اعلن المدرب التركي فاتح تيريم، مدرب فريق فيورنتينا الايطالي لكرة القدم، انه سيترك الفريق مع نهاية عقده ومدته عام واحد في 30 حزيران يونيو المقبل. وأوضح تيريم، الذي كان خلف المدرب جوفاني تراباتوني في هذا المنصب قادماً من غلطة سراي التركي، انه ابلغ لاعبيه بقراره، علماً انه كان تشاور اخيراً مع رئيس النادي فيتوريو تشيكو غوري في موضوع تمديد عقده، من دون ان يثمر ذلك عن نتيجة ايجابية حتى الآن. على رغم انه يحمل اسم فاتح، الا ان احداً لم يستقبل المدرب التركي فاتح تيريم استقبال الفاتحين في ايطاليا، التي قدم اليها للاشراف على فريق فيورنتينا قبل اقل من ستة اشهر، باعتباره مدرباً مبتدئاً في البطولة الاكثر صعوبة وتطلباً في العالم، ولا يجيد اللغة الايطالية حتى، كما انه لم يمتلك سجلاً بارزاً على صعيد الانجازات في ظل انحصار انجازه الابرز، خارج اطار بطولة تركيا، في قيادة غلطة سراي الى احراز لقب كأس الاتحاد الاوروبي الموسم الماضي، ما جعله اول نادٍ تركي يتوج في احدى المسابقات الاوروبية عموماً، علماً انه أهّل منتخب بلاده ايضاً لنهائيات كأس الامم الاوروبية في انكلترا 1996. ولم يتردد بعض النقاد في اطلاق عبارات السخرية على خيار فيتوريو غوري، رئيس نادي فيورنتينا، في اختيار تيريم لانجاح مهمة اضطلاع الفريق بدور "الحصان الاسود" المنشود في البطولة هذا الموسم، والذي لم يحتج باعتقادهم الى خبرة مدرب تمرّس في احدى البطولات الاكثر تواضعاً في "القارة العجوز"، على رغم الاعتراف الصريح بتقدمها الملموس في الاعوام الاخيرة، والذي واكب مسيرة الاندية والمنتخب معاً. واذ اصاب تيريم النجاح السريع باحتلال فيورنتينا، المركز الخامس في المرحلة ال16 بعد سلسلة من النتائج الجيدة ابرزها التعادل الايجابي مع يوفنتوس على ارض الاخير 3-3، والفوز الكاسح على ميلان 4- صفر، اوقع النقاد جميعهم في دائرة الجهل، واكد نظريتهم الخاطئة في ان المدربين المحليين والاسبان والهولنديين والاميركيين الجنوبيين وحدهم الاكثر تفهماً للمعطيات الفنية والتكتيكية في بطولة ايطاليا. واللافت ان انجاز تيريم تحقق في الموسم الاول لاسدال الستار نهائياً على حقبة ارتكاز النتائج الجيدة على نجومية الهداف الارجنتيني غابرييل باتيستوتا، بعدما غادر الفريق الى روما في الموسم الجاري، ما عكس توفيره معادلة تخطي التأثيرات السلبية لهذا الانتقال، والذي تحقق عبر اسلوب لعب هجومي مزج بين الفاعلية والعرض الممتع والشيق. واجتذت تيريم بالتالي انظار بقية الفرق الايطالية الى امكان الحصول على خدماته في الموسم المقبل، وفي مقدمهم ميلان، الذي يبدو ان مسؤوليه شرعوا، ولو بعيداً عن الانظار، في اعداد العدة لاستبدال البرتو زاكيروني، بعد نتائج الفريق المخيبة حتى الآن في البطولة. اذ تأكد الجميع من ان انجاز فيورنتينا لم يكن وليد المصادفة، بل ارتبط بميزات تيريم الشخصية والتدريبية الخاصة لجهة توفير الحوافز المعنوية الهائلة للاعبين والمقرونة بالاعصاب "الحديدية" في مواجهة التحديات القوية غير القليلة، امام فرق اكثر غنىً بالنجوم، وتعزيز قدرة الخلق في الاداء الجماعي. ولعل هذه الميزات ساهمت في تخطي تيريم عقبة انتقاد رئيس النادي غوري نفسه علنياً، نظامه التدريبي في بداية مرحلة الاعداد للبطولة، بعد سلسلة من النتائج المخيبة في المباريات الودية، وواجهه المدرب التركي مباشرة في مؤتمر صحافي طالبه فيه بعرض هواجسه امامه مباشرة، او اتخاذ اجراء اقالته مباشرة، من دون اللجوء الى وسائل "ملتوية" تؤدي الى زعزعة اللحمة الداخلية بين عناصرالفريق. وحمل رد غوري لهجة اكثر عنفاً، اذ طالبه بتقديم اعتذار علني، تحت تهديد اتخاذه قرار اقالته، الا ان اللاعبين جميعهم والمشجعين هموا للدفاع عنه من دون تردد، ما افشل محاولة غوري، لتترسخ بعدها لحمة الثقة ذات النتائج الايجابية التي لا غبار عليها. واذ تبقى مهمة مواصلة السير على طريق الانتصارات الاصعب بالنسبة الى أي فريق في بطولة ايطاليا، في ظل ارتفاع حدة المنافسة وحجم الضغط الاعلامي مع تقدم مراحل البطولة الحالية، تتضاعف اهمية دور تيريم، خصوصاً ان المعطيات الداخلية في تشكيلة فيورنتينا غير متكاملة، في ظل عدم توافر الاموال الضرورية لاستقدام النجوم البارزين في بداية الموسم، فضم الفريق فقط لاعب خط الوسط البرازيلي امارال، الذي تعرض لاصابة في المباريات الاعدادية ابعدته حتى الآن عن الملاعب، ومواطنه المهاجم لياندرو، والبرتغالي نونو غوميش. ويعتمد تيريم على لاعبين يجسدان صورة نخبة النجوم العالميين حالياً، هما البرتغالي روي كوستا والحارس فرانشيسكو تولدو، وتؤازرهما مجموعة من المخضرمين المكلفين. مهمات رئيسية في التشكيلة، من بينهم المدافعان توماس ريبكا ومورينو توريتشيللي، ولاعبا الوسط ساندرو كوا وانجيلو دي ليفيو، اضافة الى لاعبين آخرين يحاولون استعادة تألقهم في الملاعب، بعد فترة من التراجع، امثال انريكو كييزا ولياندرو وباولو فانولي. واستطاع هؤلاء حتى الآن تنفيذ استراتيجية اسلوب اللعب "الثوري" التي وضعها تيريم، لجهة منح اللاعبين مساحة الحرية الاكبر من اجل استعراض قدراتهم الفنية، وباتت تشكل مصدر الهام لباقي فرق البطولة، علماً ان الجميع دهش لدى تكرار مشاهد الابتسامات على وجوه اللاعبين في المباريات البارزة امام يوفنتوس وميلان وانتر ميلان وسواها. الا ان النتائج الايجابية لم تواكب دائماً هذه الاستراتيجية، حيث سقط الفريق امام بيروجيا في المراحل الاولى من البطولة 3-4 على رغم تفوقه عليه في عدد التسديدات المباشرة على المرمى 19-5. ومهما كانت النتائج المقبلة، فان الامر المؤكد ان تيريم منح بطولة ايطاليا لمسة ابتكار عززت دوره في رفع شأن الكرة التركية على المستوى العالمي، الى جانب دور فريق غلطة سراي بالطبع، الذي واصل مسيرته المظفرة في مسابقة دوري ابطال اوروبا، واكد بالتالي احقيته في كسب صفة "سفير" الكرة التركية بامتياز. وعكس ذلك مرة جديدة واقع ان لغة كرة القدم عالمية ولا تخضع لمعايير نجاح محددة ترتبط بكرة معينة، اذ استطاع تيريم ايصال رؤيته الكروية من دون ان يجيد النطق بكلمة واحدة باللغة الايطالية، وازال بالتالي الاعتقاد السائد ان مشكلة اللغة تشكل عائقاً بديهياً امام نجاح مهمة المدربين الاجانب في اي بطولة، علماً انه يمكن القول ان الايطالي كلاوديو رانييري، مدرب تشلسي الانكليزي الحالي كرس هذا الواقع هذا الموسم ايضاً، على رغم انه لم يصب نجاح تيريم ذاته.