتصور ان تشبيه السيد شاهرودي المؤسسة القضائية بالخرابة، تعبير صحيح، والأمر يستدعي اجراء اصلاحات داخلها، لكنني لا أتصور أن السيد يستطيع فعل ذلك أو القيام بشيء".
أما عن التعاطي مع الصحافة واقفال نحو 20 صحيفة ومجلة ولماذا حدث ذلك في أيام السيد شاهرودي في حين لم يحصل أيام الشيخ يزدي؟ اعتبر عطريانفر ان "الارادة السياسية استطاعت فرض رأيها على السلطة القضائية وأقفلت الصحف. ولو أنها قررت ذلك أيام الشيخ يزدي لاستطاع ذلك، ولم يكن في مقدوره الوقوف في وجه ذلك بل كان سيستسلم. وعليه فإن السبيل الى مواجهة ذلك، أن يتم التوافق والاتفاق بين السيد شاهرودي والمجلس النيابي واحترام القانون وبدعم من كبار العلماء، على أمرين: أن يصل القاضي الى منصبه ضمن شروط وبناء على أسس وأصول محددة، وأن يتمتع بالنزاهة وعلو النفس، حتى لا تستطيع أي ارادة سياسية فرض رأيها وقرارها عليه". وختم: "اذا لم يتحقق ذلك، لا أحد يستطيع تحقيق أي تقدم أو نصر، ولو تولى السيد خاتمي مسؤولية السلطة القضائية. وما دامت ارادة القاضي وقراره وعدالته خاضعة لإحدى الارادات السياسية التوسعية، فسنبقى نشهد ما شهدناه حتى الآن. ولو حققنا الآن تقدماً في الضغط لإعادة فتح الصحف المقفلة، لا نكون حققنا شيئاً، لأن علينا أن نحل أولاً المسألة الأساسية وتحديد حقوق الصحف وأن يكون الحكم عدل الجرم وقدرة الاختيار بين السيئ والأسوأ، وليس فقط بين الخير والشر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.