كل شيء مختلف في شهر رمضان، هدوء في النهار، يعقبه بعد الإفطار ازدحام وضجيج يملآن الشواع والساحات في كل المدن والقرى، لا سيما في العاصمة. ويخرج الناس إما لزيارة أضرحة اولياء الله الصالحين أو الى المقاهي للعب الدومينو واحتساء الشاي وتدخين النرجيلة، وإلى اي مكان آخر للتسلية بعيداً عن برامج التلفزيون ومسلسلاته التي لا تتوقف. وتعتبر منطقة الحُسين أكثر أحياء القاهرة ازدحاماً في رمضان، وذلك لحرص الكثيرين على أداء الصلاة في المسجد الحسيني والجلوس في المقاهي القريبة منه. واذا كانت وزارة الأوقاف تقيم سرادقاً للاحتفال بليالي رمضان بجوار المسجد الحسيني فإن "بيت الهراوي" خلف الجامع الازهر الذي أنشئ في العام 1731 تقام فيه أمسيات رمضانية ايضاً، حيث تحتفل وزارة الثقافة بالشهر الكريم بالحفلات الموسيقية والغنائية يحييها فنانون شعبيون في هذا المنزل القديم الذي بناه الطبيب عبد الرحمن الهراوي. ويتميز المكان ومنزل "زينب خاتون" المجاور له بالمشربيات والبناء الأثري الجميل. واذا فكرت في الجلوس في مقهى في "الحسين" فلا بد أن يكون ذلك المقهى التاريخي "الفيشاوي" القريب من الجامع الأزهر. والمكان مكتظ دائماً بالزبائن على رغم برودة الجو، ولذلك فمن الصعب أن يجد الزبون لنفسه مكاناً، داخل المقهى. أول ما يلفت النظر في المقهى أن كبار السن هجروه وأصبح مقصد الشباب من الجنسين، الذين يجلسون ليدخنوا النرجيلة ويلعبون الدومينو ويشربون الشاي "ليبتون" بدلاً من الشاي الاخضر الذي كان علامة مميزة لهذا المقهى منذ عشرات السنين. وعن هذا المقهى يقول ضياء الفيشاوي أحد المسؤولين عن إدارته إنه بني العام 1772 في عصر محمد ابو الذهب الأمير المملوكي وأنشأه شخص يدعى "الفيشاوي". اضاف أن هذا المقهى، قديماً، كان مقصد المغاربة الذين يمرون على القاهرة في طريقهم الى الأراضي المقدسة في السعودية، ثم أصبح مقراً للشيخ محمد عبده وتلاميذه. وفي فترة الخمسينات والستينات كان يرتاده الشعراء ومنهم طاهر ابو فاشا وبيرم التونسي وايضاً الكاتب العالمي نجيب محفوظ. وقال أن معظم رواد "الفيشاوي" حالياً هم من الشباب، وأصبح من الصعب حضور الفنانين اليه، باستثناءات بسيطة بسبب الازدحام الشديد، على رغم أنه كان مقصد الفنانين مثل سامية جمال وتحية كاريوكا وكمال الشناوي وفؤاد المهندس وشويكار وغيرهم، إلا أن الازدحام الذي اصبحت له الكلمة العليا حالياً في كل مكان جعل الشباب هم الزبائن في كل المقاهي. وتعتبر مقاهي منطقة الحسين أكثر المقاهي ازدحاماً في العاصمة بعكس مناطق أخرى خلت من الزبائن، ففي مقهى "الفردوس" في شارع كلوت بك في الازبكية، جلس صاحب المقهى يدخن النرجيلة. قال اسماعيل محمود رمضان 35 سنة صاحب المقهى- إن زبائن المقاهي في رمضان عموماً هذا العام أقل منهم في أعوام سابقة لأسباب عدة أولها برودة الجو التي جعلت الكثير من الزبائن لا يخرجون من منازلهم، والسبب الثاني المسلسلات والبرامج التي يبثها التلفزيون تجذب كثيرين، أما السبب الثالث فهو قرار محافظ القاهرة الدكتور عبد الرحيم شحاتة منع تقديم النرجيلة لمن هم أقل من 18 سنة من الشباب. ويرى اسماعيل خليل صاحب مقهى "الاخلاص" في المنطقة نفسها ان امتحانات نصف العام أجبرت كثراً من الزبائن على البقاء في منازلهم سواء من الطلاب او أهاليهم بالاضافة الى الحملات الامنية الكثيرة التي تشنها "مباحث المرافق والمخدرات" للتفتيش على هذه المقاهي والتأكد من عدم وجود مخالفات فيها سواء تقديم النرجيلة لمن هم أقل من 18 سنة أو أي مخالفات أخرى. وفي الجيزة لا تختلف الحال كثيراً، ففي مقهى "الاندلس" فوجئنا بالمقهى شبه خالٍ من الزبائن، قال صاحبه محمود حامد اسماعيل إن المقاهي تعاني ركوداً في الشتاء ما يؤدي الى عدم اقبال الزبائن لبرودة الجو، بالاضافة الى تردد الغالبية على المساجد لصلاة العشاء والتراويح، كل هذا يجعل المقاهي شبه خالية من الزبائن في رمضان، كما أن وجود عدد كبير من المقاهي في العاصمة جعل عدد الزبائن قليلاً في جميع المقاهي خصوصاً في شتاء رمضان. ويؤكد رجب دياب 38 سنة صاحب مقهى "الامانة" في منطقة المنيرة الغربية بامبابة أن مقهاه من دون ترخيص منذ فترة طويلة لعدم مطابقته المواصفات، وللاسف توجد آلاف المقاهي في العاصمة من دون ترخيص لأسباب عدة أهمها وقف الترخيص للمقاهي من وقت لآخر بسبب كثرتها في العاصمة إذ يصل عددها الى 25 ألف مقهى، ويصل عدد المقاهي غير المرخصة الى العدد نفسه تقريباً.